مقالات

التشخيص والعلاج

في المؤتمر الإعلامي الدولي لمواجهة الإرهاب التكفيري الذي عقدته وزارة الإعلام يومي 24-25 الجاري كان سهلاً على أي مراقب أن يكتشف أن العرب القادمين من اليمن والجزائر ولبنان والأردن ومصر وفلسطين متفقون تماماً على تشخيص الداء الذي يضرب الجسد الإعلامي والسياسي في أمتنا. ولم يكن صعباً على أي مراقب اكتشاف أوجه الشبه التي تكاد تصل حدّ التطابق بين واقع عربي وآخر مهما بعُدت المسافات بين الأقطار العربية، وهذا بحدِّ ذاته يؤكد للمرة الألف أهمية الروابط المشتركة التي تربط بين البلدان العربية، وأهمية اللغة والثقافة والتاريخ والجغرافيا. إلا أن هذا لا يأخذ بالضرورة المنحى الإيجابي فقد تكون العوامل المشتركة أيضاً تعبّر عن سلبيات نعيشها جميعاً وتشكّلُ سمةً من سمات مجتمعاتنا العربية. في هذا المؤتمر تحدث المتحدثون بإخلاص وحماس وعبّروا عن وجهات نظرهم بكفاءة وشفافية ولكنّ الوقت الأهم تمّ إشغاله بتشخيص الإرهاب التكفيري وإدانته وإبراز العزيمة والإرادة لمواجهته بكل السبل المتاحة، وهنا بيت القصيد.

ما السبل المتاحة إعلامياً لمواجهة هذا الإرهاب وما الخطوات التي يجب اتباعها بعد أن يُغلق المؤتمر أبوابه ونوافذه ويعود المشاركون كلٌّ إلى دياره وأعماله، وما آليات العمل المقترحة التي تمّت دراستها ومناقشتها ومن ثمّ تبنيها كي يكون استخدامها مضمون النتائج بالنسبة للأهداف المرسومة لها؟ لا شكّ أن المؤتمر سيُصدر بياناً ختامياً أو إعلاناً ويضع لجان متابعة وآمل أن يشكّل في هذا المنحى علامة فارقة عن أساليب العمل العربية التي اعتدناها منذ عقود.

لقد عقدت الهيئات واللجان العربية وعلى مدى العقود الماضية اجتماعات في معظم الدول العربية واتخذت قرارات بالتعاون والتنسيق والتبادل التجاري والتعليمي والفني، كما اتخذت الجامعة العربية في مؤتمراتها العديدة عشرات القرارات الصائبة والضرورية للواقع العربي والتي بقيت جميعها حبراً على ورق، كما بقي الواقع العربي يراوح في مكانه لأن أياً من القضايا التي تتطلب العلاج الإسعافي لم تتم بالنتيجة معالجتها، ذلك لأن العرب اعتادوا في أغلبيتهم أن ينالوا جرعة قناعة وراحة من الحدث نفسه، وأن يشعروا بالطمأنينة بعد ملامسة جراحهم والإشارة إلى مكامن التحديات والأخطار في مناحي حياتهم. أمّا عن نتائج هذا الحدث والقيمة المضافة التي نجمت عنه فعلاً، والتغيير الذي أحدثه ولو بعد حين في المناحي التي تطرّق إليها، فهذا ما لا تتم غالباً متابعته وتقييمه وتحديد نتائجه. كل هذا يعني أن الوقت يمرّ مهدوراً بين لقاء وآخر واجتماع وآخر ومؤتمر وآخر من دون أن يتغير شيء على الأرض أو تتم مواكبة التطورات في العالم والتي يتوق واقعنا العربي إلى مواكبتها.

واليوم نحن أمام عالم جديد تماماً في الشرق والغرب وأمام تغييرات كبرى تجري على الساحات المحلية والإقليمية والدولية، المطلوب جداً من العرب جميعاً وفي جميع أقطارهم هو أسلوب مختلف في العمل، ومعايير تقييمية مختلفة ومتابعات ناجعة ودقيقة ومدروسة. المطلوب اليوم هو أن نُمضي أقل من نصف الوقت في التشخيص ونكرّس أكثر من النصف لمناقشة أساليب العلاج، والأثمان المطلوبة لهذا العلاج ومصادر التمويل المحتملة والأكيدة لتوفير هذه الأثمان والوقت المحدّد لاستكمال العلاج والمعايير التي سوف يتم تبنيها لتقييم النتائج، والخبراء الذين سوف يُشرفون على كلّ مرحلة والمرجعية التي ستقيّم ما تمّ إنجازه من خطوات وما الخطوات الضرورية التي سوف تتبع؟ أي أن نتعلم من أصدقائنا، وحتى من أعدائنا، كل السبل التي نهضت بواقعهم فعلاً وأن نركز على توظيف هذه السبل لتغيير واقعنا جذرياً وجدياً لأن الوقت هو أثمن ما نمتلكه ولم يعد بمقدور العرب أن يهدروا من الوقت أكثر مما أهدروا على مدى عقود. التشخيص مهم ولكن العلاج هو الهدف والمبتغى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى