مقالات

بين حلف بغداد والتحالف «العربي» الجديد

كانت الفكرة الأساسية من حلف بغداد الذي تشكل رسمياً عام 1955 من تركيا وباكستان والعراق، هي أن يكون همزة وصل بين الحلف الأطلسي وحلف شرق جنوب آسيا وأن يحمي المنطقة الشمالية الشرقية من هجوم سوفييتي محتمل وأن يؤمّن عمقاً جنوبياً لتركيا. وكان الحلف مفتوحاً لأي دول للانضمام إليه ماعدا إسرائيل، وبعد الانقلاب على مصدّق في إيران بدعم من الغرب (أميركا وبريطانيا) وبعد سنتين من عودة الشاه انضمت إيران إلى الحلف.

كانت الولايات المتحدة هي صاحبة فكرة إنشاء هذا الحلف وقدمت له الدعم العسكري والعون الاقتصادي ولكنها لم تشارك فيه بشكل مباشر بل وكّلت بريطانيا بذلك، في حين وقفت مصر وسورية والسعودية ضدّ هذا الحلف وضدّ حكومة نوري السعيد العميلة للغرب وتركيا، وكانت المقاومة تركز على أولوية الصراع العربي الإسرائيلي وأنه لا خطر من تغلغل الاتحاد السوفييتي في الشرق كما كان أعضاء الحلف يدّعون.

وعلى أثر انقلاب 14 تموز عام 1958 في العراق انسحب العراق من عضوية هذا الحلف، كما انسحبت إيران بعد انتصار الثورة الإسلامية وسقوط نظام الشاه عام 1979، ثمّ انسحبت بعد ذلك باكستان وتلتها تركيا ولم يبق إلا بريطانيا والولايات المتحدة فاعتُبر الحلف بحكم المُنحل.

واليوم في غمرة كلّ المخططات الخطيرة التي يتم تجريبها في منطقتنا أرى في إنشاء التحالف العربي أكبر خطر إستراتيجي يُهدد عروبة الوطن العربي ومستقبله. لأن صاحبة الفكرة، مرّة أُخرى، هي الولايات المتحدة، والتي أيضاً وكما فعلت في حلف بغداد، قرّرت تقديم الدعم اللّوجستي والعسكري دون أن تكون عضواً في الحلف، ولأنّ تركيا أيضاً تريد بسط نفوذها في العمق العربي ولأنّ الحلف، وهذا أخطر ما في الموضوع، يُعتبر بمنزلة إعلان الدول المنضوية تحت لوائه عن انتهاء الصراع العربي الإسرائيلي، هذا إذا لم تتم دعوة إسرائيل لاحقاً للانضمام إليه، إذ لا يوجد في مقرراته الشرط الذي كان في مقررات حلف بغداد وهو عدم انضمام إسرائيل، بل قد نجد إسرائيل عضواً فيه في القادم من الأيام.

وقد أصبح واضحاً أنّ هذا التحالف العربي لا ينوي على الإطلاق الدخول من الباب الصحيح في المعادلات السليمة للصراع العربي الإسرائيلي، بل إن هدف هذا الحلف هو إغلاق الباب نهائياً على الصراع العربي الإسرائيلي والبدء بتدمير البلدان العربية وأيّ حركة مقاومة يمكن أن تشكل تهديداً للتمدد الصهيوني أو التسلل التركي إلى وطننا العربي، إذ إن أول ما قام به هذا التحالف هو قصف البنية التحتية في اليمن الشقيق وقتل المدنيين الأبرياء ومضاعفة الصعوبات التي يواجهها أهلنا في اليمن بحجة التهديد الحوثي أو الخوف من التمدد الإيراني، أو إلى ما هنالك من أقاويل واهية لا تقف أبداً أمام امتحان الحقيقة والتاريخ.

أحد أوجه هذه الخطورة تتجلى في استخدام صفة «عربي» لحلف هدفه الأساس هو تقويض أي مصدر قوّة للعرب وإيهام عامّة الناس أن هذا التحالف هو تحالف عربي، رغم أنه من الواضح أن مهمته تكمن في استكمال ما قامت به داعش من تدمير للتراث والهوية الحضارية للعرب، بحيث يخطف هذا الاسم ما تبقى من عروبتنا ليقول هؤلاء هم العرب وهم التابعون لمصادر القرار الصهيو-أميركية والمعتدون على أشقائهم والخائفون من جيرانهم وحلفائهم التاريخيين والمتواطئون مع العثمانية الجديدة والتي لا تخفي أحلامها في إعادة بسط نفوذها على وطننا العربي ونهب ثرواته ومقدراته كما فعلت في الماضي. وتشبه هذه التسمية في جوهرها تسمية «الربيع العربي» للحركات التدميرية للبلدان العربية من داخلها.

واجب العروبيين اليوم، دولاً وأحزاباً وأفراداً وحركات، هو الوقوف في وجه هذا التحالف والنهوض بمشروع عربي حقيقي عبر البلدان العربية يواكب في أسلوبه أحدث أساليب العصر السياسية ويتمسك بمبادئه بجذوة الحضارة والهوية العربية ويُسلمها شعلة مضيئة لأجيال المستقبل تطفئ بنورها الساطع كل محاولات التواطؤ على هذه الأمة وتُعيد البوصلة إلى مكانها الصحيح، وهو أن الصراع العربي الإسرائيلي هو جوهر كل ما يجري في المنطقة ولن يفيد أتباع الغرب والصهيونية أن يضللوا العالم بإطلاق صفة «عربي» على تحالفهم فهو عدو للعرب والعروبة ولكل ما يطمح إليه العرب الشرفاء على مساحة هذا الوطن من المغرب إلى الكويت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى