الطبل في إيران والعرس في «إسرائيل»
تناقلت وكالات الأنباء في العالم الخبر الذي نشرته صحيفة بلومبرغ الأميركية بأن لقاءً قد حصل بين السعودي أنور ماجد عشقي والإسرائيلي دوري غولد، أحد أهم كبار مساعدي نتنياهو في إطار مجلس العلاقات الخارجية في واشنطن، وأن هذا اللقاء قد سبقته خمسة لقاءات سرية. وأضاف الخبر أن السعودي والإسرائيلي بحثا بلورة إستراتيجية سياسية واقتصادية مشتركة لمحاصرة إيران إقليمياً. وقد اعتدنا أن ترشح بين الفينة والفينة أخبار عن لقاءات سعودية إسرائيلية أو زيارات سعودية أو قطرية إلى إسرائيل. ولكنّ الجديد في الموضوع هو أن هذا الخبر الأخير قد أتى مسنوداً بصور واضحة وأن الخبر أشار إلى اللقاءات السريّة التي سبقت هذا اللقاء العلني، وأن الهدف من هذا اللقاء هو بحث إستراتيجية سياسية واقتصادية مشتركة بين السعودية وإسرائيل. والجديد أيضاً هو أن هذا الخبر قد تمّ بثه على خلفية العدوان السعودي على اليمن ولذلك ربما تعمّد الخبر أن يغفل الصفة الأهم للإستراتيجية التي يعمل الطرفان على بلورتها ألا وهي الإستراتيجية «العسكرية» أو لعلّ هذه الإستراتيجية قد تمت بلورتها من الطرفين وأنها اليوم في طور التنفيذ وليست في مرحلة التباحث والنقاش.
وبالعودة إلى تاريخ المملكة العربية السعودية نستذكر موقفها من الحركة القومية في اليمن والتي قضت على نظام الإمامة وحوّلت اليمن إلى جمهورية عربية يمنية. فدخلت السعودية من خلال أعوانها ضد النظام القوميّ الجمهوري ما اضطر جمال عبد الناصر من الدخول بالجيش المصري لحماية نظام قومي جمهوري من الإفك السعودي. وكانت هذه هي التي أنهكت الجيش المصري قبل حرب 1967 والتي أضعفت نظام جمال عبد الناصر العروبيّ القومي. وفي ذلك التاريخ، أي في أوائل الستينيات، لم تكن الثورة الإيرانية قد حدثت بعد، وكان الغرب في ذلك الوقت راضياً عن نظام الشاه في إيران ولم يكن لإيران أي دور من قريب أو من بعيد بهذا التدخل السعودي السافر ضد نظام قومي جمهوري يحاول تثبيت أقدامه في اليمن السعيد. وفي ذلك الوقت كان العالم الإستعماري الغربيّ ضد جمال عبد الناصر وضد توجهه العربي القومي والأحلام التي عبّر عنها لجمع شمل العرب وصياغة نظام عربي يوحّد كلمة العرب ويستثمر مقدراتهم الهائلة لخدمة أبناء العروبة في جميع أقطارهم. فتبرعت السعودية وقامت بالدور الذي لم يجد الغرب طريقة للقيام به ألا وهو إنهاك هذا القائد العربي الشاب وإنهاك جيش مصر ومحاربة أي مدّ قومي عروبي حاول عبد الناصر تشجيعه ومساندته في أي بلد عربي من أجل تحقيق حلم العرب بوحدتهم وتكاملهم على الساحة الإقليمية، والتاريخ يشهد أن الوريث القومي لنظام عبد الناصر هو النظام الذي خطّه ودافع عنه الرئيس حافظ الأسد والذي بنى في سورية منهجاً قومياً عروبياً سارت عليه الأجيال وعمل طيلة حياته من أجل جمع كلمة العرب وتوحيد موافقهم لما فيه خير بلدانهم وشعبهم في مختلف أقطارهم. وقد وقفت السعودية من خلال دعمها ودول الخليج معها للحرب العراقية الإيرانية ضد أي نظام قومي عربي وتذرعت بدعم صدام ضد إيران ولكنّ الحقيقة كانت دعم توجهات صدام الرافضة أي تعاون عربي رغم كل محاولات حافظ الأسد وإنهاك إيران التي أغلقت سفارة الكيان الصهيوني وافتتحت سفارة لفلسطين وأعلنت الدعم المطلق لتحرير فلسطين.
واليوم، ومنذ خمس سنوات، والسعودية تمدّ بالمال والسلاح عناصر إرهابية مرتزقة قَدمت من كل أنحاء العالم لتدمير سورية البلد العربي المقاوم والممانع، وتدمير بنيته التحتية من أجل وضع حدّ لهذا التوجه العروبي المتجذر في أعماق السوريين. فوقفت دول الخليج وعلى رأسها السعودية وقطر مع حقد واستهداف العثمانيين لسورية، وذلك ليس خوفاً من إيران بل خوفاً من القومية العربية التي تمثلها سورية في مناهجها وتعليمها وسياساتها وتوجهاتها وقيادتها السياسية. إذ لم يسبق أبداً أن هاجمت إيران بلداً عربياً أو احتلت بلداً عربياً في حين تحتل إسرائيل بلداً عربياً وأراضي من بلدان أخرى. فكيف تخشى السعودية إيران ولا تخشى «إسرائيل». إن الهدف الحقيقي من إثارة الضجة حول إيران من السعودية ودول الخليج هو تسويغ الحرب ضد الشعب السوري والشعب اليمني ووضع حد للصراع العربي-الإسرائيلي والتعاون مع الكيان الصهيوني لتقويض أي توجه عروبي سيادي يحافظ على كرامة العرب ويستثمر مقدراتهم الهائلة. إذ إن القصة الحقيقية اليوم في اليمن وسورية وليبيا والعراق ليس الخوف من إيران بل القضاء على الجمهوريات العربية ذات التوجه القومي التقدمي المقاوم والممانع.
والهدف الأساس هو تذويب الصراع العربي الإسرائيلي دون حروب ودون استعادة أي حقوق للعرب وبهذا تلعب السعودية الدور الذي لم تتمكن «إسرائيل» ولا الولايات المتحدة من لعبه وهو إنهاء الصراع العربي-الإسرائيلي لمصلحة «إسرائيل» دون أية حروب وتدمير التوجهات العروبية القومية، وإذا لزم الأمر استهداف إيران من خلال السعودية ومن على أرض السعودية ربما بطائرات إسرائيلية وطيارين إسرائيليين. وربما هذه هي الإستراتيجية السعودية-الإسرائيلية غير المعلنة بعد.