أوباما وحروب الشرق الأوسط
في الخامس من آب الجاري، ألقى الرئيس أوباما خطاباً مفصلياً في الجامعة الأميركية وُصف بأنه حول الاتفاق النووي الإيراني، ولكنه كان أهم من ذلك بكثير. اللافت في الأمر، هو أن الإعلام العربي مرّ عليه مرور الكرام مع أنه يمثّل أهم ما قيل حول الحرب على العراق، وحول دور اللوبيات الصهيونية في الولايات المتحدة بإثارة القلاقل والحروب في منطقتنا، وحول دور إسرائيل في ابتزاز الولايات المتحدة لخوض هذه الحروب، وحول الحاجة الماسة اليوم أن تكون القرارات الأميركية منطلقة من مصلحة أميركية صرفة وليس من مصالح من يستطيع التأثير في القرار الأميركي من خلال المال أو الإعلان لمصلحة توجّه آخر لا يخدم مصلحة الولايات المتحدة.
كان خطاباً مفصلياً لأنه منذ البداية تحدّث عن «التوجّه» وليس فقط عن «الحدث» أو «المسألة المطروحة»، وهنا تكمن الأهمية المفصلية لهذا الخطاب.
إن النقاش عن أن الاتفاق النووي سوف يمنع إيران من امتلاك قنبلة نووية نابع فقط من خيال اللوبيات لأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية أعلنت مراراً أنها ضد السلاح النووي، وهناك أكثر من فتوى تحرّم امتلاك القنبلة النووية. ولكنّ المهم في الأمر أن الرئيس أوباما تناول الموضوع من زاوية تضخيم اللوبيات للأخطار المفترضة حتى على أمن الكيان الصهيوني، ومن موقع من كان ضدّ الحرب على العراق فقد أجرى أوباما مراجعة لتهويل هذه اللوبيات للأخطار في الماضي وتوريط الولايات المتحدة بحروب كلفت أثماناً غالية من حياة الأميركيين واقتصادهم ومصداقية الولايات المتحدة أيضاً.
لا شكَّ أن أوباما حاول جاهداً تغليف طروحاته الجديدة بمفردات وجمل قديمة وحاول ألا يسمّي هؤلاء الذين يعتبرون خوض الحروب دلالة قوة ويرون في الدبلوماسية والحوار ضعفاً ولكنه مع ذلك فقد كان واضحاً من خطابه أنه يقصد اللوبيات الصهيونية ويقصد المال السياسي الذي يشتري مواقف لا تصبّ في مصلحة الشعب الأميركي، وكلّفت الولايات المتحدة مصداقيتها، وتكاد تكلّفها اليوم اعتماد الدولار كعملة أولى في الاقتصاد العالمي.
لقد أشار أوباما إلى أن «إسرائيل» هي الوحيدة التي اعترضت على الاتفاق مع أن المستشارين الإسرائيليين شاركوا في صياغة هذا الاتفاق، وطبعاً لم يأت على ذكر السلاح النووي الإسرائيلي، لا بل تحدث عن دعم إسرائيل وتأييد إسرائيل من أجل ضمان أمنها في المحيط. لا يمكن لنا أن نتوقع من أوباما أكثر من ذلك، ولكن يجب أن نتوقع من المعنيين في العالم العربي تحليل هذا الخطاب والتوقف عنده من زاوية الصراع العربي _ الإسرائيلي. كما أن أوباما عاد إلى التاريخ وأشار إلى الحروب التي كان يمكن تجنبها، كذلك على المعنيين في الشأن العربي التقاط مثل هذه الفرص والقياس على ما أسس له أوباما في فضح ما تقوم به إسرائيل من زعزعة الاستقرار والأمن في الشرق الأوسط وترسيخ أساليب إجرامية في الاستيطان واقتلاع شعب أصلي من أرضه وإطلاق العنان لقطيع إرهابيين أن يفتكوا بالسكان الأصليين ويسرقوا ممتلكاتهم وأراضيهم.
لا يمكن لنا في هذه العجالة تقديم دراسة كاملة عن خطاب أوباما، لكننا ندعو إلى قراءته والتوقف عنده والقياس عليه بأسلوب يفضح من يستهدف الديار العربية ويلقي الضوء على تاريخ الحق العربي وعلى الممارسات والقرارات التي حالت دون إحقاق هذا الحق وفق الشرعية الدولية وقرارات الأمم المتحدة. المعادلة المفقودة اليوم ليس ما لم يأتِ به خطاب أوباما وهناك الكثير مما لم يأتِ به، ولكن المعادلة المفقودة هي المرجعية العربية السياسية والإعلامية والفكرية التي يجب أن تستثمر في مثل هذا الخطاب وتقرأ ما بين السطور وتعيد التذكير بالماضي والحاضر وتضع مرتسماتها هي من أجل المستقبل. الغائب اليوم في كل المخاض الذي تخوضه المنطقة والعالم لتشكيل عالم جديد هو العنصر العربي الواضح والقويّ والفاعل.
من وجهة نظر السياسة الأميركية الداخلية، شكّل خطاب أوباما «مفرقاً» مهماً يتلمس ما كان الرئيس حافظ الأسد ينادي به منذ عقود وهو أن تتقدم المصلحة القومية الأميركية على مصلحة الكيان الصهيوني في سياسة أميركا الإقليمية، فهل من عرب يمكن لهم التقاط اللحظة والاستفادة منها والبناء عليها وتطوير هذا البناء بما يخدم مستقبل الحقّ العربي في فلسطين وكل أقطار العروبة؟