لا للعنصرية، لا للكراهية، لا للإرهاب
في مؤتمر الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة حملت سيدة أميركية لافتة كُتب عليها «لا للعنصرية، لا للكراهية» وكان لافتاً كم من الأشخاص في هذا المؤتمر حاولوا أن ينتزعوا هذه اللافتة من يديها أو يمزقونها بعيداً عن الكاميرات. وكانت معركة هذه السيدة هي أن تحاول إبقاء هذا الشعار مرفوعاً، وأن تضمن تسليط الأضواء عليه. اللافت جداً هو عنف المحاولات التي تمّـت لإقصاء هذا الشعار عن أجواء المؤتمر، والتعرّض لصاحبته تقريباً بالتنكيل كي تتخلّى عنه وتسقطه من يديها.
إن هذه اللقطات على بساطتها معبّرة جداً عن الأسباب الحقيقية لما يتعرض له عالم اليوم. المشكلة هي أن أحداً في الغرب لا يحاول الربط بين ما تتعرض له المدن الغربية من حوادث إرهابية وبين تنامي شعور العنصرية والكراهية فيها ودور الإعلام الداعم لهذا الشعور سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. فها نحن نلاحظ في أعقاب أي حدث من قتل الأشخاص من أصول إفريقية في شوراع المدن الأميركية مثلاً تشديد الإجراءات الأمنية وتعزيز دور الشرطة. وكذلك الحال في حادث القتل الذي تعرضت له مدينة ميونيخ منذ أيام. والشيء ذاته يتكرر لدى تعرض باريس أو لندن أو بروكسل لأي عمل إرهابي، إذ يتم اتخاذ إجراءات أمنية إضافية وأحياناً تصدر قوانين أشدّ عنصرية من تلك التي أنتجت هذا الإرهاب، وتبقى المشكلة الأساسية وهي الإرهاب الذي نشره الغربيون بحماس في البلدان العربية منذ خمس سنوات من دون علاج أو حتى ذكر. هذه المقاربات لمواجهة الإرهاب في أي مكان في العالم ستبقى قاصرة عن اجتثاث هذه الظاهرة ما لم يتم التركيز على الأسباب التي أنتجتها والظروف المحلية والإقليمية والدولية التي تسببت في انتشارها بهذا الشكل الخطير، والتي يصعب السيطرة عليها باعتبارها قضية أمنية بحتة.
المعضلة تكمن أولاً في أن المجتمعات الغربية التي تدعي حرصها على نشر الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان في العالم تمارس في قوانينها وإجراءاتها عنصرية وكراهية بحق شريحة من مواطنيها مختلفة إما في اللون أو الدين أو العرق عن مواطنين آخرين تعتبرهم هذه الدول مواطنين من الدرجة الأولى. في الوقت الذي لا يتمّ ذكر عدم المساواة بين الناس بحجة أن البعض مهاجرون، أو أنهم من أصول مختلفة، أو أن سحنتهم مختلفة، فإن هذه الثقافة التمييزية قد تكون في العمق مسؤولة عمّا يتعرض له عالم اليوم من قتل وإرهاب ينتشر في كل أنحاء العالم كالنار في الهشيم. وقد أصبح ملحوظاً في أوروبا على سبيل المثال أن الأحزاب النازية والعنصرية واليمينية والدينية المتطرفة قد أصبح اسمها اليوم «أحزاباً وطنية» أو «أحزاباً قومية»، وأن ظاهرة العنصرية تتفشى اليوم في جميع أنحاء المجتمعات الغربية، من دون أن يُتخذ إجراء لدراستها أو التفكير بها، ناهيك بمعالجتها. فها هي معلّمة مدرسة في الولايات المتحدة تتعرض للضرب المبرّح والإهانة من شرطيين في الولايات المتحدة يصرخون في وجهها «نحن نكره السود لأن السود ميالون للعنف». وهاهو الرئيس أوباما يقول في تعليق على حوادث ميونيخ: «لا نعلم ماذا يجري هناك ولكن قلوبنا مع المصابين»، ويُضيف: «إن مأساة ميونيخ تذكرنا بما قلته مؤخراً بأن «طريقة عيشنا وحرياتنا مهددة». في هذا التصريح تأكيد من الرئيس أوباما على أن طريقة العيش الغربية والحريات الغربية مهددة من أناس ليسوا غربيين، أي هناك إصرار على أن الغرب استثنائي، وأن الآخرين يعكرون عليه صفو هذه الاستثنائية. وهنا بالذات يكمن التشخيص الخطأ الذي تنتج عنه معالجة خاطئة طبعاً مع أن المخابرات الغربية الرئيسية، بالتعاون مع المخابرات العربية العميلة، هي من نشر الفكر الإرهابي والوهابي، وهي من موّل وسلّح ودرّب وعبّأ وجند وأرسل آلاف الإرهابيين إلى سورية والعراق ولبنان واليمن وليبيا، وما زال الغربيون يدرّبون الإرهابيين علناً ويسمونهم معارضة معتدلة عندما تكون تفجيراتهم في مدننا وبلداننا.
المفهوم الغربي الاستعماري الذي يؤمن بتفوق الغرب على كل شعوب العالم وواجبه أن ينقل أسلوب عيشه ومفاهيمه إلى العالم برمته مسؤول عن تجاهل هذا الغرب لكل المآسي التي يخلقها تدخله في العالم عبر الحروب والإرهاب. إذ لا يهتز ضمير الغرب كله لمأساة الطفل عبد اللـه عيسى الذي ذبحه إرهابيو الزنكي، المعتدلون بالنسبة لأوباما، أمام الكاميرات في حلب، كما لم يهتز ضمير الغرب سابقاً لقتل الطفل محمد الدرة على يد الجنود العنصريين الإسرائيليين أمام شاشات الكاميرا قبل سنوات، ويحاولون أن يفهموا حوادث ميونيخ ونيس وباريس وبروكسل وغيرها بعيداً عن مواقفهم المعلنة بتمويل ودعم الإرهاب الذي يضرب فلسطين منذ سبعين عاماً مريراً، والذي يضرب منذ سنوات المدنيين الأبرياء في العراق وسورية وليبيا واليمن ويقتل مئات الألوف من الأبرياء ويُدمّر حضارات تُعتبر خسارتها خسارة للإرث الإنساني برمته. كما أن الناتو لا يتحرك ورئيس تركيا يمارس القمع والقتل والاعتقال والطغيان بحق عشرات الآلاف من الموظفين والقضاة والضباط والشرطة والأساتذة، بحجة محاولة انقلاب فاشلة، وتتم تصفية مدارس وجامعات ووضع إجراءات لم توضع في التاريخ الحديث إلا من االنازيين في ألمانيا، وقوات الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، والاحتلال الصهيوني في فلسطين المحتلة.
إذا أراد الرئيس أوباما فعلاً أن يفهم ما يجري في ميونيخ فعليه أن يفهم حقيقة ما تفعله مخابراته وجيشه في العراق وسورية واليمن وفلسطين وليبيا، وعليه أن يفهم حقيقة حلفائه وأصدقائه من الإخوان المجرمين والوهابيين ودورهم المدمّر في دعم الإرهاب في سورية والعراق، وعليه، وعلى الغرب أن يتخذ المواقف المبدئية والسليمة في كل مكان، لا أن يواجهوا إرهاباً ناجماً عن عنصرية وكراهية وعدوانية غربية، يفندونها بأساليب شتى، أن يواجهوه بإجراءات أمنية لن تزيده إلا اضطراماً وانتشاراً.