مقالات

أليس الصبح بقريب؟

د. بثينة شعبان

الأشدّ وطأة من الإجراءات القسرية الأحادية الجانب واللاشرعيّة واللاقانونيّة على سوريا وشعبها، هو أن تستمع إلى المندوبة الدائمة للولايات المتحدة في مجلس الأمن تتحدث عن الأوضاع الإنسانية في سوريا، وتبعات هذه الأوضاع على الأمن والسلم الدوليّين، وخاصة أنها تختزل سوريا في المناطق التي يسيطر عليها الإرهابيون المدعومون من الولايات المتحدة.

لا أعلم ما هو الشعور الشخصي لهذه المندوبة بينها وبين نفسها، وهي تعلم ومن دون شك أن جذر ومنتهى المشكلة في سوريا هي الخطط الصهيو-أميركية، والتي مكّنت آلاف الإرهابيين من التدفّق إلى سوريا، وحين فشلوا في مهمتهم قدّمت القوات الأميركية محاولة بث روح الاستمرار فيهم، واضعة يديها الآثمة على مقدرات الشعب السوري؛ فتنهب قواتها النفط السوري، وتفرض قوانينها حصاراً وحشياً على الملايين من المدنيين السوريين.

والسؤال ذاته موصول لثلاثة أعضاء كونغرس يوصفون بأنهم “رجال قانون” يتسلّلون إلى الشمال الغربي من سوريا لمدة نصف ساعة، وينسحبون خوفاً من استهدافهم، لعلمهم علم اليقين أن ما يقومون به غير شرعي ومعيب بحقهم وخطير؛ كيف يمكن لدولة تقوم تماماً بعكس ما تدّعيه أن تظنّ نفسها قادرة على تقديم أنموذج قيادي للعالم، وأي ديمقراطية هذه وأي حقوق إنسان يتحدثون عنها؟!

لقد تسلّل أعضاء الكونغرس فرينش هيل وبين كلين وسكوت فيتزجيرالد إلى الأراضي السورية، كما يتسلّل السارق والمهرّب والإرهابي، عبر معبر باب السلامة الذي يحاولون إبقاءه مفتوحاً لإيصال المساعدات الإنسانية كما يدّعون، ومن خلال زيارتهم يقرّون أنهم يدعمون الإرهاب الذي يعبث بأمن وسلامة الملايين من المدنيين العزّل في سوريا.

إن مثل هذه المفارقات الصارخة بين الأقوال والأفعال في السياسة الأميركية ليس حيال سوريا فحسب، وإنما حيال العالم برمّته، فهي التي أشعلت حركات التمرّد في أفريقيا على الغرب برمّته، وهي التي تساهم يومياً في تحوّل مزيد من دول العالم للبحث عن بدائل للنظام الغربي الاستعماري المتوحّش، والذي يعطي نفسه حقّ العبث بحياة الشعوب، والاستهانة بمقدّراتها الفكرية والمادية ونهب ثرواتها الغنية.

وليس من المبالغة القول إن ما نشهده اليوم على الساحة الدولية يمثّل يقظة غير مسبوقة لدى معظم شعوب العالم بحقيقة النظم الغربية القمعيّة، وحقيقة كل ما تدّعيه من شعارات زائفة، وحقيقة الأهداف الأساسية التي تسعى إليها من سلب الثروات، وارتهان الإرادات والإبقاء على استعمار خبيث مقنّع أشدّ وأدهى من الاستعمار القديم والمباشر.

فبعد الانقلاب في النيجر نُشرت دراسات تتحدّث عن أهمية برامج التدريب التي قدّمتها الولايات المتحدة لعسكريين من بلدان أفريقية، وأن هذه البرامج قد ركّزت أولاً وبشكل أساسي على تبنّي القيم “الليبرالية” التي تعني الولاء لقيم القمع والنهب والعبوديّة، وليس على نشر القيم الديمقراطية في تلك البلدان، وأن هذه البرامج قد أوصلت نخباً عسكرية ليبرالية عميلة وفاسدة إلى سدة الحكم في دول أفريقية كثيرة.

ولذلك، فإنّ هذه الانقلابات التي يشهدها غرب أفريقيا، والتي تمتد إلى بلدان أخرى تطيح بقواعد بشرية ليبرالية قيادية، عملت الولايات المتحدة على تدريبها وإنضاجها وإيصالها إلى سدّة الحكم، وتوريطها بالفساد وبالعمالة للمخابرات الأجنبية، ما هي إلا دليل على وعي الشعوب المتنامي بحقيقة الواقع الذي يعايشونه، ودور الغرب في الفقر المدقع الذي وجدوا أنفسهم فيه رغم ثروات بلدانهم الهائلة.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى