دافيد ريتشاردز ويوشكا فيشر
أعلن الرئيس الأسبق لهيئة الدفاع البريطانية الجنرال دافيد ريتشاردز أن «الموقف الليبرالي للغرب (حيال الأزمة في سورية) بما في ذلك موقفي الشخصي كان أحياناً شديد النفاق، ولا أخشى الاعتراف بذلك»، وتابع قائلاً: «نذرف دموع التماسيح عندما نتحدث عن قضية الوضع الإنساني (في سورية) لكننا لم نكن أبداً على استعداد لحلها». لا يُفاجأ أحد باعترافات قادة غربيين بأخطائهم أثناء تبوئهم مراكز عالية إذ إن هذا هو الأمر المعتاد في الغرب وهو أن المسؤولين الغربيين لا يقولون الحقيقة إلا بعد مغادرتهم لمناصبهم وكتابة مذكراتهم أو الاعتياش على المحاضرات التي يتحدثون بها عمّا كان ممكناً أن تؤول إليه الأمور لو تمتّع البعض منهم بالشجاعة أو الصدق أو كليهما. وهذا الأمر بحدّ ذاته أمر مشين، إذا لم نقل شديد الخطورة أيضاً، ألا وهو أن المسؤولين في مواقع القرار في الدول التي تعبث بمصير وحياة الملايين من العرب بذريعة نشر الديمقراطية وحقوق الإنسان، أن هؤلاء المسؤولين أنفسهم ينافقون جيلاً بعد جيل ويزيدون نيران الحروب اضطراماً. فهل ننتظر عقداً من الزمن أو أكثر كي يتكرم المسؤولون الغربيون بكتابة الحقيقة حول مخططاتهم في سورية والعراق والوطن العربي بشكل عام؟ أم إننا قادرون اليوم وبعد كل هذه الأحداث الدامية في بلداننا على استقراء دوافعهم وأهدافهم ومخططاتهم المدمّرة والمغلّفة بحملات إعلامية تقود الأنظار في اتجاه مختلف تماماً عن الاتجاه الحقيقي؟
إذا كانت الحرب على سورية حرباً كاشفة لهوية الأطراف المنخرطين والداعمين فإن الحرب على حلب بالذات لم تدع مجالاً للشكّ أبداً حول الإرهاب وحول داعميه وحول أساليبهم ومخططاتهم وأهدافهم. فقد عانت مناطق سورية كثيرة وفي مدن وقرى وأحياء عدة من جرائم إرهابية على مدى السنوات الست الماضية ولكنّ اهتمام الغرب، والذي كان يصعد ويهبط حسب مناطق وجود أدواتهم، لم يكن بهذه الشراسة والكذب والنفاق كما كان عليه في حلب خلال الأسابيع القليلة الماضية والسؤال هو لماذا؟ فهناك مدن وقرى تفوق معاناتها بعشرات المرات معاناة «المدنيين» في شرق حلب وهناك آلاف المخطوفين والجرحى الذين لا تقلّ معاناتهم عن معاناة الموجودين في شرق حلب، ولكنّ الصراخ الدولي، والغربي تحديداً، لا علاقة له بمعاناة الناس ولا بحقوقهم ولا بمحاولة إنقاذهم، بل له كلّ العلاقة بمحاولة إنقاذ أدوات الغرب التي أرسلها إلى بلداننا ووافق على إيصال المال والسلاح والعتاد لها بهدف تدمير بلداننا وجيوشنا وتسليم الأرض لقمة سائغة لأداته الكبرى في المنطقة، الكيان الصهيوني، وكل المتواطئين معه من معارضات وعربان، الذين هم باختصار خونة للسانهم وتاريخهم ولغتهم وأمتهم. الصريخ من أجل حلب هو صريخ من أجل إنقاذ قادة الإرهاب في سورية وطبعاً الغرب وتركيا والسعودية وقطر يعرفونهم جيداً ويعرفون تشكيلاتهم وقياداتهم وهم على تواصل معهم لإيجاد الحلول لهم. ولذلك فإن تحرير حلب من وجهة نظرهم يعني القضاء المبرم على مخططاتهم ومشروعهم لتحويل سورية، ومن بعدها الوطن العربي كله، إلى أقاليم تابعة للغرب وغير قادرة أن تكون مستقلة وصاحبة مشروع. إن التناغم الواضح بين الصريخ الغربي وظهور تواطؤ المعارضات مع الكيان الصهيوني وانكشاف علاقة هذا الكيان بكلّ ما يجري على الأرض السورية لم يعد بحاجة إلى مذكرات أحد كي يكشف أسرار هذه الحرب. إذ إن حلب والعويل من أجلها والتباكي عليها قد كشف أن هؤلاء هم من دمروا حلب ودمروا تدمر ودمروا بابا عمرو وأن هؤلاء هم مجرد أدوات لمشروع تقوده «إسرائيل» وتركيا والولايات المتحدة والسعودية وقطر ضدّ استقلال سورية وسيادتها وجيشها وعروبتها ومقاومتها.
لقد حان الوقت أن يقرأ كل المعجبين بالغرب وديمقراطيته، محاضرات يوشكا فيشر وزير الخارجية الألماني الأسبق، الذي هو مفكّر سياسي، أن يقرؤوا محاضراته ليعلموا أن الغرب في حالة انحدار أخلاقي ومعرفي وسياسي وأن الساعة تؤشر إلى بداية أفول أكيدة للغرب وأن الشمس سوف تشرق من الشرق مرة أخرى. ولكنّ المهزومين في عالمنا العربي، وللأسف، هم الذين يمتلكون معظم الأبواق وما زالوا يعزفون الألحان التي تُري عظمة الغرب وإنسانيته وتفوقه. وهؤلاء في الواقع لم يستقلّوا يوماً ولم يعرفوا طعم الانتماء الحقيقي أو الكرامة الإنسانية أو الوطنية ولذلك يجب ألا نضيع الوقت بإبداء الحسرة عليهم أو على العروبة من خلالهم، فهم لا علاقة لهم بالعروبة أصلاً ولم يدركوا يوماً كنه جوهر العروبة ومعانيها وآفاقها الرحبة والحضارية. هذا هو اليوم الذي نعيد فيه الاعتبار للعرب والعروبة بعيداً من الخونة والمتواطئين، وهذا هو اليوم الذي ننتصر به بحلب ولها ومعها لكلّ الحقائق الساطعة وعلى رأسها أن الغرب اتخذ من الإخوان المسلمين والإرهاب وسيلة لتدمير بلداننا وأن أردوغان وقطر والسعودية وعلى رأسهم جميعاً الكيان الصهيوني وبمظلة أميركية طبعاً هم الذين قادوا هذه الحروب على العراق وسورية وليبيا واليمن، وأنّ الشعب العربي وحلفاءه في هذه الأقطار يخوضون حروب تحرير واستقلال حقيقية، وأن كلّ اللغوّ الذي يشمل الأمم المتحدة والإعلام الغربي هو تعبير صارخ عن نفاق شديد لا مستقبل له، وأن التاريخ لن يتذكر إلا المقاومين الصادقين في وجه هؤلاء الطغاة ويكتب أسماءهم جميعاً بأحرف من نور.