دونالد ترامب والزمن الجديد
أن يقف رئيس الولايات المتحدة المنتخب في مؤتمره الصحفي الرسمي الأول، ويرفض أن يأخذ سؤالاً من محطة السي إن إن، وأن يقول للمراسل محطتك كاذبة، ولن آخذ سؤالك، ولن أردّ عليك، وينتقل إلى سؤال آخر، فهذا حدث تاريخي بالفعل. وهو أيضاً مؤشر إلى بداية النهاية لإعلام الشركات الاحتكارية المتصهينة المرتبطة بأجهزة المخابرات، الذي مازال يعمل منذ نهاية حرب فييتنام بوقاً معتمداً للحروب والقهر والاستعمار، وقد يكون مؤشراً لبداية حقبة إعلام جديد يتجاوز فيها مُصدِّر الخبر ومتلقّيه الوسائل الضخمة لإعلام هذه الشركات، ويستبدل به وسائل إعلام أكثر دقّة وأكثر مصداقية وأكثر صلة بالحقيقة والواقع وبمصالح الشعوب.
لقد لعب إعلام الشركات وممثلوه دوراً مفصلياً في شنّ الحروب الظالمة على يوغسلافيا والصومال وأفغانستان، ولعب دوراً إجرامياً في تدمير العراق وليبيا، وفي الحرب على سورية واليمن، وفي التغطية على جرائم الأنظمة القومية الرجعية المتخلفة. وكان الإعلام الخليجي العضد الأساسي والحليف في جرائم حروب الإبادة والإرهاب وتدمير حياة الملايين من الناس كمتلقٍ أحياناً، وكمُصدِّرٍ للخبر الزائف أحياناً أخرى عبر تلفيقات شاهد عيان والخوذات البيض والفيديوهات المرتجّة، التحولات التاريخية لا تتمّ أبداً بين عشية وضحاها، ولكنها تأخذ الوقت لتنمو وتنضج، ومن ثمّ تثبت جذورها على أرض الواقع.
نحن اليوم أمام تحوّل تاريخي مهم في واحدة من أهمّ القوى الرئيسية المحرّكة في العالم في إدارة المشهد الإعلامي والسياسي والاقتصادي والفكري، وكلّ ما نستطيع قوله هو أنّ عام 2017 سيكون فاتحة عهد جديد في استخدام التكنولوجيا، وفي التواصل الإعلامي بين الدول والبشر.
إنّ انكسار جدار الشركات الإعلامية الكبرى اليوم، والذي كان انتخاب ترامب أكبر مؤشر له، لا يقلّ أهمية عن سقوط جدار برلين، ولكنّ التحدي اليوم هو من سيقفز ليستغلّ هذه الفرصة السانحة أمام الشعوب للتخلّص من أجهزة الإعلام الداعمة للإرهاب مثل السي إن إن، والبي بي سي، والجزيرة، والعربية والحرّة، والفرنسية 24، وغيرها من التوابع. ومن الذي سوف يحسّن استخدامها؟ لقد هُدم جداران اليوم؛ جدار الكذب، وجدار الصمت. فمن ذا الذي سوف يتكلم، ومن ذا الذي سوف يرسي الحقائق، ويسارع لوضع أساليب جديدة وآليات جديدة وتقنيات جديدة لإعلام يعبّر عن الحقيقة، ويدافع عن الحرّية، وليس إعلام المخابرات المصنّعة لثورات الخونة والـعملاء.
لقد كان أصحاب الآراء الحرّة، والضمائر الحيّة في الولايات المتحدة وأوروبا خصوصاً يحاولون إيصال صوتهم إلى القنوات الرئيسية لقول كلمة حقّ، ولكنّ الأبواب كانت دائماً موصدة في وجههم، فعكف البعض منهم على خلق إعلام بديل مثل الدكتور رون بول وغيره، ومثل فانيسا بيلي، الصوت الشريف الغربي في الأزمة السورية، وأمثالهما كُثر، ولكن لم يسمح لهم أبداً باعتلاء منصات إعلام الشركات الاحتكارية المرتبطة بمخططات الصهينة الاستعمارية. اليوم هم لا يريدون اعتلاء هذه المنابر لأنها فقدت مصداقيتها بالضربة القاضية، والمسألة مسألة وقت حتى يُعرضَ السياسيون والناس أجمعين عن مشاهدة هذه المحطات، وقراءة أخبار الصحافة التي تدور في فلك التلفيقات المخابراتية وأكاذيبها وأهدافها المرسومة لها سلفاً.
أن تبدأ حرب «الربيع العربي على الأمة العربية» بمحاضرات يلقيها مجرم الحرب الصهيوني الذي أسموه «فيلسوفاً» برنار ليفي في ليبيا وتونس ومصر، وأن تنتهي هذه الحرب اليوم إلى ضرب هذا «الفيلسوف» بالأحذية وهو يحاضر عن جرائمه في بلجيكا، فهذا لا يقلّ عن كونه انقلاباً على المخططات الصهيونية التي دفع الملايين من شعبنا ثمنها من دمائهم وأمانهم ومستقبل أطفالهم. ولكن الّلوم يجب أن يوجّه أيضاً لكلّ هؤلاء الجبناء الذين لم يتجرّؤوا على قول كلمة حقّ في الزمن الصعب، أو الذين اختاروا أن يسيروا مع التيار، ويقبضوا أثمان صمتهم أو جبنهم أو عمالتهم، فالإنسان ليس مسؤولاً عمّا يقوله فحسب، ولكن عمّا لا يقوله أيضاً في المكان والزمان المناسبين.
أما بالنسبة لما يعنينا نحن العرب في هذا الزمن الجديد، فهو أن نقرّر ونتفق أنّ قنوات سفك الدماء من الجزيرة إلى العربية وأخواتهما الخليجيات والأوروبيات والأمريكية التابعة للمخابرات والمنفّذة لدورها في جرائم الحرب، هي قنوات ناصبت العداء للحقيقة والعروبة، وكانت أداة أساسية في الحرب التي شنّها أعداؤنا على شعوبنا وبلداننا العربية.
اليوم وبعد تصريحات ترامب عن دور أوباما وهيلاري في خلق داعش، وبعد تسريبات جون كيري عن علاقة الولايات المتحدة بداعش أملاً في أن تسقط سورية العروبة، اليوم، وبعد أن تحرّك الكيان الصهيوني لدعم المسلّحين في كلّ مفصل من مفاصل الحرب الإرهابية، لم يعدْ هناك شكّ أبداً أنّ المؤامرة مدبّرة على سورية كما كانت مدبّرة على العراق وليبيا، كما كانت قبلاً مدبّرة على يوغسلافيا وأوكرانيا ولبنان والصومال والسودان وأفغانستان، حتى وإن نفذت هنا أو هناك من خلال بعض الثغرات. ولكنّ الأهمّ هو أنّ الإعلام الخليجي وقف صفاً واحداً ويداً واحدة مع القوى الإرهابية التي صنعتها أجهزة المخابرات الصهيونية التي تستهدف سورية، وتستهدف العراق وليبيا وتونس واليمن ومصر، وتستهدف حضارة العرب وتاريخهم وهويّتهم. لا بل، بدأت هذه الدول بخلق مؤسسات إعلامية يقودها عملاء للكيان الصهيوني، ويضخّون فيها أموالاً ومواهب ومقدرات. اليوم، ومع بداية هذا التاريخ الجديد، ومع انكشاف كلّ الحقائق لم يعد هناك مجال للشكّ أو للمواربة: فإمّا أن تكون مع الحقّ العربي والحقيقة، وإما أن تكون في صفّ الخونة والعملاء الذين يستهدفون هذه الأمة، ولم يعدْ يجدي اسم «معارضة» ليغطي على مرتزقة وخونة وعملاء باعوا أنفسهم للشيطان.
كلّ معارضة تعمل سياسياً داخل البلاد، وتحاول أن تحمي كرامة وحدود وهوية ومستقبل البلاد وشعبها هي معارضة مشروعة، ويحقّ لها أن تفتخر، أمّا أن يسمّي البعض أنفسهم «معارضة» ويرتمون في أحضان الصهاينة والأتراك والسعودية وقطر، فهذا لم يعدْ غطاء لهم أبداً.
وأما أن يصمت العرب عن قنوات الخيانة، فهذا ليس مقبولاً اليوم أبداً. ولا بدّ لنا في هذا المنحى، ونحن نفرز الأصوات والشاشات أن نُحَيّي قناة الميادين التي أسقطت بأدائها العروبي والمهني قنوات سفك الدماء العربية. على العرب جميعاً، إعلاميين ومموّلين ومفكرين ومبدعين، أن ينتهزوا هذه الفرصة، وأن يقفوا في المكان الصحيح من تاريخهم، وأن يبدؤوا زمناً جديداً للإعلام العربي القومي الحرّ، يعمل يداً بيد مع فجر النهوض العربيّ، الذي لا شكّ أنه يشرق اليوم ليكون له دور فعّال في الإعلام العالمي والدولي، لأنّ الإعلام اليوم هو من أمضى الأسلحة التي تستخدمها الدول والبشر على حدّ سواء.