تحالف أم تعمية؟
تعمّدت الولايات المتحدة والكيان الصهيوني أن يسلّطوا أضواء مبهرة على ما سموه «التحالف» الذي فرضوه على الدول العربيّة التابعة لهم، بهدف استنزافها مالياً وتوريطها في حروب معادية لأمّتهم، وذلك على هامش لقاءات الجمعية العامة للأمم المتحدة تحت عناوين مختلفة تارةً «متحدون ضد إيران» وتارةً «حلف الناتو العربيّ»، وتعمّد وزير خارجية الولايات المتحدة، بومبيو، أن يترأس اجتماعاً علنيّاً لهذا الحلف وأن تظهر أنباؤه على الشاشات والصحف العالميّة، وكأنّ حدثاً جديداً وغريباً قد وقع. ولكنّ هذا «التحالف» موجود عمليّاً، ولو بصمت، منذ سنوات وسنوات، ومن المعروف جداً للجميع أن علاقات اقتصادية وغير اقتصادية قائمة بين السعودية ودول خليجية عدة والكيان الصهيوني، وتمّ تسريب لقاءات وصور على مدى سنوات عن هذه الاجتماعات واللقاءات خاصة لتمويل الحروب على العرب. أمّا أن يكونوا متحدين ضد إيران، فما هو الجديد في الموضوع أيضاً، أو لم يتحالف كلّ هؤلاء مع صدام، ويمدّونه بالمال والسلاح في حربه العبثية التي شنّها على إيران والتي دامت ثماني سنوات، قتل فيها مليون عراقي؟ أو لم يأملوا في ذلك الحين بالاحتواء المزدوج لإيران والعراق؟ ولكنّ الذي حدث هو أن إيران أصبحت بعد هذه الحرب قوّة إقليمية لا يستهان بها، على حين تمّ تدمير ما تبقى من العراق على أيدي هؤلاء الأعراب الذين ادعوا كذباً أنهم حلفاء صدام في هذه الحرب. بالنسبة للولايات المتحدة فإن الهدف من هذا «التحالف» هو إظهار الكيان الصهيوني، وكأنّه الطرف المهيمن في منطقة الشرق الأوسط، وقوة الاحتلال العنصرية والغاصبة المقبولة عربيّاً، بموافقة دول السعودية والخليجية التي تبيّن أنها أصبحت تابعة للقوة الصهيونية المهيّمنة، وأيضاً الهدف من هذه العلنية استنزاف كلّ ما تبقى من أموال نفطيّة لدى دول الخليج والسعودية، وإيصالهم إلى النقطة التي أوصلوا إليها العراق من خلال حرب صدام على جيرانه، أي إلى الخراب والفشل والتبعيّة. هذا التوقيت أيضاً كان مناسباً ومفيداً للولايات المتحدة وعلى صعدٍ عدّة وقد حقّق لها أهدافاً شتى. فبعد جلسة مجلس الأمن التي حرّض فيها الرئيس ترامب على إيران بهدف استنزاف المزيد من أموال السعودية والإمارات، وحاول عبثاً أن يدفع الأوروبيين للتنصّل من الاتفاق النووي الإيراني، كان الزعيمان الغائبان، بوتين وشي جين بينغ، أقوى حضوراً من ترامب نفسه في الجلسة ذاتها، حيث انتهت الجلسة بعد مقولات ترامب التي أثارت الضحك، انتهت بإعلان روسيا والصين وفرنسا وبريطانيا أنهم ملتزمون بالاتفاق النووي مع إيران، وانتهت الجلسة بشعور عام لدى كلّ الأطراف الدولية أن الولايات المتحدة التي هدفت إلى عزل إيران في هذا المحفل الدوليّ قد خرجت فعلاً معزولة ووحيدة وذهبت كلّ العبارات الجوفاء بحق إيران أدراج الرياح الأوروبيّة، على حين أثبتت هذه الدورة للجمعية العامة للأمم المتحدة انكسار هيبة الولايات المتحدة أمام العالم، إلا طبعاً السعودية ودول الخليج. وظهر، ولأول مرة منذ عقود، تجرؤ دول العالم على قول كلمتها بكلّ وضوح، وبغضّ النظر عمّا يريده الأميركيون. ومن هذه الزاوية بالذات فإن تضخيم أهمية «تحالف» كان قائماً بشكل غير رسميّ منذ أوائل ثمانينات القرن الماضي هو محاولة للالتفاف على إخفاق ذريع وفضيحة كبرى، مُنيت بها الولايات المتحدة تحت أنظار العالم برمته. ولذلك فإن هدف تضخيم أهمية «تحالف» لا جديد فيه أصلاً هو التعمية على إخفاق ذريع يعتبر مؤشراً تاريخياً مهماً ومفصلاً في الحياة الدولية سيتم الاستشهاد به على أنه نهاية نظام أرست قواعده الحرب العالمية الثانية وبداية نظام دولي جديد سقاه شهداء الجيش العربيّ السوريّ وحلفاؤه بدمائهم الطاهرة الزكية، ونقلته آلام جرحاهم إلى المستوى الإقليمي والعالمي بحيث أصبح «ما قامت به سورية في الدفاع عن السيادة والكرامة» كما قال وزير الخارجية الصيني في المحفل الدولي ذاته، أصبح درساً لشعوب العالم.
والتعمية أيضاً موصولة لمجريات مجلس حقوق الإنسان في نيويورك الذي انسحبت منه الولايات المتحدة وسجلت السعودية والإمارات رغم أموال الرشوة الحرام فشلاً ذريعاً في إدانة حزب اللـه في هذا المجلس، وهكذا فقد نجحت بعثة لبنان في استبعاد حزب اللـه كطرف ينتهك حقوق الإنسان، الأمر الذي يعتبر مؤشراً أكيداً إلى تراجع واضح لدور السعودية والإمارات في هذا المجلس وطبعاً غياب الولايات المتحدة. كما تشكّل في هذا المجلس فريق للتحقيق في الجرائم المرتكبة بحقّ الشعب اليمني من سموا أنفسهم «قوات التحالف» وهم الكيان الصهيوني والولايات المتحدة والسعودية والإمارات أي الأطراف نفسها التي أعلنت أنها «متحدة ضد إيران». فإذا كانت هذه الأطراف متحدة وتنفق المال والسلاح منذ أربع سنوات ونيّف ضد اليمن ولم تتمكن من كسر إرادة الشعب اليمني الأبيّ الذي يقاتل بإرادته وباختلال فظيع لتوازن القوى بينه وبين مجرمي الحرب هؤلاء، فماذا نتوقع أن يكون مصير هذا «التحالف» في اتحاده ضد إيران وفي دعمه الكيان الصهيوني الغاشم؟ والتعمية الأخيرة والأهم هدفت إلى عدم تسليط الضوء على انتصار سورية على كلّ قوى العدوان والغطرسة التي شنّت عليها حرباً مدمرة منذ سبع سنوات ونيّف، وها هي سورية اليوم صامدة كصخرة الشرق التي تكسّرت عليها أنصال الغزاة وخرجت أقوى في الميزان العسكري مما كانت عليه من قبل. وبين هذا وذاك تعمية على مصير الاحتلال الأميركي للعراق، الذي، وبعد خمس عشرة سنة من احتلالهم للعراق، يضطرون إلى سحب دبلوماسييهم من البصرة وبغداد خوفاً على حياتهم أو تهيئة لأمر يضمرونه، ولكن وفي كلّ الأحوال لن تستقرّ الأمور لمصلحتهم في العراق ولا في سورية ولا في اليمن ولا في الوطن العربيّ ولا في العالم لأن النظام العالمي الذي أرست أسسه الحرب العالمية الثانية بدأ فعلاً بالانزياح ليحلّ محله نظام تشكّله وتصنعه القوى التي تؤمن بسيادة واستقلال وحرية الدول وتقف قولاً وفعلاً ضد الاحتلال والهيمنة والعنصرية والاستعمار الصهيوني للأرض العربيّة.