ماذا عن الأسئلة الأعمق؟
حدثان مهمان يجب أن نسأل أسئلة أعمق بشأنهما بعيداً عن التفاعل الآني لمواقع التواصل الاجتماعي والانفعالات غير المدروسة للبعض بهما: الحدثان هما جريمة حرق الطيّار الأردني معاذ الكساسبة وطرد داعش من مدينة عين العرب والقرى المحيطة بها. أما بالنسبة للحدث الأول فقد أعلن والد الطيار الكساسبة في شريطٍ مصوّرٍ أنهم كانوا يعلمون أن ابنهم قد أُرسل كي يُقتل وأن طائرته قد أصيبت بصاروخ من الطائرة الإماراتية. لا شكّ أن هذا الكلام بحاجة إلى تدقيق وتمحيص وربما براهين، ولكن الأمر الذي لا يحتاج إلى براهين هو أن الولايات المتحدة قد أعلنت في اليوم نفسه الذي أُحرق به الكساسبة أنها تريد من العرب 8.8 مليار دولار لمحاربة داعش كما أعلنت عن وضع طيارات في العراق «لإنقاذ طيارين قد تُلقي داعش القبض عليهم إذا سقطوا»، وطبعاً المقصود بذلك هو أن الولايات المتحدة تؤسس لقاعدة جوّية في العراق وجدت في حرق الطيار الكساسبة مناسبة لتسويغ تأسيسها. علماً أن حشداً شعبيّاً عراقيّاً استهدف طائرة هيلوكبتر أميركية تنزل إمدادات لقوة من داعش كانت تحاصرها هذه القوى الشعبية. إذا ما نستنتجه من هذا الحدث الأول هو أن إسقاط وإحراق الطيار الكساسبة قد تمّ لتحقيق أهدافٍ أميركيةٍ في العراق تتعلق بقواعد أميركية تخطط لإنشائها ولكنها تحتاج لأعذار مقنعة من أجل إنشائها وربما هذا هو السبب وراء الحملة الإعلامية الواسعة التي تمّ شنّها لنشر صور الكساسبة يُحرق حيّاً وقد أوضح بعض الإعلاميين أن هذا الفيلم قد تمّ إنتاجه بمهنيّة عالية ومونتاج متخصص، علماً أن داعش ارتكبت جرائم ومجازر أبشع من ذلك وضمنها مئات الجنود والضباط والطيارين السوريين والعراقيين دون أن تثير أي اهتمام إعلامي بل كانت تحتفل بها الحركات السلفية في الأردن والسعودية ودول الخليج علنيّاً بأنها انتصارات وإنجازات «للثورة».
أما الحدث الثاني فهو الإعلان عن سيطرة الأكراد على مدينة «عين العرب» وعشرات القرى التابعة لها بعد أن تمّ دحر داعش من البلدة ومن هذه القرى التابعة لها. في الوقت الذي يفرح الجميع بأي اندحار لداعش فقد ملأت الأعلام الكردية فضاء «كوباني» أي «عين العرب» والقرى التابعة لها وترافق هذا مع تغيير اسم البلدة والقرى التابعة لها من أسماء عربية إلى أسماء كردية، كما غاب علم الجمهوريّة العربيّة السوريّة نهائياً عن هذه الاحتفالات وحلّ محله علم كردي. إذا هل كانت مسرحية احتلال عين العرب من داعش وسيلة لإنهاء هويتها العربيّة ونقلها مع القرى التابعة لها إلى هوية كردية بحيث تكون نواة لأول جزء يتم اقتطاعه من سورية ولتحقيق الهدف النهائي «للربيع العربي» بتفتيت سورية إلى دويلات صغيرة متناحرة لا حول ولا قوّة لها في الصراع العربي الإسرائيلي؟!!
هل كان استحضار داعش إلى العراق وسورية مجرد أداةٍ للبدء بتقسيم سورية والعراق وتحقيق هدف التفتيت لدول الطوق العربي وخاصةً إذا ما لاحظنا في الأسابيع الأخيرة تحرير جبل سنجار من داعش في العراق. السؤال هو كيف يتم دحر داعش بهذه السهولة في المناطق التي ينجم عنها مخططات تقسيميّة تمسّ سيادة العراق وسورية ووحدة أراضيهما ولا يمكن دحر داعش في مناطق أخرى تعزز من وحدة العراق وسورية وتؤكد سلامة أراضيهما الإقليمية؟ ومتابعة لهذا المنطق في التحليل فقد أعلن البارحة من السفيرة الأميركية في ليبيا أنهم لاحظوا أن بعض العمليّات التي تمّ تنفيذها في حقول نفط ليبيّة لها بصمات داعش فكيف ولماذا تمّ استحضار داعش إلى ليبيا؟ فهل هبطت من السماء؟ وكيف تتمكن داعش من نقل مقاتلين وأسلحة وأموالاً من بلدٍ إلى بلد ومن منطقة إلى أخرى في حين لا تتمكن دول تخضع للعقوبات الأميركية من تحريك مال أو سلاح أو أشخاص؟ فهل الخطوة القادمة أيضاً هي استخدام داعش من أجل تقسيم ليبيا كما يبدو اليوم أن اليمن في طريقه إلى التقسيم؟ وهل نحن نشهد في بلداننا العربية ما وعد به بن غوريون من تفيت بلداننا إلى دويلات على أسس طائفية وعرقية؟ أوليس واضحاً بعد هذا أية أهداف تخدم داعش خاصة إذا طبّقنا المثل الأميركي المعروف: «قل لي من المستفيد من الجريمة أقل لك من الذي ارتكبها»!!