التحوّل الجديد
حسب المزاعم الأميركية، فإنه تمّ العدوان على مطار الشعيرات باعتباره المطار الذي حمّلت منه الطائرات السورية المواد الكيميائية وقصفت بها خان شيخون، ولكن بعد القصف الأميركي الوحشي للمطار، لم نر أثراً لانتشار غازات سامة، ولم تسجّل هناك حالات اختناق في المطار ولا في جواره، فأين هو هذا المخزون من الغازات السامة في مطار الشعيرات؟ وكيف اختفى فجأة وبقدرة قادر ولم يستطع أحد أن يسجل وجود أي إثر لغازات سامة في المحيط كله بعد وقوع كل هذه الصواريخ الأميركية المجرمة عليه؟
نسأل هذه الأسئلة رغم أننا على يقين من الأجوبة عنها ورغم أننا على يقين أن مسألة خان شيخون ومسألة الغازات السامة قد تمّ ترتيبها من قبل أعداء سورية ومن يستهدفون هذا البلد الصابر منذ ست سنوات ظناً منهم أنهم قادرون على أن يغيّروا توازن القوى على الأرض، ذلك بعد أن أحرز الجيش السوري وحلفاؤه انتصاراتٍ هائلة على كل الإرهابيين في محيط دمشق وفي محافظة حماة في المرحلة الأخيرة، تكبد خلالها إرهابيو النصرة وداعش خسائر هائلة.
في هذه المعارك الأخيرة بالذات، تعرّض مطار الشعيرات لهجمات وحشية من إرهابيي داعش والنصرة، ولكنّ أبطال الجيش العربي السوري كبّدوا الإرهابيين خسائر فادحة وتمكنوا من صدّهم مرة تلو الأخرى، ولم يكن أمامهم من خيار سوى الاستعانة بالصورايخ الأميركية لاستهداف ما فشلت العصابات الإرهابية في النيل منه، كما أنهم قدّروا أن إلقاء الاتهامات جزافاً على الحكومة السورية سوف يضعف من الإنجازات التي حققتها في أستانا وجنيف، حيث إنها كشفت بما لا يقبل الشك، تواطؤ المتواطئين وصِغَرَ المتآمرين وأسيادهم وإفلاسهم، حيث لا منطق ولا حجة ولا قدرة لديهم على مواجهة الحقّ والمتمسكين به والمدافعين عنه.
ولكن، ورغم الألم، ورغم خسارة الضحايا والشهداء فنحن نقول: ربّ ضارة نافعة، إذ إن هذا العدوان الأميركي على ديارنا المقدسة وجيشنا الباسل، قد كشف بما لا يدع مجالاً للشك، أن المتآمرين الذين أسماهم الغرب معارضة، والذين أيدوا هذا العدوان على أرضهم وديارهم، لا يحق بعد اليوم لهم سوى اسم وتصنيف الخونة الذين ارتكبوا الخيانة العظمى بحق بلادهم حين دعوا إلى استمرار العدوان الأميركي على بلادهم، ولا شك أنهم يجب أن يُحاسَبوا بجرم الخيانة العظمى لا أن يتم تقديمهم وكأنهم فرقاء أو مواطنون سوريون.
من ناحية أخرى، فقد كان عدد الأصوات في الغرب التي وقفت موقفاً مشرّفاً، عدداً ملحوظاً وكبيراً، فهناك مسؤولون وأعضاء برلمان وأصحاب مواقع وأصحاب وسائل إعلامية، أدانت هذه الفبركات والحجج الواهية للعدوان وأدانت العدوان، ولم يتمكن إعلام الشركات هذه المرة من أن يحكم طوقاً على الصوت الإعلامي أبداً في الغرب، ولكن يبقى أن يعمد إعلاميونا، نحن العرب، على الاهتمام بالأصوات الإعلامية البديلة، والتي أثبتت وجودها ومصداقيتها وتزداد انتشاراً وثقة وتأثيراً في معاقل إعلام الشركات، والتي لم يكن أحد إلى أمد قريب يجرؤ على مشاكستها أو تقديم روايات تتناقض مع ما تقدمه هذه الشركات.
اللافت أيضاً هو أن التناقضات ضمن الإدارة الأميركية كانت صارخة، ومن الواضح أن الرئيس دونالد ترامب يصارع كي يتمكن من تحديد الخط الذي سوف يسير به، ولكن أصبح واضحاً أنه لن يتمكن من السير كما يحلو له، إذ إنه قد بنى حملته الانتخابية على عدم التدخل بشؤون الدول وعلى عدم استخدام القوة العسكرية خارج حدود بلاده، وهاهو يستخدم القوة العسكرية في عدوان فاضح ومدان ضد دولة ذات سيادة وعضو في الأمم المتحدة، وعلى أساس حجج وذرائع واهية لا يقبلها عقل ولا منطق.
التحول اليوم، والذي يُعتبر هذا العدوان على سورية أحد أقوى مؤشراته، هو أن الولايات المتحدة لم تعد قوة عظمى في العالم، بل أصبحت دولة متناقضة مع ذاتها، وأن الذين يدعمون أعمالها العدوانية من عرب وترك وخونة، سوف يكتشفون بعد حين، أنهم يتعلقون بـ«حبال عرمط» لن تنجيهم من مصيرهم المحتوم ولن تمنحهم قوة وتأثيراً لأن فاقد الشيء لا يعطيه.
التحوّل اليوم، هو أن روسيا أصبحت قطباً أساسياً في العالم، ولكنه مختلف في أدائه وإجراءاته، لأنه قطب يحترم الدول والشعوب، ويحترم الشرعية الدولية، ويرفض العدوان ويتخذ الإجراءات الحاسمة ضده كما فعلت القيادة الروسية إثر هذا العدوان.
التحول اليوم، هو أن الصين والبرازيل والهند وبوليفيا وغيرها من الدول، لا تساير العدوان والمعتدين، وأنها مسألة وقت حتى تشكّل هذه الدول مع روسيا تحالفاً دولياً يكشف هوان التحالف الغربي ونفاقه وكذبه وتخاذله ضد قضايا الشعوب.
التحول اليوم، هو أن صمود سورية وحفائها على مدى ست سنوات عجاف قد أصبح نقطة ارتكاز في موازين القوى العالمية، لن يتمكن أحد من تقويضها، وأنه بعد هذه السنين الصعبة سيأتي عام فيه ينتصر حلفاء المقاومة، وفيه يعلنون ثمرة صمودهم وصبرهم وجهادهم ضد الإرهاب وأعوانه وأسياده.
التحوّل اليوم عميق وحقيقي، وليس علينا سوى الاستمرار والصبر واستثمار كلّ هذه التضحيات كي يكون غدنا أفضل وأجمل، ولا شك أن هذا الغد قادم.