رغم كل الصعوبات التي تعرّض لها العالم خلال جائحة كورونا فإن اللافت في أوروبا كان عدد الوفيات من كبار السن واستسهال التخلّص منهم والطريقة التي تمّ التعامل بها معهم. فقد شاهدنا أهمّ المشافي تكدّس كبار السن في ممراتها وتناقش إمكانية مقابر جماعية لهم وكأنها نزعت عنهم صفتهم الإنسانية لمجرّد أنهم في خريف العمر وربما دون معيل أو معين وهو أمر ليس مستغرباً في مجتمعات فقدت فيها العائلة مكانتها العزيزة وأهميتها الإنسانية. وألحق بهذا المنظر قوانين في كندا وبلدان أخرى تسمح بقتل مريض مزمن إذا استعصى على الشفاء ووافق هو على التدخل لإنهاء حياته، الأمر الذي تمّ سحبه على من يتم وصفهم مرضى نفسيين أو غيرهم. وجوهر القول هو التخلص من أي إنسان يتم اعتباره لسبب أو لآخر عبئاً على الآخرين.
وبدا هذا صادماً جداً لأبناء مجتمعاتنا التي نشأت على احترام وتقدير الكبار والاعتناء بالمرضى حيث يعتبر هذا جزءاً اساسياً من العمل الصالح والذي يرفد الإيمان بالله عزّ وجل ويعتبر متمّماً له في كلّ الديانات السماوية . فحسب الأخلاق العامة والمتوارثة يوجب الإيمان بالله الاهتمام بالوالدين وكبار السن من الأقارب وعدم التخلّي عن المسؤولية اتجاه المرضى مهما كانت التضحيات المبذولة في سبيل ذلك.
ولكن وما كدنا نستوعب هذه الكوارث التي حلّت بالمجتمعات الغربية ونحاول إيجاد تفسيرات لها إلى أن داهمتنا كارثة أشدّ خطورة على المجتمع الإنساني برمّته وأكثر صعوبة على التأويل والتفسير ألا وهي استهداف فئة أخرى مستضعفة ولا حول ولا قوة لها وهي فئة الأطفال. ومن المعروف أن الأطفال وكبار السن هما الحلقتان الأضعف في أي مجتمع وأن رعايتهما والاعتناء بهما تعتبر مقياساً حقيقياً لحضارة وإنسانية هذا المجتمع. الكارثة الأشد خطورة هي ما تروّج له وسائل الإعلام الغربية والمؤسسات التربوية ومنظمة الصحة الأمريكية والأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية من إدخال مواد عن الجنس لأطفال المدارس الابتدائية حيث لم يتجاوز الأطفال أو لم يبلغوا الإثني عشر ربيعاً. ويترافق هذا مع تغيير القوانين حيث يتمكن هؤلاء الأطفال من تغيير جنسهم وإذا اعترضت أُسر المهاجرين أو المسلمين على هذه السلوكيات فإن الشرطة تسحب الأطفال من أسرهم بقوة السلاح وتحرمهم منهم نهائياً.
والسؤال هو: أين هي حقوق الطفل التي مازال الغرب يتغنّى بها منذ سنين؟ حقه في التعليم الآمن والسليم وحقه في النمو الطبيعي وحقه أن يعيش طفولته كطفل كما اعتادت كلّ أطفال الدنيا أن تعيش؛ تتعلّم وتلهو وتلعب دون أن تكون عرضة لتشوّهات أخلاقية لا يعلم أحد منشؤها ومبتغاها مع أن اليقين هو أنها صادرة من منبع الشر العالمي نفسه الذي ينشر حروب الإبادة ضد الشعوب حرباً بعد حرب. إذا كانت حتى الآن القوانين الغربية لا تحكم على يافع تحت سن الثامنة عشرة بحكم جنائي لارتكاب إثم ما لأنه قاصر فكيف يحقّ لها أن تقحمه بمواد وصور وجدالات تشوّه براءته وجسده وتدخل فوضى مدمّرة إلى كيانه؟
إذا كان لا يحق لليافعين أن يتناولوا كأساً من البيرة في الغرب قبل سن الثامنة عشرة فمن هي السلطات وما هي دوافعها لارتكاب جريمة إقحام مواد جنسية في مقررات التعليم الابتدائية تؤدي إلى عمليات جراحية تغير جنس الطفل بشكل نهائي وهو لم يبلغ بعد سن الرشد ؟ كيف يمكن أن يُقرَّر في المناهج والمواد الدراسية أن ” رياض الأطفال والمدارس الابتدائية يجب أن تدرّس الأطفال تنمية شهواتهم الجنسية وإقامة علاقات مع زملائهم من الجنس نفسه والاطلاع على الكتب والأفلام الإباحية؟”
هذه خطوط أساسية أصدرتها منظمة الصحة العالمية والمسؤولون التربويون في الأمم المتحدة لتوزيعها على العالم برمّته بعد أن اخترقتهما إيديولوجيات الإبادة للجنس البشري وتقليص عدد السكان، وما إلى ذلك من نظريات الشر الغربية. إن دلّ هذا على شيء فإنه يدلّ على انتهاك للطفولة ولسريرة الإنسان الفطرية وللطبيعة البشرية كما عرفتها البشرية وعاشتها في كل أنحاء المعمورة. وإن دلّ هذا على شيء فإنه يدلّ على مستوى الانحدار الأخلاقي والتيه الغربي والذي تمثّل ليس في شن الحروب فقط والعدوان على الدول ونهب ثرواتها للشعوب وإفقارها وإنما يتطاول اليوم على الطفولة البريئة وعلى إنسانية الإنسان في حالتي ضعفه وهما الطفولة والشيخوخة. فكما أن قانون التخلّص من كبار السن بذريعة الموت الرحيم مع أن القتل ليس رحيماً بأي شكل من الأشكال وتحت أي مبرر بل هو جريمة فإن هذا الإجراء المتعلّق بالمواد التعليمية اللاأخلاقية وغير الإنسانية هو جريمة موصوفة بحق الأطفال والأسرة وتدمير لكليهما ومصادرة شنيعة لحقوق الأطفال في حياة مستقبلية حرة وكريمة يختارونها بأنفسهم بعد اكتمال نموّهم.
علّه من حسن الطالع أن دولاً كثيرة من بينها روسيا قد أصدرت القوانين التي تمنع مثل هذا العدوان المجرم على الطفولة والشيخوخة ولا شك أن معظم دول العالم ترفض هذا الإجراء القميء ولكن لابدّ من إصدار قوانين وطنية وتكاتف دولي أيضاً على مستوى المنظمات الدولية واللاغربية أمثال البريكس وشنغهاي ضد هذا الجنون الغربي وضد هذا الوجه البشع لليبرالية الجديدة والتي فشلت في تحويل النظم العالمية إلى نسخ مشابهة لها كي يسهل عليها ابتزازها فلجأت إلى محاولة التحكم بالإنسان من سنيّ ضعفه حيث لا قدرة له على فرز الغثّ من السمين ولا على اتخاذ قرارات وخيارات تتوافق ومصلحته المستقبلية وسعادته وسعادة اسرته.
حين وصف الله تعالى خلقه للإنسان قال في كتابه الكريم: الله الذي خلقكم من ضعف ثم جعل من بعد ضعف قوة ثم جعل من بعد قوة ضعفاً وشيبة” (الروم 54)؛ أي أن الطفولة هي مرحلة الضعف في حياة الإنسان تليها مرحلة الشباب والنضج وهي مرحلة القوة ثم الشيخوخة التي هي مرحلة ضعف أيضا،ً وكل الكتب السماوية والأخلاق الحضارية للمجتمعات الإنسانية منذ نشوئها تركّز على الاهتمام بهاتين الفئتين الضعيفتين والمستضعَفَتين في مجتمعاتهما.
إن إصدار هذه التعليمات اللاأخلاقية واللاتربوية من قبل سلطات تسمي نفسها ” تربوية” لهو دليل قاطع على أن العالم دخل في مرحلة انشطار لا عودة فيها وأنه لا يمكن لمجتمعات آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية أن تتقبل بأي شكل من الأشكال هذه الإفرازات الخطيرة للحكومات الغربية والمنظمات التي تمثّل مصالحها المادية فقط ضاربة عرض الحائط بإنسانية الإنسان وكرامته وحقوقه بحياة عزيزة وطبيعية. بعد أن انتهكت الدول الاستعمارية الغربية كرامة الدول وأسقطت القنابل على سكانها الآمنين ونهبت ثرواتها وحرمتها من مصادر العيش تنتقل إلى مرحلة جديدة بمصادرة حق الإنسان في الحياة واحتلال عقله وقلبه وجسده منذ نعومة أظفاره، وصياغته بالشكل الذي يخدم مخططاتها الجشعة واللاإنسانية والمجرمة.