هل تحرّركم القدس؟
في ظلّ ردود الأفعال العربية والإسلامية المخجلة تجاه الجرائم الإسرائيلية بحقّ الأقصى وبحقّ القدس والمقدسيين، يتساءل الإنسان هل يمكن لنا أن نعكس السؤال التقليدي حول تحرير القدس ومن يحرّرها ومن يلتزم بها؟ ونتساءل هل بدأت القدس تتصدى لمسؤوليات العرب والمسلمين جميعاً؟ وهل سنشهد يوماً تعلمنا فيه القدس وأهلها الميامين، كيف ندحر أشرس احتلال عرفه التاريخ؟ وكيف نستعيد الكرامة المهدورة على أعتاب تولي الأنظمة لألدّ أعداء العرب؟ وكيف نقف شامخين على هذه الأرض المقدّسة؟
إن إدانة الجامعة العربية المتأخرة جداً لإجراءات الاحتلال الإسرائيلي، والعبارات المكرورة من كون القدس خطاً أحمر، تضاف إلى آلاف الإدانات المحفوظة في أدراج المؤسسة العاطلة من العمل، إلا إذا كانت موجّهة ضدّ الدول الأعضاء، خدمةً لأعداء العرب، وتدميراً للبلدان العربية، كما حدث للعراق وسورية وليبيا واليمن، وهي لا تعني شيئاً في قاموس وضرورات المقاومة.
إن الذين يدّعون أنهم حماة الإسلام، من أنظمة وأحزاب وحركات جهادية، قد سقطوا سقوطاً مريعاً للمرة الألف في تقديم أي عون للمقدسيين والفلسطينيين في معركتهم الوجودية والمقدسة، إذ إن معاناة المقدسيين لا تتوقف عند بشاعة إجراءات الاحتلال الأخيرة ولكنها تشمل قدرتهم على الحركة والسفر ونيل العلاج والحفاظ على بيوتهم وحارات أجدادهم، وكلّ هذا يتطلّب دعماً مادياً ومعنوياً، ودفاعاً عنهم في المحافل الدولية، وتقديم العون الملموس لهم لتمكنهم من التمسك بديارهم وديار آبائهم وأجدادهم، ولولا بسالة المقدسيين وإصرارهم على تحدّي الاحتلال وجرائمه التي تجاوزت كلّ المقاييس، لما تحرّك أحد من عرب أميركا وأصدقاء إسرائيل، ولما صدر حتى بيان إدانة.
في ظلّ كلّ هذا الواقع المخجل لأنظمة الخنوع والتبعية، تصدّى الفلسطينيون بصدورهم المتحدّية، وبأجسادهم وأرواحهم وأبنائهم لأبشع الجرائم التي ترتكب بحقّ أي شعب على وجه الكرة الأرضية، وقدّموا الشهداء والجرحى كي يعودوا إلى أقصاهم، ويصلّوا في رحابه، وهذا إن دلّ على شيء، فإنما يدلّ على أن الفلسطينيين أنفسهم هم حماة الأرض ومقدساتها، ولكنّه يدلّ في الوقت ذاته على شيء أهمّ، وهو أن الأمل الوحيد لهذه الأمة هو إرادة شعوبها، وخاصة أنّ الكثير ممن يفترض أنهم يقودون، منشغلون بحساباتهم الصغيرة ومخاوفهم الكبيرة على مكاسبهم ومواقعهم التي يفترض أنهم يستخدمونها لحماية وتمثيل شعوبهم.
لم يعد يخجل هؤلاء حين يرون الناس، العزّل من أي سلاح إلا من إيمانهم بعروبتهم ودينهم وحقوقهم، يتقدّمون الصفوف، ويندفعون إلى الشهادة في سبيل القضية المقدّسة، على حين ينتظر المتخاذلون من الحكام تواصلاً وتحابياً مع سلطات معادية حتى النخاع للعرب تقضم من حريتهم وكرامتهم كلّ يوم.
الحقّ يقال: إن العالم برمّته يعاني أزمة قيادات؛ إذ إن معظم شعوب العالم لا تحظى بالقيادة المستنيرة التي تعتبر ذاتها مكرّسة لخدمة قضايا شعوبها، وإذا ألقينا نظرة على ما يحدث اليوم في الولايات المتحدة وأوروبا وأميركا اللاتينية، إضافة طبعاً إلى الأمتين العربية والإسلامية، نرى أن أحد أهم أوجه الإرباك في العالم سببه غياب القيادات الرشيدة الممثلة فعلاً لأفضل ما أنتجته شعوبها من قيم وأخلاق، ولا نجد قيادات إلا القلة ممن هي متفانية فعلاً في خدمة قضايا هذه الشعوب، ولكن الحال الأسوأ يبقى للشعب الرابض تحت احتلال بغيض، فهنا يصبح غياب القيادة والوحدة الوطنية والرؤية المشتركة والإرادة الواحدة كارثياً بالفعل.
في الأيام الأخيرة، وبشأن المسجد الأقصى، أخذ المقدسيون والفلسطينيون زمام المبادرة، وسارعوا لنصرة الأقصى، ونجحوا في تحدّي إرادة وإجراءات الاحتلال، فهل يصبح هذا الأنموذج سارياً للشعوب الصابرة التي تنتظر الهداية والرؤى ممن يفترض أنه يقودها؟ هل تتكرّر في العالم تجربة أبناء الحجارة التي انطلقت من فلسطين وأصبحت أنموذجاً للعالم برمّته؟ وهل تصبح إرداة الفلسطينيين في استعادة الأقصى أنموذجاً للشعوب التي تبحث عن حلول في غياب قيادات مخلصة وفاعلة؟ في الوقت الذي تأكدت قناعاتنا خلال ما تعرّض له عالمنا العربي من إرهاب تكفيري متحالف مع الصهيونية، تحت مسمّى «الربيع»، أن فلسطين هي البوصلة، وأنّ كل ما يخدم قضية فلسطين هو صحيح، وكلّ ما يلحق الضرر بها هو خطأ؟
نقول اليوم إن فلسطين هي الرائدة، وهي الأنموذج، وهي المشعل الذي يضيء الطريق لشعوب العالم أجمع.
الصراع اليوم، وقبل كلّ شيء هو صراع إرادات، والمقولة القديمة الحديثة سارية اليوم كما كانت سارية حين كانت معظم شعوب العالم تحت نير الاحتلال: «إذا الشعب يوماً أراد الحياة، فلا بدّ أن يستجيب القدر».
هل قدر فلسطين هو أن تقود وتضحّي، وأن تبذل الدماء كي تلقّن العالم درساً في الصمود والتحرّر؟ وهل ستحرّر القدس الأنظمة من الجبن والخوف والاستكانة بدلاً من الانتظار كي نحرّرها نحن من الاحتلال؟