شارلي إيبدو والعرب
حين وقع الحادث الإرهابي في جريدة شارلي إيبدو في باريس في 7 كانون الثاني 2015 تسابقت أفكار عديدة إلى أذهان العرب عموماً والسوريين خصوصاً. فقد لعبت فرنسا دوراً مهماً في تبرير وتسويغ انتقال الإرهابيين من جميع أنحاء العالم إلى سورية لأن السياسة الفرنسية التي قادها هولاند وفابيوس خدمت من حيث تدري أو لا تدري، تأجيج الإرهاب في سورية وقتل السوريين الأبرياء. وكانت الفكرة الأولى التي قفزت إلى أذهان السوريين هي أن أحداً في فرنسا لم يسمّ هؤلاء القتلة «بالجهاديين» أو «المعارضة المسلحة» أو الباحثين عن الحرية والديمقراطية، بل كانت التسمية واحدةً واضحةً وهي أن هؤلاء «إرهابيون» و«مجرمون».
وبعد يومين أعلنت السلطات الفرنسية قتل الشقيقين منفذي عملية شارلي إيبدو دون محاكمة ودون خجل أو وجل، الأمر الذي يتناقض تناقضاً مطلقاً مع الأحكام التي أصدرها هولاند وفابيوس على قتل إرهابيين مماثلين تماماً في سورية. الفكرة الثانية هي أن اثنين من الضحايا كانا مسلمين، مع أن الإعلام الفرنسي لم يركز على هذه الناحية أبداً، وهذا يعني أن الإرهابي الذي يضرب مقرّ جريدة أو مدرسة أو مطعم أو متجر لا يفعل ذلك بناء على عقيدة أو إيمان، بل بناء على إيديولوجية إرهابية تشكل أبشع خطر على الإنسانية جمعاء. وهذا أيضاً ما لم يخطر على بال هولاند وفابيوس وأوروبيين وأميركيين كثر، أن هذه النزعة الإرهابية عابرة للحدود ومعادية للإنسانية برمتها وأنها تشكّل خطراً داهماً على كلّ القيم الحضارية والبشرية في مختلف المناطق والأقطار. ومن هذه الأمثلة البسيطة وغيرها كثير تتضح ازدواجية المعايير التي يتبناها الغرب في التعامل مع القضايا حيث يتبنى معياراً لتقييم الشأن في منطقتنا مختلفاً تماماً عن تقييم هذا الشأن ذاته حين يضرب ضمن أراضيه. وهذا دون شك يظهر استمرار العقلية الاستعمارية التي تؤمن بوجود مستعَمر ومستعِمر، وتشكل هذه العقلية إحدى العوائق الأساسية في طريق محاربة حقيقية وصادقة وناجعة للإرهاب وبذلك تشكل هذه العقلية بحد ذاتها مصدراً من مصادر فقدان الأمن والسلام في العالم.
ولكن وفي مقلب مختلف تماماً عن الفروقات في تعامل الغرب بها مع منطقتنا وتعامله مع بقعته الجغرافية أظهرت حادثة شارلي إيبدو أمراً لا أعلم إذا كان العرب قد لاحظوه وتفكروا فيه واستفادوا من إسقاطاته على واقعهم. إذ ما إن شاع خبر العدوان الإرهابي على صحيفة شارلي إيبدو وقتل عشرة صحفيين وشرطيين وجرح عدد آخر إلى أن اندلعت المظاهرات في إسبانيا ولندن وواشنطن وبلدان أوروبية أخرى وحمل المتظاهرون في كل هذه البلدان وبلدان أوروبية أخرى لافتات تقول «كلنا شارلي إيبدو»، وبسرعة مذهلة قرر الأوروبيون والأميركان عقد اجتماع وزراء خارجية أوروبي- أميركي اليوم 11/1/2015 وزار الرئيس أوباما السفارة الفرنسية في واشنطن وأصبحت السفارات الفرنسية في أوروبا وجهةً للمستنكرين لهذا العمل الشنيع وقبلة وضع الورود على ذكرى ضحايا هذا العمل الشائن. كل هذا، مع أن الإرهاب لم يضرب لندن ومدريد وواشنطن بالتوازي مع باريس فإن الشعور بالتضامن ووحدة الصف جعلتك تشعر وكأن حادث شارلي إيبدو قد اصاب أوروبا وأميركا برمتهما في تطبيق حرفي للآية الكريمة «واعتصموا بحبل اللـه جميعاً ولا تفرّقوا»، وللحديث الشريف «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى». والمقارنة التي لا مفرّ منها هنا هي أن الإرهاب التدميري يضرب العراق وسورية ولبنان ومصر وليبيا وتونس واليمن ولم تسارع هذه البلدان إلى عقد لقاء لبحث آليات وسبل مواجهة عدوّ واحد يضرب في أرجاء هذه البلدان كافة. لا بل، إن بلداناً عربية أخرى تموّل وتسلّح وتؤجج منذ البداية نار الفتن في ليبيا وسورية وغيرها في انقلاب فظيع على روابط الدم والقربى واللغة والثقافة والتاريخ. إذا كان هذا البعض من البلدان العربية يفاخر باستيراد آخر أنواع السيارات من الغرب لا بل وحتى آخر البرامج التلفزيونية فلماذا لا يحاول استيراد بعضٍ من مواقف الدول الغربية في تآزرها وتعاضدها مع بعضها حين يُصاب أي منها بمحنة أو مصيبة؟ إذا كان بعض العرب معجبين بما ينتجه الغرب من سلع فلماذا لا يقلّدون بعض مواقف الغرب الحضارية والصحية التي كانت سبباً أساسياً في قوة الغرب وازدهاره؟
إننا كعرب، نلاحظ بحسرة، السرعة التي تتداعى بها الدول الغربية عبر المحيطات لاتخاذ موقف موحد يضمن لها هيبتها ومكانتها على الساحة الدولية، في حين يتنازع العرب ويختلفون في منطقة جغرافية صغيرة، رغم أواصر الدم والقربى واللغة والثقافة والتاريخ!!!. فهل من يتفكّر وهل من مستجيب؟