محاضراتمحاضرات اغترابية

لقاء مع الجالية العربية السورية في ألمانيا

22 نيسان 2004

 

نحن جميعاً في قارب واحد؛ الوزير و الأمير و الطبيب و الصغير و السوري و العراقي و الفلسطيني و اللبناني كلنا في قارب واحد. الآن يتحدثون عن العرب و المسلمين، و المسلمون ملياري شخص و هم يتحدثون عنّا و كأننا شخص واحد. و ها نحن نغرق في كل مكان بحساسيات صغيرةٍ لا قيمة لها، و لا تؤثر على مسار التاريخ. و ربما هذا هو السبب أننا قصّرنا عن إثبات وجودنا في أوطاننا و خارج أوطاننا، أننا لم نكبر إلى مستوى التحدي و إلى مستوى القضية و إلى مستوى المسؤولية. و أريد كل واحد منكم أن يفكّر بمسؤوليته أولاً. لقد تعوّدنا عادة إلقاء اللوم على الآخرين، على الامبريالية و على إسرائيل و على الحكومة و على المسؤوليين، و لكن أن نبدأ إسلوباً جديداً و أن نفكّر بمسؤوليتنا نحن، ماذا فعلنا نحن؟  أن يسأل كل واحد فينا نفسه. و صدقوني حين أرى طفلاً كالطفل علي الذي رأيته البارحة على شاشة الـ CNN, وقد بترت يده و ساقه بقذيفة أصابته في الفلوجة، و بعينيين جميلتين يريد أن يقف، و يريد أن يتحرك و لا يعرف ماذا حدث له. ووالده يعبّر عن مأساة هذه الأمة بآلام ٍ تعتصر وجهه، شعرت أننا جميعاً مسؤولون. حين يقتل أطفالنا، و حين تقتل نساءنا، و حين تهدم بيوتنا و نحن نتصارع على توحيد سلطةً لا سلطة لها على شيء. و نتصارع على توحيد فصائل لا طاقة لهم على فعل شيء. أقول كم نحن مقصّرون، و كم نحن مغفّلون و ربما كم نحن متخلفون.

و أنا كأم أقول لكم بكل صدق أنني لا أنام الليالي و أنني أشعر بمسؤوليةً كبرى تجاه الأطفال خصوصاً، من محمد الدرّة إلى علي. و أقول لو كنّا أمةً تحترم ذاتها و تحترم شعبها و تعرف كيف تستخدم مقدّراتها لما وصلنا إلى هنا. لو كنّا أمةً لا تقبل السكوت على الخطأ، أمر السكوت على الخطأ أمرٌ هامٌ جداً. ليس من قبيل الصدفة أن قيل الساكت على الحق شيطان أخرس. دعونا نأخذ مواقف و ندفع ثمن هذا الموقف، الحياة موقف. و الإنسان موقف. و أنا أتحدث أمامكم و أتحدث في كل مكان بما يمليه عليّ ضميري الوطني و القومي و أنا لا أرى فيّ سوريةً فقط و إنما أرى نفسي عربيةً أيضاً.

و صدقوني أني أدفع أثمانً بطريقةٍ أو بأخرى. و منذ أيام حين كان مقرر أن يقام الأسبوع في درسدن اتصلت بالإخوان القائمين على الأسبوع و قلت لهم لا تفكّروا بسلامتي و بنفسي، أنا مستعدة لأي ثمن أدفعه لأنني أشعر أننا جميعاً مستعدين أن ندفع الثمن لكي نكون مستعدين أن ندفع الهوان عن هذه الأمة.

إذا كانت هذه الأمة فعلاً لا تستحق شيئاً كما يصورونها، و إذا كان العرب و المسلمون بهذه الدرجة من اللاقيمة لماذا هم متهافتون على منطقتنا؟؟!  و لماذا هم يريدون كل شبر من فلسطين و يجرفون البيوت و يهدمون المنازل ليبنوا مكانها مستوطنات؟؟! لماذا هم متهافتون على العراق؟؟! أنا أقول لكم أن أرضنا هي أرض الأديان و المقدسات. و انّ أمتنا هي أمة عريقة و أن بلداننا هي بلدان جميلة و رائعة و لكن علينا أن نستحقّها. علينا أن نعمل كي نستحق هذه البلدان و لكي نستحق هذه الحضارة التي ورّثنا إياها أباؤنا و أجدادنا.

حين أرى السيارات في بابل و في نينوى تنقب و تسرق الآثار، تسرق الآثار العراقية. هي تسرق هويتنا و وجودنا و مستقبلنا و قلوبنا الحقيقة.

و أنا أقول لكم أن الهجمة اليوم تستهدفكم جميعاً و تستهدفنا جميعاً، و أننا جميعاً في قارب واحد مغتربين و مواطنين في كل البلدان العربية. و الحقيقة منذ أحداث الحادي عشر من أيلول إلى أحداث الحادي عشر من آذار في مدريد أعتقد أن المغتربين هم المستهدفون أولاً صدقوني أو لا تصدقوني. فبعد الحملة الصليبية ضدّ العرب و المسلمين في الولايات المتحدة بعد الحادي عشر من أيلول أتت الحملة الجديدة في الحادي عشر من آذار ضد العرب و المسلمين في أوروبا. و أنا في اللحظة التي حدثت فيها أحداث الحادية عشرة من آذار اتصلت بوزيرة الخارجية الإسبانية آنا بلاثيو و هي صديقة لي. و قلت لها أني أرى هذا هجوم علينا جميعاً، هذا هجوم على العرب و المسلمين و المسيحيين و جميع الأعراق و الأديان. و وجّهت إلى كل الروابط في كل البلدان أن يذهبوا إلى السفارات الإسبانية و إن يشعلوا الشموع و أن يسجلوا التعازي و أن يقفوا في صف واحد مع الإسبان. و هذا مهم لأن هذا الهجوم فعلاً موجّه لكم و لنا جميعاً. وبعد ذلك بدأتم تقرؤون و بدأنا نقرأ إعتقال مشتبه به هنا و مشتبه به هناك. أصبح المسلمين و العرب مشتبهين بهم جميعاً. و أصبح الشبهة مبرراً للإعتقال و القتل. إنه أمرٍ خطير أن نوضع جميعاً في خانة المشتبه بهم، أن يكون لون شعرنا و لون سحنتنا مبرر لاعتقالنا.

و لكن لن يأتي  أحد و يأخذ لنا حقوقنا ما لم نأخذها نحن. و لن يأت أحد و يتكلم اللغة التي تليق بنا ما لم نتكلمها نحن. و أنا أقول لكم أننا مقصّرون جداً بحق أنفسنا و بحق قضايانا و بحق أوطاننا.

إذا أخذنا الولايات المتحدة الأمريكية مثلاً، فمع كل الطغيان الذي تعبّر عنه الإدارة الأمريكية في منطقتنا فأنا أقول لكم أنه كان بالإمكان أن نعمل على الساحة الأمريكية بطريقة أفضل من هذه الطريقة بكثير. و أن إحدى الأوهام التي زرعتها الصهيونية في أذهان العرب، بمن فيهم بعض القادة العرب، هي أن الساحة الامريكية حكر على الصهيونية. و ان الصهيونية قادرة أن تفعل ما تشاء في الولايات المتحدة. و أنا أقول لكم و بعد تجربةٌ متواضعة بالسفر في هاتين السنتين الأخيرتين بمهماتٍ سياسية و دبلوماسيةٍ و إغترابية إلى الولايات المتحدة أقول لكم أننا تركنا هذه الساحة للإسرائيليين يلعبون بها شرقاً و غرباً و شمالاً و جنوباً و نحن غائبون عن الساحة ننتظر الإنتخابات الأمريكية و ننتظر انتخابات الكونغرس و نجلس في بيوتنا و نرتاح لأن تحقيق النتائج يحتاج إلى عمل و إلى همة و نحتاج إلى تضحية و يحتاج إلى تمويل، و كي نحصد النتائج  علينا أن نعمل. و لا يجوز أن نجلس و نقول العوامل كذا و لا نستطيع أن نعمل كذا…

أنا ذهبت إلى مجالس علاقات خارجية و إلى جامعات في الولايات المتحدة الأمريكية و التقيت بمسؤولين، و قد يصعقكم مدى الجهل الموجود لقضايانا. و الأستاذ علي عيد ذكر عبارة عن الجهل بالقضية. أن أول طريقة للدفاع عن القضية هي أن تتعرف على القضية. فكّروا في أنفسكم أنتم هنا كمغتربين و كألمان هل لديكم الوقت للمتابعة اليومية كي تعرفوا ماذا يحدث في وطنكم الأم سوريا؟؟! و أنتم لديكم الدافع أن تعرفوا لأن سوريا وطنكم. و لكن إذا فكّرتم بالإنسان الأمريكي الذي لا يعرف أين هي سوريا أصلاً و لا تهمه سوريا و يعيش حياته بشكل يومي و رتيب و يسمع المسؤولين الإسرائيليين أو من يؤيدهم صباحاً مساءً على شاشات التلفزة و في الجامعات و في مراكز الأبحاث يتحدثون له عما يجري في الشرق الأوسط و عن الارهاب في الشرق الاوسط و عن الخوف على أمن إسرائيل في الشرق الأوسط، فهو مضطر أن يكوّن رأيه نتيجة المعلومات التي تصله.

فإذا كان الصوت العربي، و الرأي العربي غائباً تماماً إلا إذا كان العربي أن يتكلم ضدّ الآخر، و حين يبدأ العربي بالتحدث سلباً عن الآخر. فإذا كان الصوت العربي غائباً فلماذا نلوم نحن الآخرين أنهم لا  يهتموا لقضايانا، و لا يحملوا همومنا و لا يدافعوا عن حقوقنا؟؟َ!

علينا نحن أن ندرك أننا مسؤولون أولاَ عن قضايانا، وأن نستطلع آليات العمل في الغرب و أن نرتقي إلى مستوى التحدي. التحدي هو تحدي لهويتنا اليوم، و هو تحدي لوجودنا و مستقبلنا. حينما سأل لي هاملتون كونداليزا رايس قال لها: هناك إثنا مليار مسلم في العالم و معظمهم أناس جيدون و راقيون لماذا هذه المشكلة بيننا وبينهم؟؟! ما هو جوهر المشكلة بيننا و بين المسلمين؟؟! و كيف يمكن أن تحل الولايات المتحدة هذه المشكلة؟؟ ماذا أجابته رايس!! قالت له هذه مشكلة أجيال، و هذه مشكلة ثقافات، هم يحسدوننا على التقدم العلمي و على الرخاء الذي نعيشه و مناهجهم التعليمية تعلّمهم الكره و علينا أن نغيّر مناهجهم التعليمية و علينا أن نمضي أجيالاً كي ننشر الديمقراطية. و قالت له خطأنا في الشرق الأوسط أننا أدرنا ظهورنا على المطالبين بالحرية و الديمقراطية. و الآن نحن نهتم بمن يطالب بالحرية و الديمقراطية و هناك مؤتمر في الاسكندرية يطالب بالاصلاحات. و هذا المؤتمر سوف نهتم به. و اختتمت بالقول أننا نريد أن نغير هوية الشرق الأوسط. و قالت له الكثير من مهمتنا هذه يعتمد على ما سوف يحصل في العراق؛ أي إذا نجحوا في تغيير هوية العراق فسوف يتقدمون لتغيير هوية الشرق الأوسط. طبعاً هي لم تذكر له إسرائيل، و لا الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية و لا المواقف الأمريكية المؤيدة للإسرائيليين، و لا التسع و عشرون فيتو التي اتخذتها الولايات المتحدة ضد حقوق الشعب الفلسطيني، لا بل ضد حياة الشعب الفلسطيني بحيث اتخذوا الفيتو لمنع إدانة الشيخ أحمد ياسين. و هذا الفيتو كان رقم التسع و عشرون الذي تتخذه الولايات المتحدة ضد الفلسطينيين، لم تذكر له أي شيء.

و البارحة كنت أقرأ كل الجرائد التي وقعت بيدي في الطائرة عن قرار بوش بأن يؤيد شارون في خطته بالانسحاب أحادي الجانب من غزة. قال لكل الجرائد الإنكليزية أنه لم يكن للإدارة الأمريكية أي فكرة أن مثل هذا القرار سوف يحدث مثل هذه الضجة لأن كل ما قدمه المستشارون لبوش هو أنه كيف يمكن لمثل هذا القرار أن يعطي أصواتاً أكثر في فلوريدا، و على التقدم في معركته الإنتخابية.

أنا لا أبرر للإدارة الأمريكية الطغيان و لكني أقول إذا كانت مشكلته الإنتخابات فنحن مشكلتنا قضيتنا و علينا أن نكون حاضرين. و علينا أن نكون موجودين من أجل هذه القضية. و علينا أن نرفع أصواتنا و نكتب مرة بعد مرة لكي نقنع الآخرين بعدالة قضيتنا.

أما إذا لم نتفق نحن على آليات عمل و أن نتنطح لمسؤولياتنا بشكل مخلص، صادق و نزيه فلا نستطيع أن نلوم الآخرين الحقيقة على أنهم لم يحملوا قضيتنا على أكتافهم. و لا نستطيع أن نلوم الآخرين لأنهم يأخذون مصلحتهم هم بعين الاعتبار.

طبعاً نحن نلوم الولايات المتحدة كقوة عظمى في العالم لديها مسؤوليات، و لكن ماسكي القرار في الولايات المتحدة هم من مؤيدي الأشداء في إسرائيل. إذاً هناك مشكلة حقيقية، بدلاً من تجاهلها علينا أن نتصدى لها بكل طاقاتنا.

سوف أعطيكم مثالاً صغيراً يعطيكم فكرة كيف يفكر الإنسان الأمريكي حين ذهبت في كانون الأول من العام الماضي. ذهبت إلى جامعة برنستون في الوضع في الشرق الأوسط. و طبعاً الإحصائيات إلى حد الآن أن سبعمائة طفل فلسطيني تحت سن العاشرة قد قتلوا. و أن أكثر من ثلاثين ألف معاق فلسطيني الآن لا يستطيعون العيش بهناء. و أن أكثر من خمسة عشر ألف منزل فلسطيني قد هدم لحد الآن. و أن أكثر من خمسمائة شجرة زيتون قد اقتلعت في فلسطين لحد الآن. و ذكرت كل هذا للجمهور في برنستون، و معظمهم أساتذة جامعة. و تحدثت عن السلام و أن العرب هم دعاة سلام و أننا نريد جميعاً العيش بسلام إذا انسحبت إسرائيل إلى حدود 67. و أن هناك مبادرة عربية من قبل جميع الدول العربية للعيش بسلام إذا ما انسحبت إسرائيل إلى خط 67. و بعد أن تحدثت بحوالي الساعة و بدأ الحوار من سؤال و جواب. رفعت أستاذة كبيرة يدها و قالت لقد أتيت كل الطريق من سوريا إلى هنا لتلقي باللوم على الإدارة الأمريكية لكل ما يجري في الشرق الأوسط و إذا كنت إنسانة منصفة كان يجب أن تلقي باللوم على الجانبين الإسرائيلي و الفلسطيني و أن تحملي المسؤولية للطرفين. قفلت لها سيدتي لا يوجد طرفين في الشرق الأوسط؛ يوجد طرف يحتل أرضاً و طرف أرضه محتلة. يوجد طرف يقتل و طرف يُقتَل. ماذا حدث قبل أن أنهي جملتي الثانية؟؟!! ضجّت القاعة بالتصفيق لي. قلت هذه الحادثة لأنني ذهلت، أنا لم أكن أتحدث في دمشق أو في طرابلس. كنت أتحدث في برنستون مع خيرة الأساتذة و الأكاديميين و حين خرجت إلى حفل الإستقبال قال لي أكثر من أستاذ نحن سوف نستخدم جملتك هذه في قاعاتنا الدرسية. لقد وجّه لنا هذا السؤال مراراً  و لم نعرف ماذا نعمل بشأن قصة الطرفين.

هذا يريكم حجم التقصير الذي نحن مقصرون به. كيف يمكن أن أترك أساتذة يفسرون تهمةً بسيطة كهذه؟؟ علينا أن نتكلم باللغة التي يفهمها الآخرون و أن نتحدث بلغة ليست إنشائية و إنما باللغة الميدانية الحقيقة الصحيحة. و لكن قبل كل شيء علينا أن نكون يداً واحدة و قلباً واحداً و أن نحترم بعضنا. و أن نحترم أنفسنا كي يحترمنا الآخرون. و الآخرون يشعرون من هو صادق مع وطنه و من هو كاذب مع وطنه. و الآخرون يشعرون من يتاجر بمال و من يفني نفسه في سبيل الوطن. و يحترمون من يفني نفسه في سبيل الوطن حتى لو لم يتفقوا معه. و لذلك علينا أن نتحلى بالصدق و أن نتحلى بالجرأة. و علينا أن يكون لدينا الهمة أن نفعل شيئاً.

نحن في  مرحلةٍ خطيرة، الحقيقة. أنا أنام و أستيقظ على كابوس هذه المرحلة. هذه المرحلة خطيرة. و الهدف من ما يجري في الشرق الأوسط هو خطير. إن الهدف هو تفتيت الشرق الأوسط  إلى قبائل و دويلات. و الهدف هو إلغاء هويتنا و إلغاء لغتنا. الآن الحفاظ على اللغة العربية هو النضال، الحقيقة. إنه كالجهاد في سبيل الله. و الحفاظ على هويتنا الوطنية هو نضال. و الحفاظ على وحدتنا هو نضال. و أنا أقول لكم أن أول ما قصفه شارون في بيروت عام 82 هو مركز التراث الفلسطيني.  و أن أول ما هدمه في نابلس هو قصر عبد الهادي لأنه فخر للعمارة العربية و للتاريخ العربي.

أنهم يتحدثون عن سوريا كمراكز إرهابية لأنهم يريدون قصف حضارتنا و قصف أوابدنا التاريخية، هذا ما يريدونه. يريدون إلغاء الهوية.

أنا منذ أربع سنوات أقول هم يريدون بابل، و الآن في الصحف ترون  جرافاتهم و ليس لدي شك أنها ذاهبة إلى إسرائيل.  كلها تخرج من بابل الشواهد التاريخية التي سوف يستخدمونها ليقولوا  بعد عشرة سنوات كنا هناك. و الحملة على السعودية تستهدف خيبر، و الحملة على دمشق و سوريا تريد إسرائيل الكبرى. هذا هو حجم التحدي الذي أمامنا اليوم، هذا هو. هم لا يريدون فقط الضفة الغربية، هم يريدون كل منطقتنا و يريدون هويتنا.

و الحقيقة، نحن يجب أن نكون عاشقين لهذه الهوية لأنها هوية جميلة و حضارة جميلة. تخيلوا أنني منذ أيام ذهبت إلى بصرى مع وفد رسمي لإفتتاح مركز معلومات في القرى حيث تنتشر مراكز تقنية المعلومات في القرى. و ذهبت مع الوفد الرسمي إلى مدرّج بصرى. و كانت التي تشرح لنا عن مدرج بصرى و تاريخ العمارة. قالت أنشأ المدرج على مرحلتين: حين أتى المسلمون و رأوا  المرحلة الأولى من إنشاء المدرج بدؤوا يبحثون عن أحجارٍ من نفس النوع الذي بني به المدرج لكي يكملوا المدرج بنفس الطريقة و بنفس نوع الحجر و لون الحجر كي لا يؤذي إختلاف لون الحجر عين المشاهد. أمةُ بهذه العراقة و الحضارة تستحق أن تفخر بتاريخها. ماذا يفعلون حين يأتون إلى مناطقنا و قرانا؟؟! إنهم يقتلون و يهدمون و يجرفون. هذا كل ما يستطيعون أن يفعلوه. أما المسلمون فقد بدؤوا يبحثون عن نوع  حجر و لون حجر ينسجم تماماً مع الحجر الموجود. هذه حضارة، و هذه عراقة يحق لنا أن نفخر بها، الحقيقة.

منذ أربع عشرة قرناً حينما ذهب المسلمون أوصاهم الرسول صلى الله عليه و سلم؛ لا تقتلوا طفلاً، و لا تقطعوا شجرة و لا تهدروا ماءً. الآن أحزاب الخضر و أحزاب البيئة تتحدث عن الشجر و عن الماء و نحن منذ أربع عشرة قرناً نعرف هذا الأمر. و في القرآن الكريم أن من قتل نفساً فكأنما قتل الناس جميعاً. لا يوجد حضارة أكثر من هذه حضارة؛ أن كل نفس كأنها الناس جميعاً. هذه أشياء جميلة يحق لنا أن نفخر بها و أن نحميها.

إن الثمن بسيط، بسيط جداً، و هو أن نكون صريحين مع بعضنا. و أن نعامل بعضنا باحترام لأنني حين أحترمكم أصارحكم و الذي يكذب لا يحترم الآخرين. و الذي يمثّل لا يحترم الآخرين و لا يحترم ذكاء الآخرين. و صدقوني أن شعوبنا، شعوب الأمة العربية هي شعوب ذكية جداً، و هي شعوب شفافة جداً و هي شعوب لا طائفية. فالكثيرون لا يعرفون من أين أتيت و لا لأي دين أنتمي لكنني و الحمد لله أحظى بمحبتهم جميعاً و أعتز بهذه المحبة. و هي برهان لي أنهم لا يكترثون من أي لون أو عرق أو دين أي وزير أو أي مسؤول يكون.  شرطهم الوحيد هو الوطنية الصادقة و الحقة و الحفاظ على الوطن. هذا هو شرط شعبنا العربي الوحيد، الحقيقة. ليس لديهم أي شرط آخر و لكن علينا نحن كمسؤولين أن نرتقي إلى مستوى الشعوب.

حين يناضل الطفل الفلسطيني ضد دبابة على القيادة الفلسطينية أن ترتقي إلى مستوى الطفل الفلسطيني لأنه هو حسم أمره أن أرضه أغلى من حياته و أن وطنه أغلى من مصيره. و على المسؤولين العرب أن يقلدوا الشعب العربي. نحن في مرحلة تاريخية الشعب العربي متقدم على المسؤولين العرب، هذه حقيقة. و لذلك علينا جميعاً أن نرتقي إلى مستوى حس الشعب العربي الذي يحس بالخطر الذي يداهمه.

أنا طموحي و حلمي أن يكون المغتربين هم المنارة لهذا الوطن. و أن يمثّل عملهم في المغترب و في الوطن الإنموذج الذي يمكن لأبناء الوطن أن يقلّدوه و أن يحتذوه. لأنّ المغتربين اليوم هم الأقدر على شق هذا الطريق و على خط هذا الطريق. و نحن لا نحتاج إلى أموال في هذه المرحلة الخطيرة، نحتاج إلى أفكار أولاً و قبل كل شيء، إلى استراتيجيات. أين نتجه من هنا و إلى أين نذهب في هذه اللحظة التاريخية. و لكن كي نضع الأفكار و كي نضع الاستراتيجيات علينا أن نضع آليات العمل الواضحة بين بعضنا، و علينا أن نضع القضية و العمل و شرف المهنة قبل الشرف الشخصي و قبل أي مكتسب شخصي. و علينا أن نذوب جميعاً في قضيتنا. و علينا أن لا نفرق بين شخص و شخص إلا بمقدار العطاء و الإخلاص، فالإخلاص هو الشيء الذي نفتقده. و نحن كوزارة للمغتربين مستعدون على العمل ليلاً نهاراً. و صدقوني أنا لا أنظر إلى هذا الملف إلا نظرة المسؤولية و العمل الحقيقي و الجاد، فقط. لا يهمني أي لقب و معظم الناس يسموني بلقبي العلمي و الذي هو تحصيلي و الذي أفخر به و الذي سهرت الليالي الطوال من أجله. أعتز بالثقة التي كرمت بها، و هذه ثقة عزيزة علي، في الحقيقة، و احتضنها بكل جوارحي، و لكن لا تهمني إلا بمقدار ما أقدم من جهد. لا يهمني اللقب إلا إذا كنت أهلاً لليمين الذي أقسمته أمام السيد الرئيس فقط.

أنا أدرك أن لديكم الكثير من المشاكل و الكثير من الهموم. و نريد أن نعمل سوياً على مستويين؛ المستوى الأول هو أنني أعتبر مشكلة كل واحد منكم مشكلتي. و أنا أعتبر أن راحة كل واحد منكم هي راحتي. و أنا أقول هذا و الله يشهد أنني صادقة فيما أقول. سأبذل جهدي أنا و وزارة المغتربين و كل شخص في وزارة المغتربين لكي نرتقي إلى مستوى ثقتكم و إلى مستوى طموحاتكم. و أريد أن أؤكد لكم أنني كلما التقيت بأبناء الوزارة أقول لهم أننا نحن أسرة وزارة المغتربين. الآنسة حسانا مردم بيك، مستشارتي، و التي تعمل ليلاً نهاراً في الحقيقة و تبذل كل ما بوسعها هي و كل العاملين في وزارة المغتربين، باسل ياسين أيضاً في الوزارة، و رائدة وقاف هي السند الأيمن للوزارة في الحقيقة. و هناك شباب و صبايا في الحقيقة يعملون ليلاً نهاراً و يعتبرون الوزارة قضية و ليست وظيفة،  و هم مستعدون لعمل كل ما في وسعهم لتذليل كل العقبات التي تعترض كل مغترب في كل مكان.  و أنا أقول لكم، و الحمد لله، أننا نحظى بثقة و دعم و تأييد السيد الرئيس بشار الأسد في كل ما نقوم به من أجلكم.

و أنا أقول لكم ماذا فعلنا و أنتم تقدرون إذا كنا نلامس بعضاً من مشاكلكم.

القضية الأولى هي الناس الذين لا يستطيعون أن يذهبوا للبلد لسبب أو لآخر؛ و الآن نحن لدينا حل مبدئي. فكل شخص لديه سبب صعب أو قاهر لسببٍ ما ،مرض أو وفاة، يستطيع أن يدخل إلى البلد فوراً طالما أخبرنا لن يحرم من مناسبةٍ عزيزةٍ عليه. و أنا قلت للمسؤولين في البلد أنا أتكفل كل مغترب استقبله من الطيارة و أعيده إلى الطيارة بنفسي. هذا الحل المبدئي بينما نظرنا في القضايا الموجودة لدينا و بينما أصبح لدينا الإحصاءات الموجودة و كل إنسان ما هي قضيته و كيف يمكن معالجتها على المدى الطويل. هذا أولاً.

الأمر الثاني، لدينا مغتربون ليس لديهم جواز سفر أو لديهم صعوبات في شأن جواز السفر بعضاً منهم بسبب ربط تجديد جواز السفر بدفع بدل الإغتراب أو رسوم الإغتراب، و صدقوا أو لا تصدقوا أنه في بلدان كثيرة المغتربون لا يستطيعون دفع بدل الإغتراب، هم ليس لديهم الإمكانية لدفع بدل الإغتراب في فنزويلا و في قبرص و في السعودية. و أمام السيد رئيس مجلس الوزراء الآن دراسة تقضي بعدم ربط تجديد أي جواز سفر بأي شيءٍ آخر مهما كان. المغترب السوري من حقه أن يكون له جواز سفر أو أن يجدد جواز سفره، و يجب عدم ربط هذه المسألة بأي شيءٍ آخر. و كانت هناك لجنة قانونية برئاسة الأستاذ عبود السراج، أستاذ جامعة و عميد كية الحقوق سابقاً، درست هذا الموضوع و وضعت التعليمات التنفيذية للفقرة الثانية من القانون رقم 19 كي يكون جواز السفر هو حق بدهي للمغترب.

الأمر الآخر الذي تعكف اللجنة على دراسته الآن هو إعادة النظر برسوم المغتربين. هناك بعض المغتربين يدفعون رسوم لأنه كان يمكن للمغترب في السابق أن يدخل سيارة و أن يدخل فرش بيت. الآن يستطيع أي إنسان أن يدخل سيارة او أن يدخل فرش بيت. الآن هناك دراسة لكي يصبح دفع بدل الإغتراب إختياري لمن يريد أن يستفيد بعد دفع بدل الإغتراب من استقدام سيارة أو استقدام فرش بيت…الخ. القانونيون الآن يدرسون القانون رقم 19 بكل جزئياته لتقديم قانون بتواكب مع الواقع الإغترابي الحالي.

بالنسبة لخدمة العلم. وجدنا أن هناك على الأقل أربع مراسيم تشريعية لخدمة العلم سابقة. آخرها المرسوم التشريعي رقم 11 و الذي ألغى فقرة كانت هامة في المرسوم 47 تلك الفقرة كانت تسمح لمن ولد خارج القطر، في أمريكا اللاتينية كانت حصراً، أو غادر القطر قبل أن يبلغ سن الثانية عشرة أن يدفع ألف دولار فقط  بدل خدمة علم، هذا المرسوم كان عام 78  الآن أتى المرسوم رقم 11 أخذ هذه الفقرة من المرسوم 47 لكنه ناقضها في فقرة أخرى حين قال يدفع كل المعنيين في الفقرة السابقة خمسة آلاف دولار، فأصبح من ولد خارج القطر أو غادر القطر قبل سن الثانية عشرة يدفع خمسة آلاف دولار بدل خدمة علم. و الآخرون فئات فئة تدفع عشرة آلاف و فئة تدفع خمسة عشرة ألف دولار. و هناك لجنة قانونية عاكفة على دراسة كل المراسيم الخاصة بخدمة العلم و المغتربين و أرجو الله أن نتمكن قريباً من وضع مشروع مرسوم متكامل أمام الحكومة و أمام السيد الرئيس ينصف المغتربين. و قد وجهني السيد الرئيس أن الهدف ليس أن يدفع المغتربون أموالاً و إنما الهدف هو تعبير أن المغترب هو مساوٍ للمواطن؛ فإذا خرج مواطنان لدراسة الطب في ألمانيا مثلاً، و رجع واحد منهما بعد إكمال دراسته فهو يذهب إلى خدمة العلم سنتين و نصف من حياته، أما من بقي في ألمانيا و بعد عشر سنوات يحق له أن يدفع بدل لخدمة العلم. فقال لي السيد الرئيس انه يجب علينا أن نساوي بين المواطنين في المواطنية، و لكنه ليس ضد أفكار خلاقة لكي يعبّر المواطن المغترب عن خدمته لبلده ليس بالضرورة بالطريقة التقليدية. الطبيب يمكن أن يأتي و يساعد في المشفى، و مهندس الكمبيوتر يمكن أن يأتي و يساعد في شركة كمبيوتر….الخ  و لكننا في كل الأحوال و أنا سوف أستمع إلى كل اقتراحاتكم و إلى كل أفكاركم، بكل الأحوال نحن عاكفون على دراسة هذه المسألة و هذه النقطة كي لا يبقى موضوع خدمة العلم حائلاً بين تواصل المغترب و وطنه. الهدف هو التواصل بين المغترب  و الوطن. و نحن سوف ندرس كل الأساليب الممكنة التي تمكّن المغترب من التواصل في وطنه و مع وطنه.

و بعد فترة قصيرة إنشاء الله سوف يكون website  جاهزاً، و نحن نأمل أن يكون Interactive website نحن نكتب نشرةً يوميةً أو اسبوعية. و أنتم تتفاعلون و تكتبون لنا كل أفكاركم و آرائكم. و نرجو أن نقدم كل الخدمات عن طريق الـ website  و أن يصبح وسيلة أهم للتواصل بيننا.

و أيضاً نتطلع إنشاء الله عن إعلامكم عن مؤتمر الصيف الذي نأمل أن ندعو إليه جميع المغتربين من كل أنحاء العالم و أن يكون ورشات عمل حقيقية في سوريا، ليس فقط من أجل الإستثمار و إنما ايضاً من أجل معالجة الأخطاء أو النواقص و التي ترونها أنتم حائلاً بينكم و بين علاقةٍ جيدةٍ مع الوطن. هذا وطنكم أنتم و أي أمرٍ ترونه غير مجدٍ سوف تكون لديكم فرصة التعبير عنه و اقتراح البدائل. لقد كرّمنا السيد الرئيس بأنه سوف يرعى هذا المؤتمر، و نأمل أن يأتي السيد الرئيس إلى المؤتمر و أن يلقي كلمة. و نحن نخطط للمؤتمر في الإسبوع الثالث من آب. و أرجو أن يكون تظاهرة اغترابية هامة ينجم عنها تشكيل مجلس اغترابي أعلى من السوريين في سوريا و من المغتربين في المغترب للتفكير و وضع الاستراتيجيات ليس فقط عن الشأن الاغترابي و إنما عن الشأن الوطني أيضاً.

لدينا طموحات كبيرة جداً و آمال كبيرة جداً  و لدينا آمال عالية جداً و قدرة على العمل لساعات طويلة. نحتاج منكم أن تشعروا أننا فريق عمل واحد، و أن ما يهمكم يهمنا و ما يضيركم يضيرنا….

الآنسة حسانة مردم بيك:  فقط يوجد ملاحظة في الـ Folder الذي أعطيناكم إياه فيه مشروع متكامل لوزارة المغتربين، و المؤتمر هو جزء واحد منه، الحقيقة. و المشرف الرئيس عليه هو هيئة تخطيط الدولة و برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، هذا لتعزيز ثقتكم بأنه ليست مؤسسة دولة لوحدها تتحكم بالمشروع. وطبعاً أنتم الشريك الأساسي في هذا المشروع. و المشروع اسمه Partnership With Expatriates For Development أي مع المغتربين من أجل التنمية. فأي معلومات تريدونها موجودة في هذا البروشور، و للإتصال بنا أو بالـ UNDP عندكم العناوين بالخلف، و شكراً.

الدكتورة بثينة شعبان: في الحقيقة إن العقل المدبر لهذا المشروع هو الأستاذ عارف طرابيشي من المجلس الاستشاري في وزارة المغتربين و الآنسة حسانة مردم بك و نحن الوزارة الأولى التي تطلب أذناً من الحكومة كي نتعامل مع الـ UNDP و مع هيئة تخطيط الدولة و ذلك لأننا نريد أن نعمل بشفافية مطلقة، و نريد أيضاً أن نعمل على مستوى عالي، و لا نرى أي غضاضة في أن نكون كمغتربين و كوزارة شركاء مع منظمة دولية و مع هيئة تخطيط الدولة من أجل أي عمل نريد القيام به.

كما قلت لكم نحن نرى وزارة المغتربين كمشروع كلنا به، و إنشاء الله سوف نقود هذا المشروع إلى آفاق عالية في المستقبل ترضيكم جميعاً و ترضينا و تقدم الخدمة للجميع و شكراً لكم. و أنا ربما فاتني أن أذكر الأستاذ محمد عطية، أين أنت أستاذ محمد، هنا؟؟! الأستاذ محمد عطية هو المدير الإعلامي في وزارة المغتربين، و في الحقيقة أنا أتمنى أن أذكر لكم اسم كل شخص يعمل في وزارة المغتربين لأنهم كلهم شباب و صبايا من خيرة الناس متحمسين، لا يترددوا أبداً في خدمتكم. و نحن دوامنا في وزارة المغتربين من الثامنة صباحاً و حتى العاشرة ليلاً، هذا الدوام الرسمي. و متى تريدون تتصلوا بنا حتى و لو ليلاً، و هم سيوقظوننا لأننا قلنا لهم قضية المغترب قبل كل شيء، ليس لدينا راحة و لا نوم و لا جمعة و لا سبت و لا أي شيء. متى تطلبوننا ستروننا و ستجدوننا حاضرين بإذن الله.

 شكراً لكم

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى