أخلاق سوريّة هي فخر الهوية
حين حُوصرَ أبطال الجيش العربي السوري من ضباط وصف ضباط وجنود وأطباء وممرضين في مشفى جسر الشغور من العصابات الإرهابية المرتزقة انشغل السوريون بكل أطيافهم بالدعاء لهم، كلٌّ حسب معتقده، والسؤال عنهم وعرض المساعدة بأي طريقة لفكّ أسرهم. وعاد بعض الذين تمّ تهجيرهم من إدلب إلى هناك متأبطين أسلحتهم ومرحبين بالموت للدفاع عن إخوانهم ومحاولة فك الحصار عنهم.
أمّا أبطال الجيش العربي السوري فلم تغمض لهم عين وهم يمارسون المحاولة تلو الأخرى ويضعون الخطة إثر الخطة مصممين على فك أسرهم مهما بلغ الثمن ومهما قدموا من شهداء.
وقد عبّر عن هذا النبض الشعبي الرئيس بشار الأسد في السادس من أيار في احتفاله بعيد الشهداء إذ وعد ببذل كل ما يمكن بذله في سبيل تحريرهم. وحمدت اللـه عزّ وجل؛ إذ رغم كل ما أصابنا من آلام وجراح فإن الشعب السوري من الرقة وحلب ودير الزور إلى طرطوس والسويداء بقي متكاتفاً متعاضداً كالجسد الواحد إذا أصيب منه عضو تداعت له سائر الأعضاء بالسهر والحمى.
فالبارحة ولدى سماع أول خبر عن فك أسر المحاصرين كلمتني صديقة مسيحية وقالت: اليوم هو عيد القديسة «ريتا» قديسة وشفيعة الأمور المستحيلة والمستعصية المعروفة بإغاثة الملهوفين والمظلومين، وكلمتني صديقة مسلمة وقالت: هذا هو الأسبوع الأول من شعبان ولا شك أن دُعاء الناس من أجل هؤلاء قد استُجيب فأبواب السماء مفتوحة للملهوفين والمظلومين.
وخلال حصار هؤلاء الأبطال لم يفقدوا إيمانهم بجيشهم وشعبهم ولو لحظة واحدة، بل كانوا هم الذين ينقلون المعنويات العالية لمن يتصل بهم. وقد علمت من عشرات الأصدقاء أن كلاً كان يدعو بطريقته وينذر لهم حسب معتقداته وأنّ الجميع توحّد في مواجهة الظلم، ومحبة أبناء الوطن والعمل على الذود عنهم بكل ما نستطيع، واطمأننت أن الحملة الظالمة على سورية والتي دخلت عامها الخامس لم تتمكن من إلحاق الأذى بأخلاق السوريين العالية والمتوارثة على مدى عشرة آلاف عام، ولم تتمكن أبداً من دق إسفين الطائفية أو المذهبية بينهم. لكنّ أرفع الأخلاق السورية وأسماها قد عبّر عنها هؤلاء المحاصرون حين حملوا شهداءهم وجرحاهم على الأكتاف وهم يحاولون النجاة من نيران المجرمين وسكاكين السفاحين.
لا يمكن بعد هذا أن يزاود أي أحد في العالم على السوريين بالتحضّر أو الأخلاق أو التسامح أو العيش المشترك؛ فقد كان هؤلاء خير معبّرين عن أجلّ ما نعتزّ به في سورية الحبيبة وهي أننا شعب واحد مهما تآمر المتآمرون ومهما تكالب المعتدون، وأن هذه الأخلاق السورية هي فخر هويتنا وفخر انتمائنا. وإذا كان المجرمون اليوم يدنسون تدمر فهم يدنسون الرمال والحجارة التي ستغسلها أمطار سورية وتُطهرها من دنسهم والتي لا شك سيحررها جيشنا الأبي عاجلاً أم آجلاً من إجرامهم الدخيل علينا والمبعوث لنا من القوى الطاغية الحاقدة.
أمّا الأخلاق التي عبرت عنها حضارة زنوبيا وحضارة طريق الحرير والإرث الثقافي والحضاري الذي عبّرت عنه عاصمة طريق الحرير، مملكة زنوبيا، فهي ملك للشعب السوري وهي تدخل في جينات أبنائه وبناته جيلاً بعد جيل ولن يتمكن الغزاة والمرتزقة مهما فعلوا من أن ينتزعوا هذه الجينات وهذه الهوية عن سورية وشعبها.
لقد كان هدفهم ومازال القضاء على العيش المشترك ودق مسمار الفتنة بين أبناء الشعب الواحد، وإذ به شعبنا، وفي كل بقعة جغرافية من سورية، يتقاسم الهموم واللقمة والأفراح والأتراح ويبقى موحداً في كل مفصلٍ من مفاصل حياته رافضاً أفكارهم المسمومة الدخيلة علينا وعلى حضارتنا المتألقة رغم كل غزواتهم ومحاولاتهم أن يطفئوا نورها عبر التاريخ، ولاشك أنها ستبقى مصدر إشعاع للعرب والمنطقة والعالم.
هذه هي سورية التي نعشق أن نحيا على ترابها، وإذا لزم الأمر، أن نستشهد من أجلها.