لمن يحاولون حجب الشمس بغربال!!
في الانتخابات الأخيرة في منظمة حقوق الإنسان خسرت روسيا الاتحادية مقعدها على حين حافظت السعودية على مقعدها! هل هذا يعني أن السعودية أصبحت بلداً يحترم حقوق الإنسان أم إنه يعني أننا في عالم قد نُسفت به المعايير والقيم وكشفت بعض الأطراف عن جوهرها دون استحياء أو خجل؟ وهذا يساعد أبناء هذا الجيل في رؤية الحقائق ماثلة أمام أعينهم دون أن يعيشوا أوهاماً يبنون عليها مقدمات ونتائج خاطئة. وفي خطوة تصب في الإطار ذاته تمت إقالة وزير الشؤون الدينية في تونس عبد الجليل بن سالم من منصبه بعد تصريحات اتهم فيها الوهابية بأنها مصدر التكفير والإرهاب. والسؤال هنا أيضاً هو هل هذه الإقالة ستشكل مصدر صك براءة للوهابية من التكفير والإرهاب أم إنها اعتذار رسمي سياسي من ممثلي الوهابية في العالم؟ وهل ستغير هذه الخطوة من الواقع والمفهوم الذي أنتجه هذا الواقع بأن الوهابية تعمد إلى تكفير الآخرين وأن مبادئها لا تنسجم مع روح الدين الحنيف ونصوص القرآن السمحة التي تؤكد على المغفرة والرحمة وليس على الإقصاء والتكفير والقتل؟ هل يعتقد من يقوم بمثل هذه الخطوات، والتي تتناقض مع المشاعر العامة والحقائق الثابتة، أنهم قادرون أن «يطفئوا نور اللـه بأفواههم» أم إن اللـه «متم نوره ولو كره الكافرون»؟
ولكن مثل هذه الخطوات وردود الأفعال تأتي عادة كنتيجة طبيعية للخوف من القادم ومحاولة ترهيب الآخرين كي لا يمضوا مع ما هو قادم حكماً وبذلك يعمدون إلى تلقينهم درساً أن من يتجاوز حده ينل عقابه. ولكن مسار التاريخ قد أثبت أن الحقائق الصلبة التي تتشكل في ضمائر الناس هي الوحيدة الباقية أما محاولات التغطية عليها والترهيب والتخويف لعدم الإيمان بها والسير بهداها فلا تجدي نفعاً على المدى المتوسط والبعيد. ولذلك فمن المهم والمهم جداً في هذه المرحلة أن نركز على الأمور الإستراتيجية والبعيدة المدى وألا نسمح لأنفسنا أن نغرق في تفاصيل المرحلة التي يشوبها الكثير من اللغط والتشويه والتضخيم والتخويف وكل أساليب الحرب النفسية كي لا يكمل المنتصرون مسار انتصارهم وكي يتم استهداف معنوياتهم ما دامت طريقهم واضحة وانتصارهم آتياً لا محالة، فهذه هي المحاولة الأخيرة والمستميتة لإيقاف مسار حتمي أصبحت بشائر انتصاره واضحة للجميع.
ومن هذا المنظور بالذات يجب أن نفهم تصريحات رئيس وزراء الكيان الصهيوني أن شأن الفلسطينيين لم يعد يعنيهم وخاصة أنهم يطبعون مع دول عربية وأن هذه الدول تعتبر هذا الكيان شريكاً أساسياً في محاربة الإرهاب وإيران. الهدف من مثل هذا التصريح هو أن يسم كل العرب بسمات من تخلوا عن قضاياهم وعن فلسطين ولذلك فهم يسربون كل بضعة أيام نبأ عن زيارة لمسؤول خليجي إلى الكيان أو لقاء بين مسؤول خليجي وأحد المسؤولين في الكيان غير مدركين أن هذه الأنباء لم تعد تشغل بال العروبيين الوطنيين المؤمنين بعروبتهم وأوطانهم، لأن المتواطئين مع الأعداء مهما كثروا فهم قلة بين ملايين العرب المؤمنين أن فلسطين هي البوصلة وأن الصراع العربي- الإسرائيلي هو المسؤول عن كل الخراب الذي يجري في منطقتنا بهدف أساسي وأكيد وهو تصفية الحقوق العربية والحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني وفي مقدمتها حق العودة. لقد صبر الشعب الجزائري مئة وثلاثين عاماً على احتلال فرنسي بغيض لا يقل قسوة وجريمة عن الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين وها نحن نعيش اليوم ذكرى انطلاق الثورة الجزائرية التي أقسمت أن تحيا الجزائر وقدمت مليون شهيد من أجل أن تحيا الجزائر وها هي الجزائر اليوم في طليعة الدول المؤمنة بالعروبة والمدافعة عن الحق العربي في كل أرجاء هذا الوطن الكبير.
إن الذكرى المئوية لوعد بلفور المشؤوم والذكرى المئوية لاتفاقية سايكس- بيكو المجرمة بحق العرب والعروبة تبرهنان دون أدنى شك أن الاستهداف القديم هو ذاته الاستهداف الجديد وأن بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة التي أعطت ما لا تملك لمن لا يستحق في فلسطين وتركيا هي ذاتها اليوم التي أشعلت جحيماً عربياً من أجل تدمير البلدان والمؤسسات ونشر الرعب والخوف وتفتيت الأوطان وتدمير هويتها الحضارية. ولكن بعد ست سنوات من صمود سورية ومعها الحلفاء والأصدقاء وبعد تجربة تدمير العراق وليبيا فقد استفاق معظم العرب من كبوتهم وأصبح جلياً للجميع أن المخطط الاستعماري الغربي الذي بدأ بعد انهيار الدولة العثمانية يُعاد خلقه اليوم بالتعاون مع العثمانية الجديدة من أجل القضاء على العرب والعروبة. وإذا كان حفنة من المهزومين من العرب قد انضموا إلى هذا المخطط فإن هذا لا يثني عزيمة المؤمنين بالهوية والبقاء وحتمية الانتصار، بل على العكس فإن الرؤية السياسية والإستراتيجية لم تكن يوماً بهذا الوضوح التي هي عليه اليوم بعد أن سقطت كل الأغلفة والأقنعة وأصبح واضحاً للجميع أن العروبة هي المستهدفة وأن الحقوق العربية في كل بقعة عربية محتلة هي بيت القصيد وأن الطريق الوحيد نحو المستقبل هو طريق الصمود والمقاومة والانتصار. ولا شك أن التاريخ ماثل أمام أنظار هؤلاء المؤمنين بأرضهم وأوطانهم وهويتهم أن الحق منتصر لا محالة وأن كل ما عداه سيكون في المستقبل القريب نسياً منسياً.