اعرف عدوّك
سألت الأستاذ ميشيل إدة يوماً: ما جريدتك المفضّلة؟ فأجابني «هآريتس»، لأنني أبدأ يومي بقراءتها، وأضاف: إن قراءة العدو أساسية في فهم ماذا يخطط لنا وبالتالي في رسم خطواتنا لمواجهته، وأشار إلى أنه يمتلك مكتبة مهمة من الدراسات والكتب والإستراتيجيات التي يضعها الكيان الصهيوني حول العالم العربي.
منذ ذلك التاريخ، والذي يعود إلى أكثر من عشرين عاماً، وأنا أتابع قدر المستطاع ما يصدر عن بلداننا من الكيان الصهيوني، علماً أن ما يصدر كثير ولا يمكن لشخص بمفرده أن يشكّل إحاطة كاملة به، ولكنّ الوعي بأهمية الإطلاع على خطط أعدائنا ودراساتهم وتحليلاتهم للأحداث في بلداننا أصبح جزءاً لا يتحزأ من الوعي بالحدث ومعالجته.
فهمت منذ عام 2014 حين بدأت «إسرائيل» باستقبال مسلحين للعلاج في مشافيها، أن دورها في الحرب على سورية كبير وحقيقي، ورغم التعمية الإعلامية المتقنة التي يتبعها الكيان في التغطية على جرائمه، فقد أصبح واضحاً اليوم أنه المستفيد الأول مما تمت تسميته «الربيع العربي»، وإذا كان قانون الكشف عن الجرائم يقول «ابحث عن المستفيد»، فإن لهذا الكيان اليد الطولى في التخطيط لكلّ الجرائم التي ترتكب في عالمنا العربي وليس في فلسطين فقط.
قبيل الغزو الأميركي للعراق في عام 2003 صدرت عشرات الدراسات عن هذا الكيان حول الأخطار التي تنتظر العالم بسبب أسلحة الدمار الشامل العراقية، وحول ضرورة وضع حدّ لجنون صدام حسين، وأذكر أنني في عام 2002 قرأت كتيباً عن خطة إسرائيلية إعلامية متكاملة لتقديم مشروعية، لا بل ضرورة، الحرب على العراق إلى الرأي العام العالمي، وفي إحدى النصائح للإعلاميين للردّ على أي سؤال محرج قال مؤلف الكتاب: ليس عليكم سوى أن ترددوا كلمتين فقط: صدام حسين، وقبل اغتيال ياسر عرفات كانت النصيحة الإسرائيلية للإعلام هي: حيثما يتم ذكر الفلسطينيين اذكروا الإرهاب حتى يقترن الإرهاب في أذهان العالم بالفلسطينيين.
واستقراء واستنتاجاً من قراءتي لفكر أعدائنا، لا شك لديّ اليوم أن الذي أعطى هؤلاء المجرمين صفة «الإسلاميين التكفيريين» هي الصهيونية، لأنها بذلك تدمّر بلداننا وتشوّه صورة الإسلام في العالم، ولقد أثبتت الأحداث في سورية وكلّ التحقيقات التي جرت مع الإرهابيين من مختلف المشارب أنهم لا يعرفون عن الإسلام شيئاً، ولا يقرؤون القرآن ولا يقيمون الصلاة وأنه لا علاقة لهم بالدين الإسلامي السمح من قريب ولا من بعيد، ولكن هذه التسمية «الإسلاموية» قد أُلصقت بهم، وهم مجرد عصابات قتل مجرمة، وقد ألصقت بهم لتشويه صورة الإسلام في العالم، وقرن اسم الإسلام بالإرهاب في أذهان العامة من الناس.
وبعد أن شارف داعش على إنهاء مهامه في القتل والتدمير في العراق وسورية، تمّ السماح لبدء إضاءات على هذا الموضوع تضمن للغرب استمرار ادعاء الحيادية المعرفية، فقد صدرت مؤخراً دراسة بقلم ليزي ديدردن لمصلحة الأمم المتحدة تقول: دراسة الأمم المتحدة تجد أن المقاتلين في سورية يفتقرون إلى الفهم المبدئي للإسلام وأن الدراسة تثبت أن العوامل الاقتصادية والتهميش الاجتماعي والوعود البرّاقة بحياة مرفّهة ومال وحتى زوجات، كان وراء تجنيد هؤلاء المرتزقة من أنحاء مختلفة من العالم.
اليوم، بعد أن أفشلت سورية كلّ مخططاتهم بصمود وتضحيات شعبها وجيشها وتحالف الإخوة والأصدقاء، فإن التقارير الإستراتيجية الصادرة عن مراكز الأبحاث الصهيونية تشي بالدور الذي لعبه هذا الكيان من خلال دعوته إلى استمرار التدخل العميق للولايات المتحدة واستمرار الاستنزاف لسورية إذا ما انتهت المعارك الكبرى ضد الإرهاب في البلاد، أما إذا تمت هزيمة الإرهاب فيجب أن يكون التركيز على تقسيم سورية إلى كيانات ضعيفة وعاجزة، وإذا برهن هذا أنه صعب، فلا بدّ من الاستعانة بالأشخاص الذين يضمنون ابتعادها عن محور المقاومة وانخراطها مع المطبّعين مع هذا الكيان.
في الدراسات ذاتها، نجد التركيز المستمرّ على خطورة التقارب الأميركي الروسي مع الدعوة إلى تحويل مجموعات داعش إلى ما يشبه منظمة حرب عصابات تنشط في قلب صحراء سورية والعراق التي انطلقت منها وعلى غرار مجموعاته في شبه جزيرة سيناء، وهذا يُشير بكلّ وضوح، إلى أن الكيان الصهيوني هو الراعي لهذه المجموعات في هذه البلدان والحريص على بقائها واستمرارها لتبقى تقضّ مضاجع هذه الدول.
إن التقارير الإسرائيلية تُجمع على أن العقبة الأساسية في تنفيذ مخططاتهم هي أن الدولة السورية ومؤسساتها، تحديداً الجيش، وأجهزة الحكومة والأمن، قد أثبتت قوة مفاجئة ولم تصب بانهيار داخلي على غرار ما حدث في ليبيا واليمن، فقد فنّد التقرير الاستراتيجي الإسرائيلي في تموز 2017، أربعة سيناريوهات محتملة في سورية: 1- سيناريو حسم الحرب والانتصار فيها. 2- سيناريو استمرار الحرب. 3- سيناريو تقسيم الدولة بموجب الأمر الواقع القائم، و4- سيناريو دمار نظام الدولة. ورهانهم في كلّ السيناريوهات هو على ضعف الدولة وتفككها من الداخل، ولذلك فإن هزيمة المشروع التكفيري يجب أن تعني لنا بدء معركة البناء والتحصين لأن هزيمة مشروعهم لا تعني بالضرورة انتصار مشروعنا، إلا إذا عزّزنا نقاط القوة في بنية الدولة والجيش والشعب وتخلّصنا من نقاط الضعف وأجرينا مكاشفة جريئة وشفافة لكلّ الثغرات، ورسمنا الخطوات التي تضمن مناعة الأوطان والشعب ونشأة الأجيال بما يليق بحمل هذه الرسالة، وفي هذا استثمار حكيم لتضحيات الشهداء والجرحى، وارتقاء لمستوى الأمل المعقود على هذا الانتصار التاريخي المفصليّ في الحياة العربية وتاريخ العرب جميعاً.