ماذا يعني انتخاب ترامب؟
أولاً وقبل كل شيء، فإن انتخاب ترامب هو بحد ذاته هزيمة غير مسبوقة، ليس فقط لهيلاري كلينتون، وإنما للمؤسسة الإعلامية والغربية بشكلٍ عام، التي كرست كل محطاتها للترويج لكلينتون وإيهام الرأي العام الأميركي أن كلينتون ستفوز بأغلبية ساحقة في محاولة من الإعلام أن يصنع الحدث وليس فقط أن يغطيه بعد حصوله. فقد كانت استطلاعات الرأي وأهم الجرائد ومحطات التلفزة الأميركية تبشر، بما لا يدع مجالاً للشك، بفوز كلينتون، كما عمدت هذه المحطات ذاتها إلى شيطنة وتشويه صورة ترامب في أذهان المسلمين والأقليات والمهجرين، وفي أذهان الشعب الأميركي بشكلٍ عام. وفي هذه الحالة أنموذج صارخ لما قام به الإعلام في أماكن وأزمان عدة، وخاصة فيما يخص ما سموه «الربيع العربي»، والذي هو في واقع الأمر حرب على الدول العربية، ومحاولة لتقسيمها أو تفتيتها إن صح لهم ذلك. وقد بدا هذا الأمر جلياً في الحرب على سورية، حيث استخدم الإعلام المغرض كل أبواقه الخليجية والغربية لتشويه الوقائع، وخلق عالماً افتراضياً تمت على أساسه إجراءات ظالمة بحق الشعب السوري، وبحق سورية وتاريخها وحضارتها ومؤسساتها ومستقبل أبنائها. وقد لعبت وسائل إعلام الشركات الغربية دوراً مؤججاً للحرب على سورية، وكان من الصعب جداً اختراق ذلك الجدار السميك الذي كلف الغرب والخليج مليارات الدولارات لإسناد أكاذيبه ونفاقه.
كما أن انتخاب ترامب يعني ثورة حقيقية على المؤسسات الأميركية، التي اعتادت استخدام مال الخليج من أجل حروبها الانتخابية، الأمر الذي كبلها في اتخاذ مواقف من الوهابية والإرهاب الناجم عنها من القاعدة إلى داعش، هذا إذا لم نأخذ بكل الوثائق التي تحدثت عن دور كلينتون وأعضاء في الإدارة الأميركية في خلق القاعدة، ورعاية الإخوان المسلمين، ونشر داعش لتحقيق أهداف جيوسياسية في المنطقة ضد مصالح شعوبها ومستقبل أبنائها. وليس بخافٍ على أحد الدور الذي لعبته السعودية وقطر، بشكلٍ خاص، في تأجيج الحرب على ليبيا وتونس ومصر وسورية واليمن، ولذلك فإن الوهن الذي سيصيب تحالف المال الخليجي مع المؤسسة السياسية العسكرية الإعلامية الأميركية سينعكس إيجاباً على نضال شعوب منطقتنا، وعلى تقويض دور البترودولار الذي كان وبالاً على الأمة العربية وثقافتها وحضارتها من خلال فرض سلطة المال كبديل للقيم والأخلاق والثقافة. وها هو الدور السعودي والقطري والخليجي المتعاون مع الكيان الصهيوني يكشف، بما لا يقبل الشك، أن البترودولار لم يستخدم يوماً لدعم الفلسطينيين في صراعهم مع الصهيونية، بل على العكس من ذلك، فإن هذا المال والنفط قد استخدما بشكل مباشر أو غير مباشر لدعم أعداء العرب والعروبة في فلسطين وعلى امتداد الساحة العربية.
إن انتخاب ترامب في 9/11/2016 قد وضع خاتمة للأحداث التي بدأ مسارها في 11/9/2011، والتي اتخذت من أحداث أيلول ذريعة لاحتلال أفغانستان والعراق، وإصدار قوانين الإرهاب التي لاحقت المسلمين في بلدانهم، واتهمت الدين الإسلامي الحنيف بالإرهاب، وسببت الكوارث للدول العربية والإسلامية ومواطنيهم حيثما كانوا. ولم تنجح المؤسسات والدول الإسلامية بفصل منهج الدين السماوي عن التكفيريين والإرهابيين والمتطرفين، وذلك جزئياً لأن السعودية تمول معظم المراكز الإسلامية في العالم، كما أنها تمول إلى حد كبير منظمة المؤتمر الإسلامي، وبذلك أبقت صورة الإسلام رهينة للبترودولار وللوهابية التي انتشرت في الغرب وكأنها تمثل الإسلام الحقيقي الذي يؤمن به مليار مسلم ونيف. ومن هذا المنظور فإن المواقف التي عبر عنها ترامب ضد المسلمين هي ضد الإسلام الوهابي الذي نعلم جميعاً أنه النسخة الوحيدة المتوفرة عن الإسلام في الغرب والذي نرفضه نحن المسلمين قبل أن يرفضه ترامب أو غيره من المسؤولين الغربيين. وليس علينا اليوم إلا أن نؤمن أن تشويه علاقة ترامب بالمسلمين والإسلام هو جزء من شيطنة صورته ومحاولة عدم السماح له بالفوز بالانتخابات الأميركية، وعلينا أن نعيد قراءة كل أقواله وأعماله بناءً على ما يقول ويفعل، وليس بناءً على ما عمدت شركات الإعلام الغربية والخليجية على زرعه في عقولنا منذ بدء الحملة الانتخابية في الولايات المتحدة.
لهذه الأسباب، ولأسباب شتى كثيرة، لا مجال لتغطيتها في هذه العُجالة، قد يكون انتخاب ترامب رئيساً للولايات المتحدة هو ختام الحرب الباردة، وبداية تعاون جديد بين روسيا والولايات المتحدة، تعاونٌ يستند إلى محاربة الإرهاب فعلاً لا قولاً، وإلى علاقات احترام بين الدول، وإلى تأسيس علاقات دولية جديدة تنسف، وإلى الأبد، المنظومة التي أفرزتها نتائج الحرب العالمية الثانية، ونتائج الحرب الباردة، وتفكيك الاتحاد السوفييتي، وتضع العالم مرةً أخرى على قدميه بدلاً من وقوفه على رأسه، والذي استمر لمدة عقود، ودفع العالم العربي ثمناً باهظاً لكل ارتداداته وإجراءاته وقرارات بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة تقسيم وسلخ أجزاء من أمتنا، وتقديم هبات للصهيونية وداعميها في الخليج. قد نكون على عتبة عالمٍ جميلٍ لنا ولأبنائنا وأحفادنا شكل صمود سورية وحلفاؤها مقدمةً ضرورية لانبثاقه وأتت التغيرات السياسية العالمية ومنها انتخاب ترامب لتؤكد أن دورة التاريخ لا بد أن تسير على مسار حقوق الشعوب المؤمنة بهويتها وتاريخها وحقوقها وحتمية انتصارها.