للمغرمين بالغرب فقط
في حمأة الضوضاء التي أثيرت البارحة في مجلس الأمن من تصريحات ونقيضها داخل المجلس وخارجه لخّصت جملة واحدة على لسان وزير خارجية بريطانيا جوهر الموقف الغربي حين قال: «علينا أن نقرّ جميعاً بفشلنا في سورية» هذه هي العبارة الصحيحة التي لخّصت صمود الشعب السوري والجيش السوري والإيمان السوري بهذه البلاد ومستقبلها. ولكنّ السؤال هو بماذا أخفق الغرب؟ أي ما الهدف الذي أخفق الغرب أن يحققه؟ الهدف هو تحويل سورية إلى دولة فاشلة مثل ليبيا وتدمير الجيش العربي السوري كي يخرج من معادلة الصراع العربي الإسرائيلي كما تمّ إخراج الجيش العراقي والجيش الليبي قبله- العبارة تؤكد فقط أن مخططاً غربياً ما كان معدّاً لسورية، إذ لا يفشل من لا يخطط ومن لا يستهدف، بل يفشل من خطط واستهدف ودعم وحاول ولكنه في النتيجة لم يتمكن من تحقيق غاياته.
هنا أودّ أن أتوجّه إلى هؤلاء الذين قالوا عام 2011 حالما ينطق الرئيس الأميركي كلمته سوف يتغيّر الواقع على الأرض ونتذكر جميعاً كيف هلّل عملاء الخارج لعبارة أوباما واعتبروا أن انتصارهم على بلادهم وشعبهم قاب قوسين أو أدنى، إذ لا يمكن لرئيس الولايات المتحدة أن ينطق أمراً إلا وأن يترجم هذا الأمر إلى واقع يشهده ويلمسه الجميع.
بعد هذه الحرب على سورية التي استمرت سنوات وبعد كل التصريحات التي أدلى بها حكام ووزراء ورؤساء الولايات المتحدة ودول أوروبية يتضح للمتابع أن مواقفهم وتصريحاتهم كانت مملوءة بالتناقضات والإرباك وعدم وجود قرار واضح سليم.
بمقارنة بسيطة بين التعامل الروسي-الصيني مع الأزمة السورية منذ 2011 حتى أمس الأول 18/12/2015 وبين المواقف الغربية نلاحظ أن الموقف الروسي-الصيني قد بني على أسس متينة وتطور في ذات الاتجاه، وحافظ على هيبته، كلمات وزير أو رئيس، وراكم احتراماً ومصداقية تثيران الإعجاب. على حين في المقابل يصرح جون كيري في موسكو أن الشعب السوري هو صاحب القرار في اختيار مستقبله فيتبعه تصريح لسفيرته في نيويورك يناقض تماماً ما قاله والأمثلة أكثر من أن تحصى.
الدرس الذي أريد للقارئ العربي أن يستنتجه هو أن صورة الغرب لدى الكثيرين من أبناء شعبنا هي صورة صنعها الاستعمار عن ذاته بأنه الأذكى والأهم والأقوى والأكثر موضوعية ونزاهة وعدالة وأنه حريص على حقوق الإنسان في أي زمان ومكان وعلى حرية البشر. ما زالت هذه المفاهيم تشكل ثوابت لدى بعض أبناء شعبنا رغم أن ممارسات الغرب وأفعاله تتناقض تماماً مع هذه المفاهيم. ولنأخذ أقرب مثال لدينا، لقد رفضت الولايات المتحدة أن تدين التفجير الإرهابي البشع الذي ارتكبه مجرمون بحق أناس أبرياء في مدينة حمص، كما رفض الغرب سابقاً أن يدين التفجير الإرهابي في مدرسة عكرمة المخزومية أو أي مجزرة أو تفجير بحق أبرياء سوريين أو مصريين أو ليبيين أو يمنيين. وأمس الأول لم يكن الغرب ليوافق على قرار شديد ضدّ الإرهاب أو على محاولة لوضع أسس لوقف سفك الدماء في سورية لو لم تصل بوادر الإرهاب إلى مدنه ومواطنيه. أي لو احترقت أمتنا بنار الإرهاب من المحيط إلى الخليج لما حرّك الغرب ساكناً لأنه يعتبر الكون كله مسكوناً بمواطنين من الدرجة الثانية وهدفه الوحيد هو الحفاظ على مواطنيه وحتى في هذه الأخيرة لا يخلو موقفه من العنصرية والتمييز.
الدرس الأهم المستفاد من هذه الوقائع الأكيدة مع الغرب أنه «ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى» أي إنه لن ينفع هذه الأمة إلا العمل الذي يقوم به أبناؤها وبناتها من أجل إعمارها وتقدمها وازدهارها، أما المراهنة على الآخر فلم تفلح ولن تفلح أبداً. تجتمع الدول وتناقش كل من وجهة نظرها ومن منظور مصلحتها وتتخذ القرارات وتجدول الأولويات، لكن أبناء الأرض القائمون عليها والعاشقون لها هم الوحيدون القادرون على تحويلها إلى جنة خضراء وعلى إعمار مدنها وقراها، لأنهم هم الوحيدون الذين تعنيهم هذه البلاد وهم الذين سيورّثونها لأولادهم وأحفادهم. للمغرمين بالغرب أقول هو أقلّ بكثير مما تتصورون وبلادكم أغنى وأهم بكثير مما تعلمون.