عقيدة أوباما وغدر الأعراب
بمزيج شيّق من المقابلات والملاحظات والشروحات والوصف بقلم جيفري غولدبيرغ نشرت مجلة «ذي أتلانتيك» إلكترونياً ما أطلق عليه اسم «عقيدة أوباما» أو مبدأ أوباما بتسع وستين صفحة كمقدمة لنشر النصّ كاملاً الذي سينشر في عدد 4 نيسان 2016. ومن خلال قراءة متأنيّة للنصّ المنشور والتوقف عند دلالات المواقف والجدل بين أعضاء الإدارة الواحدة والاعتبارات المختلفة لكلّ منهم تستخلص العديد من العِبَر في السياسة والحرب والسلم والعلاقات المهنيّة وموقف التاريخ الذي يرصد الجميع لأنه سيكون الحَكَم عليهم كلهم جميعاً. ولن يتسع الوقت في هذه العجالة أن أفي هذا النصّ الشيّق حقّه من النقد والتحليل سواء في نقاط الاتفاق أم في نقاط الاختلاف ولذلك سأركّز على نقطتين أساسيتين هنا آملة أن أعود إلى القارئ بقراءة مناح أخرى في وقت لاحق.
النقطة الأولى هي أن ما لفت نظري بشدّة لدى قراءة هذا النصّ هو عمق الخلافات بين أعضاء أساسيين في الإدارة الأميركية فيما يتعلق بالعمل الذي يجب اتخاذه تجاه سورية وبصدد الحرب الدائرة عليها، وكم من مرّة يحاول وزير خارجية أوباما، جون كيري، أن يجرّ بلاده ورئيسه لإلقاء «بعض القنابل هنا وهناك» لإرغام سورية على السير وفق مخططاتهم ورؤيتهم. واللافت أيضاً هو إصرار سامانثا باور على التدخل وفق المبدأ الذي وصفته في كتابها «التدخل من أجل الحماية» والذي هو في الواقع، وكما برهنت تجربة أفغانستان والعراق وليبيا، هو التدخل لتدمير البلدان وخلق الكوارث لشعوبها. وسامانثا باور ومن ينهج نهجها لا يعتقدون أن مسألة السيادة ذات قيمة. كما أن الخلاف كان عميقاً بين أوباما ووزيرة خارجيته آنذاك هيلاري كلينتون التي انتقدت علناً مبدأ أوباما القائل بـ«عدم القيام بأفعال غبيّة» حين قالت عبارتها المشهورة «عدم القيام بأفعال غبيّة ليس مبدأ في السياسة». كل هذا بالإضافة إلى الخلافات مع أجهزة الأمن ووزراء الدفاع والخلافات بين أفراد هذه المجموعات الحاكمة وليس فقط بينهم وبين الرئيس أوباما. أسرد كل هذا لأفضي إلى استنتاج مهم عاصرتُ عناصره لعقود وهو أن الدول الغربية تعتبر الخلاف جزءاً من طبيعة الحكم وأن دول الاتحاد الأوروبي كانت توقف الساعة وتستمرّ عشرات الساعات في النقاش إلى أن يتوصلوا إلى الهدف الذي وضعوه في بداية الاجتماع في حين الحكام العرب ما إن يكتشف أحد في الاجتماع أن الآخر يختلف معه في الرؤية أو في الطريق لوصول الهدف ذاته أحياناً حتى يناصبه العداء أو يقطع الحديث معه مرّة وإلى الأبد. ولو أن الحكام العرب عالجوا الخلافات في مواقفهم على الطريقة الواضحة جداً في نصّ «عقيدة أوباما» لما وصلت هذه الأمة إلى ما وصلت إليه من فرقة وتمزق وانقسام.
النقطة الثانية هي موقف أوباما من الشرق الأوسط وعلى الأخصّ موقفه من السعودية ودول الخليج حيث ورد في استنتاجات أوباما مايلي:
1- لم يعد الشرق الأوسط مهماً جداً للمصالح الأميركية.
2- وحتى لو كان الشرق الأوسط مهماً جداً للولايات المتحدة فإن رئيس الولايات المتحدة لا يستطيع فعل الكثير كي يجعل الشرق الأوسط مكاناً أفضل.
3- الرغبة الداخلية الأميركية لمعالجة المشاكل التي تظهر بشكل كارثي في الشرق الأوسط، ستقود بالتأكيد إلى حروب وإلى موت جنود أميركيين وبالنتيجة إلى إضعاف مصداقية وقوة الولايات المتحدة.
4- لا يمكن للعالم أن يتحمّل غياب الولايات المتحدة كقوّة أساسية فيه. كما أن بعض حلفاء أميركا قد وجدوا قيادة أوباما ضعيفة (قادة الخليج والأردن صرّحوا بذلك مراراً) في حين يردّ عليهم أوباما بالقول إنه وجد أن العالم يعاني نقصاً في القادة الحقيقيين: الشركاء الدوليون غالباً يفتقرون إلى الرؤية والإرادة لوضع رصيدهم السياسي في البحث عن أهداف أبعد وأهم كما وجد أن الخصوم لا يتمتعون بعقلانية توازي عقلانيته هو. أوباما يعتقد أن التاريخ له جوانب وأن خصوم أميركا وبعضاً من «حلفائها» قد وضعوا أنفسهم على الجانب الخطأ من التاريخ. إذا ما أخذنا هذا الكلام المكثف مع ما صرّح به علانية عن دول الخليج ندرك أنه يقصد بالحلفاء دول الخليج حيث وصف أوباما بعض حلفائه في الخليج بالجامحين معتبراً أنهم يسعون لجرّ واشنطن إلى صراعات طائفية في المنطقة لا تناسب مصالحها أو مصالح الدول الإقليمية. كما اتهم السعودية بأنها تنشر الفكر الطائفي وتتسبب في انتشار التطرّف من أندونيسيا إلى الشرق الأوسط. كما شرح أوباما كم تعرّض لضغوط من السعودية والإمارات والأردن من أجل ضرب سورية وأنه حين اتخذ القرار بعدم توجيه ضربة إلى سورية أبدى الجبير وبن زايد وعبدالله الثاني غضباً وإحباطاً شديداً من هذا القرار.
فكيف يمكن لنا أن نصف عقيدة حكام الخليج الذين ينحدرون من عوائل بدويّة نصّبها الاستعمار البريطاني ليضمن تدفق النفط عندما انسحب من منطقة الخليج؟ كيف نصفهم وهم يطالبون رئيس الولايات المتحدة بقصف الشعب العربي الشقيق في سورية وهم اليوم يقصفون المشافي والمنتزهات والآثار والمحميات والأطفال والنساء في اليمن؟ وكيف نصفهم وهم يصنفون المجاهدين حقاً في سبيل الأرض والوطن والعروبة والذين حرروا أرضاً عربية وأعادوا الاعتبار لكرامة العرب في أعين الأعداء قبل الأصدقاء بالإرهاب؟ والسؤال أحياناً أبلغ من الجواب، هل هي عقيدة أم هو طبع الخيانة والغدر الموروث عن الأعراب؟