مقالات

القارئ في النصّ

محزنة هي الطريقة التي يتعامل بها إعلامنا العربي مع خطابات ومحطّات مهمة في الإعلام الدولي والمحزن هو أنه أول اقتباس ينتشر في جميع رسائل الإعلام كالنار في الهشيم دون إعادة تدقيق أو ترجمة أو تمحيص. وقد كان هناك مثال صارخ في خطاب الرئيس بوتين السنوي منذ بضعة أسابيع حين ادعى البعض أن خطابه تضمن عدم رضى المسؤولين السوريين عن القرار 2254 في حين كان الرئيس بوتين قد عبّر عن قبوله وقبول المسؤولين السوريين للقرار وترك الاحتمال أن أحداً ما في مكان ما قد يحتج على القرار. ومنذ أيام وبعد أن ألقى الرئيس أوباما خطاب الاتحاد الأخير له في إدارته كان مفجعاً أن نرى الاقتباسات والتحليلات وردود الأفعال والتي لم تنفذ في غالبها إلى ترجمة دقيقة لما قيل ولا إلى تحليل نافذ للقول الذي ورد فعلاً. والأكثر من ذلك أن هناك بعض مقاطع الفيديو للرئيس أوباما التي انتشرت في أكثر من بلد عربي مع ترجمة مكتوبة على الشاشة لا تمت بصلة إلى ما ينطق به أوباما.

بعد قراءتي لخطاب الاتحاد وجدتُ من واجبي أن أطلع القارئ العربي على وجهة نظر تستند بدقة إلى ما قاله أوباما ولكنّ الأهم هو أنها ترى الخطاب من منظور عربي مستقبلي:

1- من الواضح أن الرئيس أوباما لم يعترف بنشوب قطب جديد في العالم تمثله روسيا والصين وقال إنه حين يتعلق الأمر بمسألة دولية مهمة فإن شعوب العالم لا تتطلع إلى بكين وموسكو لتقودا بل يتصلون بنا، ذلك لأنه اعتبر أن النظام الذي خلفته الحرب العالمية الثانية ما زال قائماً- وإن كان يصارع- وأن الأمر عائد للولايات المتحدة أن تساعد لإعادة بناء هذا النظام.

2- تحدث عن التحالف الأميركي لمحاربة «داعش» و«القاعدة» وكأنه تحالف تشكّل تحت سقف الشرعية الدولية وبمشاركة الدول المعنية وموافقتها في حين هو لم يكن كذلك طبعاً وسرد نتائج لم تتحقق على الأرض على الإطلاق نتيجة طلعات هذا التحالف ولكنها تحققت نتيجة العمل الجاد والمدروس لسلاح الجو الروسي.

3- كرئيس لأقوى دولة على الأرض- حسب تعبيره- لم يعر اهتماماً للأمن العالمي ولم يتحدث عن العالم وكأنه قرية صغيرة بل تحدث فقط عن أمن الولايات المتحدة مع أن الواقع قد أثبت أن إرهابياً في الرقة يستطيع أن يضرب في جاكارتا، ومع ذلك لم تبذل الولايات المتحدة جهداً حقيقياً لتشكيل موقف دولي موحد وصادق وحقيقي ضد الإرهاب. ولم توافق يوماً على التمييز بين الإرهاب والمقاومة المشروعة لإنهاء الاحتلال وذلك حفاظاً على حق إسرائيل في احتلال أراضي العرب واستمرار ممارساتها العنصرية الصهيونية ضدهم.

4- توقع أوباما أن يستمر عدم الاستقرار عقوداً في الشرق الأوسط وأفغانستان وباكستان وفي أجزاء من أميركا الوسطى وإفريقيا وآسيا من دون أن يشير بكلمة لدور الولايات المتحدة في خلق هذه الحال.

5- أشار إلى أن الخطر يكمن في الدول الفاشلة، وبنظرة سريعة نجد أن قرارات وحروب الولايات المتحدة والناتو هي التي حولت أفغانستان وليبيا إلى دول فاشلة وهي الأساس في معاناة الشعب العراقي والحروب بالوكالة التي قادتها هي الأساس لما يجري في سورية واليمن والسودان وتونس.

6- اعترف أوباما أن الحصار على كوبا قد أخفق وأنه أثر سلباً في موقعهم في أميركا اللاتينية ولذلك قاموا بفك هذا الحصار. كما اعترف أنه لم يغلق غوانتامنامو وأنه يريد إغلاقه لأنه مكلف وغير ضروري وليس لأنه يشكل خرقاً مؤلماً لحقوق البشر.

7- من الواضح أن عنصر القوة الأهم في نظر أوباما هو القوة العسكرية وقد اعترف أن الولايات المتحدة تنفق على السلاح أكثر من ثماني دول مجتمعة تليها في الإنفاق على السلاح وطبعاً تشغيل معامل السلاح هذه يحتاج إلى حروب تسعر هنا وهناك بين الفينة والأخرى بذرائع مختلفة.

كل هذا لا يعني أن التاريخ لن يذكر الرئيس أوباما كرئيس وقف ضد السياسات الخطيرة للمحافظين الجدد وضد التدخل العسكري المباشر ولكنه يعني أن قوة الولايات المتحدة الأميركية العسكرية والاقتصادية لا تواكبها قوة أخلاقية أو إنسانية تعترف بثقافات الشعوب وحضاراتها وأمنها اعترافها بأهمية أمنها وسلامة سكانها. والمهم هنا هو أن يتوقف بعض العرب عن اعتبار الولايات المتحدة عادلة ونزيهة وقادرة أن تكون وسيطاً أميناً أو حكماً عادلاً، بل أن نراها كما هي ساعية من شمال إفريقية إلى أميركا اللاتينية مروراً بالشرق الأوسط لزيادة ثرواتها ومصادر دخلها وإنعاش صناعاتها واستمرار قدراتها العسكرية القاهرة. كي نعرف مكانة قضايانا في برامج الآخرين لابد أن نعرف بدقة ما يقولون وما يفعلون ولابدّ أن نقرأ نصوصهم من موقف عربي هاجسه الأساسي حقوق العرب ومصلحتهم. السؤال الذي أريد أن أدعه برسم الرئيس أوباما ورسم القارئ العربي هل من قبيل المصادفة أن العراق وسورية واليمن وليبيا ومصر، الجمهوريات القومية العلمانية العروبية هي التي تمّ استهدافها بهذا الحجم من التواطئ والحروب ومحاولات التدمير والتفتيت؟ إن معاني كلّ نص تعتمد في النهاية على القارئ ولذلك يتمّ تفسير النصوص حسب القراء. كم نحن بحاجة لقراءات عربية معمقة ودقيقة.

 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى