شخصيات عربية في مؤتمرات دولية
حين تُدعى إلى مؤتمر دولي وتنشغل قبيل افتتاح المؤتمر بالسلام على شخصيات عربية وازنة تشعر بالارتياح والسعادة أن إخوانك وأخواتك من العرب يحققون حضوراً مهماً في مؤتمر دولي وأن معظم الأقطار العربية حاضرة من خلال مفكرين أو مسؤولين أو موظفين سامين. وحين تجد على معظم منصات المتحدثين نسبة تقارب النصف من العرب أيضاً تطمئن على هذه الأمة التي تواجه الاستهداف تلو الآخر وبأشكال مختلفة وعبر السنوات والعقود. ولكن المفاجأة الصاعقة تبدأ حين يأتي دور هؤلاء المتحدثين العرب بعد أن سمعت الصيني يتحدث بالصينية والروسي يتحدث بالروسية والإيراني يتحدث بالفارسية في حين العربي يختار اللغة الإنكليزية أو الفرنسية لغةً له ليتحدث بها، متناسياً أن لغته العربية من أجمل لغات الأرض وأغنى لغات الأرض على الرغم من وجود ترجمة ممتازة ورائعة. شعرتُ بالحزن لما شاهدته وسمعته ونوّهتُ إلى اعتزازي بلغتي الأم، لغتي العربية، ورغم أني أتقن اللغة الإنكليزية فقد تحدثت باللغة العربية وحاولتُ أن أوحي لبقية الزملاء المتحدثين أن الحديث بلغتنا واجب علينا وشرف لنا. ولكنّ هذا لم يغيّر من الأمر شيئاً. ما أسعدني هو أن الباحثين الروس والصينيين والإيرانيين والهنود والذين في معظمهم يتكلمون اللغة العربية، لأنهم باحثون في الشرق الأوسط والكثير من الحضور العرب شكروني لأنهم مشتاقون لسماع اللغة العربية الفصيحة والسليمة.
اللافت في هؤلاء الباحثين العرب أن بعضهم كان يتحدث عن الحرب على الهوية والأوطان وضرورة مواجهة هذه الحرب وربما لم يتوقف ليكتشف أن اللغة العربية هي عنوان أصيل وجوهري لهذه الهوية. وحين سألتهم لماذا لم تتحدثوا باللغة العربية أجاب أحدهم: لأن هذا مؤتمر دولي وفي المؤتمرات الدولية أنا دائماً أتحدث باللغة الإنكليزية. هل ترون معي ماذا يقول؟ إنه يكرّر ما يهدف أعداؤنا إلى تثبيته وهو أن اللغة العربية ليست لغة دولية، وليست للمؤتمرات الدولية رغم أنها إحدى اللغات المعمول بها في الأمم المتحدة في حين يرى كل الآخرين أن لغتهم لغة دولية وإذا لم تتوافر الترجمة فهم يطالبون بها ويصرّون عليها رغم إتقانهم في غالب الأحيان للغة الإنكليزية. لقد تمّ الاستغناء عن عدد لا بأس به من مترجمي الأمم المتحدة من وإلى العربية وذلك لأن الوزراء والمسؤولين العرب من المغرب العربي يتكلمون بالفرنسية والباقون من بلدان عربية أخرى يتكلمون الإنكليزية وهكذا يجلس المترجمون العرب فقط ليكتشفوا أن لا حاجة لجهودهم ولن تواصل أي منظمة تجديد عقود أناس لا عمل لديهم. ولهذا عواقبه الأخطر بكثير طبعاً، فمنذ سنوات بدأت همسات تتعالى في الأمم المتحدة للاستغناء عن اللغة العربية كلغة أساسية من لغات الأمم المتحدة بحجة أن العرب لا يستخدمون لغتهم هنا، في حين يعمل أعداؤنا ليل نهار لخلق اعتبار للغة هجينة ومحاولة تثبيتها في أي محفل مهما صغر أو كبر.
والسؤال هو هل وصل الاستلاب حدّاً أشعَرَ العرب في بلدانهم المختلفة أن لغتهم لا ترقى إلى المستوى الدوليّ وأنه كي يكون العربيّ على المستوى المطلوب لا بدّ له أن يتكلم الإنكليزية؟ لقد كنتُ من أوائل الناس الذين طالبوا في الثمانينيات بتعليم أبنائنا لغة أجنبية في المرحلة الابتدائية لأن التعليم في سورية كان يبدأ تعليم اللغة الإنكليزية أو الفرنسية منذ الصف السابع. ولكن لم يكن ليخطر لي ببال أن اللغة الأجنبية ستكون بديلاً للغتنا الأم، اللغة العربية. فها هم الأوروبيون يتقنون لغات عدة ولكن حين يقف أحدهم ليتحدث في مؤتمر أو اجتماع عام فكلٌّ يختار لغته دون أدنى تفكير أو نقاش. وهنا نعود إلى عالمنا العربي لنجد واقع اللغة العربية واقعاً مؤسفاً يحتاج إلى الكثير من العمل والاهتمام والمراجعة الدقيقة كي تعود لغتنا العربية وتتربع في مركز تفكيرنا وحديثنا.
وهنا لا أتحدث فقط عن الحديث باللغة العربية وإنما عن تطوير اللغة واستخدامها استخداماً حقيقياً في الأبحاث بمختلف الاختصاصات وتطوير مفرداتها ومصطلحاتها من قِبل مجامع اللغة العربية التي كان الهدف من إنشائها هو مواكبة تطوير مفردات ومصطلحات اللغة العربية للمبتكرات والمصطلحات العالمية. إن هذه الحروب التي تستنزف الوطن العربي من أقصاه إلى أدناه تستهدف هويتنا العربية الأصيلة بكلّ مكوناتها المشرّفة ولا شك أن المكوّن الأساس للهوية والروابط القومية والثقافة والتاريخ والفلسفة والإبداع هو اللغة العربية. فهل من صرخة عاجلة توقف هذا التدهور وهذا الاستلاب النفسي في أنفس وأذهان العرب وتعيد اعتبارهم لذاتهم ولغتهم أولاً قبل أن يتمكنوا من فرض احترامهم على الآخرين واحتلال مكانة مرموقة لأنفسهم وأجيالهم المستقبلية تحت الشمس؟