الإرهابيون والغرب
منذ سنوات وإرهابيو هيئة تحرير الشام وفصائل إرهابية أخرى مدعومة من دوائر دولية وإقليمية وعربية معادية للشعب السوري يعيثون فساداً في إدلب ويقتلون المدنيين ويطلقون القذائف على أهل حلب وريف حماة واللاذقية ويقتلون الأبرياء ويستهدفون المنشآت الطبية والتعليمية والمؤسسات؛ حتى إن عدد الشهداء الأبرياء بلغ في بعض الأسابيع العشرات ولم نسمع صوتاً غربياً واحداً يدين الجرائم التي يرتكبها الإرهابيون أو ينتقد النظام التركي لعدم تنفيذه اتفاقات أستنا والتي نصّت على تسليم لأسلحتهم الثقيلة وفتح طريق اللاذقية حماة حلب، وبدلاً من ذلك عزّز أردوغان حضور جيشه المحتل للأراضي السورية وعزّز علاقاته مع الإرهابيين وأخذوا يتقاسمون النفوذ في المناطق التي يحتلونها.
وبعد أن عقد الجيش السوري العزم وبدعم روسي على خوض معركة تحرير ما تبقى من الأراضي السورية من الإرهاب وبدأ بشن حملات على الإرهابيين عادت الحملات الإعلامية الغربية الداعمة للإرهاب، التي شهدناها منذ بداية الإرهابيين هذه الحرب الإرهابية على سورية، لتطلق التحذيرات من قتل المدنيين «تقصد الإرهابيين» واستهداف المؤسسات الطبية «تقصد مؤسسات الإرهابيين» معتمدةً كالعادة على أدواتها من الخوذ البيضاء و«شهود العيان» والمأجورين ممّن سموا أنفسهم معارضة في الداخل السوري أو الخارج؛ لا بل سارعت الدول الداعمة لهؤلاء الإرهابيين إلى التداعي لعقد جلسة طارئة لمجلس الأمن لبحث الأوضاع في سورية. غريب أمر هذه الدول التي لا ترى في سورية سوى القوى الإرهابية والتركية والأميركية وكلّ من يتواطأ معهم، أمّا الشعب السوري الذي يتعرّض لنتائج عقوبات قسرية أحادية الجانب في مجالات الطاقة والصحة وحتى الغذاء، فإن معاناته لا تظهر على شاشات هذه الدول ولا يتمّ تسجيلها في حسّاسات ضمائرهم الإنسانية، كما أن مئات الشهداء الذين قضوا في محردة إلى حلب إلى اللاذقية نتيجة استهداف الإرهابيين للمدنيين الأبرياء لم يعنوا شيئاً لكلّ هذه الدول وممثليها ولم يسارعوا ولو مرة واحدة لإدانة استهداف سوريين أبرياء في مناطق مختلفة من سورية. والسؤال هو هل مازال الغرب يراهن على هذه الحفنة من الإرهابيين لتحقيق النتائج التي كان يحلم بتحقيقها في سورية، أم إنه لا يستطيع أن يجد مخرجاً من مراهناته المغلوطة إلا عن طريق الاستمرار بها وإطلاق صفارات إنذاره تماماً كما كان يطلقها رغم أنه أيقن بعد كلّ هذه السنوات والمليارات التي دفعتها الدول العربية التابعة لأعداء العرب على هذه الحرب أن رهانه كان خاطئاً وأنّه غرق في رمال لم يكن يعرف طبيعتها وخطورتها. أهو الغرور الغربي أم انعدام الحكمة أم عدم وجود مخرج أو طريقة يفكرون بها سوى تلك التي اعتادوا عليها منذ تشكّلهم الاستعماري ولا أمل في أن يتمكنوا من التخلّي عن هذا السلوك مهما كلّفهم من أثمان؟ لقد أصبح واضحاً لهم، كم من الإرهابيين من مواطنين ينتمون إلى دولهم حملوا السلاح في سورية ضدّ الشعب السوري، وحين تعلّق الأمر بعودة هؤلاء رفضت كلّ الدول الأوروبية عودتهم مع أنهم يحملون جنسياتها. كيف ترضون أن تصدّروا إرهاباً غريباً عن بلدنا وترفضون عودته إلى دياركم التي احتضنته وأنشأته ومنحته كلّ الإمكانات ليعبر البلدان ويحطّ في بلد السلام فيعيث به فساداً وإرهاباً؟ لقد أصبح النفاق الغربي سمة واضحة وثابتة من سمات السياسة الغربية التي تسعى بكل ما لديها من قوى وإمكانات إلى شرذمة الشعوب وتفرقتها والتلاعب بها وبسياسات بلدانها وها هو جيمس جيفري، المبعوث الأميركي في الشأن السوري يقول في حديثه إلى صحيفة الشرق الأوسط إن واشنطن ستواصل الضغط على دمشق وحلفائها عبر العقوبات الاقتصادية والوجود العسكري شمال شرق سورية وعبر وقف التطبيع العربي والغربي إلى أن تتشكل «حكومة جديدة بسياسة جديدة مع شعبها وجوارها». جيفري يريد حكومة جديدة بسياسة جديدة كما يريدون تغيير سلوك الحكومات والدول إلى أن تصبح تابعة لهم وتأتمر بأوامرهم، وهذا هو السبب الأساس وراء الحروب التي يشنّها الغرب على دول كثيرة في كل أنحاء المعمورة.
كدتُ لا أصدق وأنا أقرأ في التاسع من الشهر الجاري عناوين جريدة الغارديان البريطانية والنيويورك تايمز الأميركية والناشيونال وأشاهد الذعر الذي تبثه قناة البي بي سي والسي إن إن حول مصير هؤلاء الإرهابيين في إدلب وريف حماة وكأنّهم الأطفال المدللون الذين يخاف الغرب على مصيرهم ويريد أن يمنع عنهم التهلكة بأي ثمن. هل يعني هذا أن الغرب مستمر في دعمه لهؤلاء الإرهابيين وتمويله لهم وأنّه لن يصل اليوم الذي يعتبر فيه هذا الغرب حياة المواطنين السوريين جديرة بالحماية واجتثاث كلّ الحركات الإرهابية من ديارهم؟!
وبقدر ما هي حقيقة مؤلمة فهي أيضاً حقيقة تمنحنا الحرية ألا نقيم لتلك الآراء وزناً لأنّنا متأكدون للمرة بعد الألف من انحيازها للإرهاب ومن استهتارها بحياة شعوبنا وكرامتها وسلامة بلداننا وسيادتها. هذا يعني من ضمن ما يعنيه أنه ليس علينا سوى أن نركّز على قوانا الذاتية وعلى التعاون مع الحلفاء والأصدقاء الذين يشاركوننا قيم الإيمان بكرامة الشعوب وسيادة الدول بغضّ النظر عمّا تروج له مزامير الغرب. هذه دعوة صريحة وواعية ومسؤولة إذا لأبناء شعبنا الخلّص ألا يقيموا وزناً أبداً لكلّ ما يروّج له الإعلام الغربي لأن منطلقه هو دعم الإرهاب وخرق سيادة الدول وعدم احترام حياة شعبنا وكرامته، فلماذا مازال البعض يشير إلى منظماتهم الدولية وإلى وسائل إعلامهم وكأنّها تشكّل مرجعيّة يمكن الاعتماد عليها؟ المرجعية الوطنية تنبع من الذات ومن مصلحة البلاد والعباد أمّا المرجعية الأخلاقية الدولية، فهناك مئة وخمس وثلاثون دولة تتعاون مع جمهورية الصين الشعبية لتشكيلها لتكون مرجعية معتمدة تتبناها وتفاخر بها شعوب الأرض بعيداً عن سياسات الإقصاء والعقوبات والهيمنة التي ضقنا ذرعاً بها ولم تبقَ شعوبنا قادرة على تحمّل تبعاتها بعد اليوم.