أين يريد العرب أن يكونوا عام 2050؟
حين تقرّر الإدارة الأميركية إرسال مستشارين إلى سورية لدعم حلفائها فإنما هي تمضي في السياسية التي بدأتها باستهداف العراق وكانت القائمة آنذاك تتضمن سورية ولبنان والأردن واليمن. أي إن حلّ الجيش العراقي والشرطة العراقية الذي كان كارثة على العراق وتسبب في إرباك الولايات المتحدة وإحراجها إعلامياً قد تمّ استبداله باستهداف الجيوش العربية التي تشكل عقبة أمام تمددّ الصهيونية على الأرض العربية. وهكذا فإن الحرب على سورية قد استهدفت بالدرجة الأولى جيشها العقائدي الذي أثبت خلال تاريخه أنه السند الحقيقي لفلسطين والحقوق العربية من دون استثناء وأنه سند المقاومة والمؤمن الراسخ بخيارها.
وها نحن اليوم بعد خمس سنوات من هذا الاستهداف، الذي سخّر أدوات إقليمية وعربية تحت مسميّات مختلفة، نرى أن المعركة الأساسية مستمرة على جبهتين مستعرتين: الأولى هي الأرض السورية قاطبةً واستمرار تدفق الإرهابيين ودعمهم بالمال والسلاح والمعطى الجديد الآن هو أن الولايات المتحدة قد قررت أن تزيد من دعم هؤلاء من خلال إرسال مستشارين لهم يخططون للمعارك ويساندون من يستهدف وحدة سورية وقوتها واستقلالها الحقيقي.
أمّا الجبهة الثانية المستعرة فهي الجبهة الفلسطينية التي هي بيت القصيد حيث يستمرّ العمل الإجرامي من أجل هدم المسجد الأقصى وبناء الهيكل المزعوم في حين ينزف الفلسطينيون في كل أرجاء فلسطين دفاعاً عن الأقصى والقدس وفلسطين. وفي حمأة هذه المعركة يظهر تياران إعلاميان لهما ذات المنطلق والهدف وإن بدا للعيان أنهما مختلفان جداً: التيار الأول هو إعلان نتنياهو وأصدقائه من السعودية أنهم مستعدون للتحالف والتعاون العلني في وجه الأخطار المحدقة بكليهما وهذا هدفه الخروج من تحت عباءة التعاون الخفي والدائم والمستمر إلى العلن وتشكيل جبهة واحدة في وجه القوى المقاومة والممانعة في المنطقة. التيار الثاني الذي بدأه غيودون ليفي في النادي الإعلامي القومي في الولايات المتحدة وأكده الكاتبان ستيفن ليفتسكي وغيلن ويل في جريدة الواشنطن بوست بتاريخ 23/10/2015 مفاده هو محاولة تبرئة معظم اليهود وحتى تبرئة فكرة إقامة إسرائيل من الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين. أي بالتوازي مع تغيير الواقع جذرياً في القدس وفي فلسطين هناك حملة إعلامية لإقناع العالم أن ما ترتكبه حفنة من اليهود في فلسطين لا يمثل الدولة اليهودية وأسسها الإنسانية والديمقراطية التي قامت عليها والتي مازال معظم اليهود يؤمنون بها تمهيداً لقبولها إقليمياً ودولياً.
كل هذا يترافق مع تدمير الآثار في سورية والعراق والعمل الإستراتيجي والممنهج على تفكيك بنية الدولة وإلغاء وجود الأحزاب العقائدية وتدمير التفكير في القضايا الكبرى والانكفاء على ترتيب المصير الشخصي وجمع الثروات والابتعاد عن احتضان القضايا الوطنية وتدمير المدارس وتعطيل الروح الوطنية في المناهج وتنشئة أجيال مسطحة مهزومة نفسياً ومتعبة من الكلام الإنشائي عن القضايا الكبرى التي لا ترى لها مرتسمات على أرض الواقع. هذا الواقع الذي ينطبق على عالمنا العربي من أقصاه إلى أدناه لن يتغيّر إلا إذا تمّت مواجهته بصلابة وذكاء من القوى البشرية المؤهلة والكفؤة والتي أثبتت جدارتها على مر السنين. هذا الواقع لن يتغير اليوم أو غداً ولكن لابُدّ من تكريس الوقت لوضع الإستراتيجيات التي تليق بهذا التحدي الكبير الذي يعصف بتاريخنا وأسلوب حياتنا ومستقبل أجيالنا. الخطوة الأولى هي أن ننظر إلى هذا الواقع بعين الناقد المحبّ وأن نشخصّه تشخيص الطبيب الماهر النافذ إلى أصل الداء والعارف بطبيعة الدواء وأن نعالجه معالجة جريئة وحاسمة وجذرية. ها هي الصين التي اتبعت هذا الأسلوب العلمي الحاسم نهضت نهضة استثنائية خلال أربعين عاماً فقط، وأربعون عاماً ليست زمناً طويلاً في عمر الشعوب. فهل من يسأل السؤال الضروري والملّح: أين يريد العرب أن يكونوا في عام 2050؟