محاضراتمحاضرات في السياسة

الدكتورة بثينة شعبان في “مهرجان الشيخ صالح العلي” في منطقة الشيخ بدر في محافظة طرطوس

15 نيسان 2010  

د. شعبان: إنه من المناسب أن نستذكر قيم البطولة وقيم النضال وقيم الجهاد ضد الطائفية وضد العرقية وضد التقسيم وقيم الجهاد الوطني الرفيع والمتفاني في سبيل الوطن وأنه درس مشجع لكل من يفهم معنى هذا الدرس. إننا نحتفي اليوم بالمجاهد الكبير الشيخ صالح العلي ونضالاته وقيمه وجهاده فالبقاء دائما هو للشرفاء والمناضلين والمجاهدين وللذين يصدقون القول والعمل مع الله والوطن.

انها لحظة مناسبة أن نربط الماضي بالحاضر، وأن نربط ما قدمه شيخ المجاهدين مع زملائه المجاهدين منابراهيم هنانو وسلطان باشاالاطرش وكل المناضلين الذين دافعوا عن شرف هذا الوطن وعن كرامة هذا الوطن ووقفوا فوق كل المغريات ووقفوا فقط مع وطنيتهم وتراب هذا الارض هؤلاء هم الذين بدؤوا بصناعة اسم سورية، وأمثالهم عبر التاريخ هم الذين اورثونا هذا الارث الجميل الذي حفظه الرئيس حافظ الاسد بعينيه، والذي يعمل الرئيس بشار الاسد على اغنائه وحمله الى آفاق أرحب. حين نتحدث اليوم عن دور سورية الاقليميّ والدوليّ فإننا يجب ان نبدأ مع صنّاع هذا الدور وهذا الاسم والذين جعلوا لسورية اهمية كبرى في المنطقة والعالم وتستمر هذه لاهمية في الارتقاء يوما بعد يوم.

واذا أمعنا النظر بتجربة الشيخ المجاهد صالح العلي نرى أن العلمانية التي نتحدث ونفخر بها في بلدنا كانت عنوانا هاماً لنضالاته ونضالات زملائه، حيثُ كان همّهم الاكبر هو سورية والعروبة والشعب ومستقبل هذا الوطن وهذا هو المعيار الذي سارت به سورية خلال تاريخها، وهذا هو المعيار الذي اعطى سورية هذه الاهمية الاقليميّة والدوليّة. واذا كانت سورية ليست بلدا ضخما بجغرافيته او بموارده المادية فهي بلد ضخم بتاريخ وإرادة شعبه ونضاله على مرّ العصور.

وحين أتى الاحتلال الامريكي الى العراق وسقطت بغداد في التاسع من نيسان عام 2004 سألني احد الصحفيين ماذا ستفعلون اذا سارت هذه الحملة الى سورية وكل البلدان العربية أجبت بأننا سنفعل كما فعل أجدادنا، وأننا سنبقى هنا نقاوم ويرحل الغزاة، وننتصر نحن! دائما هذا هو تاريخنا الذي هو تاريخ مقاومة وتحرر ونضال، وهذا هو التاريخ الذي يحترمه العالم رغم ادعاءاتهم وجرائمهم وتعذيبهم في الوقت ذاته. فأسماء الذين يقاومون ويحترمون تراب الوطن هي التي تكتب بأحرف من نور ليس في بلادهم فقط وانما في كل بلاد العالم، هذه هي الحقيقة التي علينا جميعا تذكرها.

ما اشبه الأمس باليوم، فالامس كان تاريخ نضال وتمسّك بالهويّة، وبوحدة الوطن وتراب الوطن. واليوم يحدث ذات الأمر فسياسة السيد الرئيس بشار الاسد تنطلق من هذه الرؤية ذاتها، وهي الرؤية التاريخية العظيمة لسورية ولشعب سورية ولعروبة سورية واهمية سورية.

وتعرفون اننا نتحدث اليوم في وقتٍ مريحٍ جداً بالمقارنة مع الأوقات الصعبة التي مرّت على سورية منذ اربع سنواتـ وفي تلك الاوقات كان الرهان على صوابية رؤية سورية، وعلى أهميّة القرار، وصلابة الإرادة السياسية في سلك هذا المسار المقاوم مهما كلّف الأمر، ومهما كانت النتيجة لأن المقاومة أقلّ ثمناً من الاستسلام.

السؤال هنا هو لماذا كل هذه التحديات لسورية؟ لماذا تشكّل سورية هذا الرقم الصعب في أذهان الآخرين؟ ولماذا كل هذه المحاولات لابعاد سورية وتغيير مسارها؟

إن هذه المحاولات هي برهانٌ كافٍ على أن هذا المسار يحتوي على أشياء هامة، واذا نجح سيغيّر المعادلة بالنسبة للعرب والمنطقة.

واذا استذكرنا مواقف سورية من كامب ديفيد والحرب العراقية الإيرانية التي وقفت سورية ضدّها، ووقفت مع الحقّ والديبلوماسيّة وغيرها من المواقف التي كانت سورية تنطلق من رؤية شفّافة وواضحة وصائبة لأننا نصنع مستقبل منطقتنا بأيدينا ولا نسمح للاخرين أن يأتوا بهذا المستقبل الينا، ولا أن نستورده وأن إرادة شعبنا كافية وقادرة لصناعة هذا المستقبل! ثم بدأت المحاولات بعد ذلك لاستجرار سورية لطرق أخرى قد تساعد في التفريط بالحقّ العربيّ او التنازل عن أرض أو قدس او حق عودة اللاجئين، لكنهم لم يتوقعوا هذه الصلابة بالتثبت بهذا المسار وأنه الوحيد الذي يحمي الوطن وأجيالنا ويحفظ العزة والكرامة والحرية.

فالانفراج الذي تشهده سورية اليوم كان نتاجاً لقرارٍ سياسيّ صائبٍ واضحٍ وسليمٍ اتخذ عام 2005 من قبل السيد الرئيس بشار الاسد حين تحدّث على مدرج جامعة دمشق اننا مع المقاومة، “وان سورية الله حاميها” ومن يحاول عزل سورية لن يعزل الا نفسه. وليست صدفة ما تكتبه الصحافة الاجنبية أنّه لم يتمكن أحد من عزل سورية، وبأن الاخرين عزلوا مسارهم عن المنطقة . وفي حمأة هذه التطورات اتخذ القرار الاستراتيجي بالتقارب مع تركيا وان أحداً لم يكن يتصور أن تلك العلاقة معها سوف تغير موازين المنطقة في المستقبل كما نراها اليوم، وان تركيا سوف يكون لها شأنا في الصراع العربيّ-الاسرائيليّ وتعلمون كيف حاول الاعلام الصهيونيّ ايهامنا ان العلاقة التركيّة –الاسرائيليّة هي علاقة مصيرية ولا أحد يستطيع الاقتراب منها وعلينا الانتباه الى ما يقوله هذا الاعلام وان نأخذ العبر من أنّ هذ الاعلام يضخّم قدرات العدوّ ويبث روح الإحباط عندنا نحن العرب  وللاسف فاننا نسمع أصداءً لهذا الاعلام المعادي في بعض الوسائل الاعلامية العربية.

وسأعطيكم مثالاً آخراً اليوم عن العلاقة الاميركيّة –الاسرائيليّة، ونحن لانريد ان نبني على هذه العلاقة مشكلة، وليس لدينا أوهام الى أين ستقود، ونحن نعتمد على أنفسنا، وعلى أن العرب هم عنوان مستقبل هذه المنطقة، وليس مايفعله الاخرون للعرب. إن اللقاء بين اوباما ونتنياهو  كان سيئاً جدا، لكن الاعلام الاسرائيلي يقول لامشكلة في العلاقات الاسرائيلية –الامريكية، وانها علاقات جيدة ولديهم قول مشهور: “اربحوا المعركة قبل ان تبدأ”، أي احبطو اعدائكم، احبطوا معنوياتهم ولذلك ولذلك يعتمدون على مبدأ شراء الضمائر منذ قديم الزمان وحتى اليوم، والذي يقف  في وجه كل هذا هم مثال الشيخ صالح العلي والرئيس بشار الاسد.

وبالنسبة للمتغيرات الاقليمية والدولية ودور سورية في هذه المتغيرات، فإنه لدى سورية معايير هامة سياسية وإعلامية، وهي معايير موجودة في السياسة السورية، والمعيار الاول هو أننا متمسكون بحقوقنا مهما كان الثمن ومهما طال الأمد، وأن كل ذرة تراب يجب ان تعاد لأهلها الشرعيين، ولن نيأس مهما بلغت محاولات الاعداء، واننا متفائلون لأننا على حق وأن هذا الشعب متمسك بحقوقه.

والمعيار الثاني هو أننا نحن ابناء هذه المنطقة وهذه الأرض ونحن الذين نقرر مايجري وأنّ الدخلاء عليهم أن يرحلوا عاجلا ام اجلا  ولسنا على عجلة من امرنا ومؤمنين بمستقبلنا.

والمعيار الثالث هو ان هذه المنطقة هي منطقة لا طائفية، ولا عرقية، وتتسم بحق المواطن والمواطنة، ونحن اليوم ضيوف على الشيخ صالح العلي الذي رفض ان يكون أميراً على منطقته، ورئيسا لهذه القطعة من بلاده، وأبى الا أن يكون مجاهداً وشهيدا للبلد كله.

والمعيار الرابع هو تمسكنا بالوطنية، فمنذ حرب العراق الى اليوم تلاحظون لغة المذهبيّة والطائفيّة التي يطلقها اعداؤنا والتي نخجل ان نلفظها ونستخدمها .

ونحن لم نعتد سماع هذه اللغة، والعراق لايعرف هذه اللغة، ويرفضها، ومايجري في العراق بعد الانتخابات العراقية انتصار على محاولات الطائفية في العراق. فرغم كل المحاولات نجد الشعب العراقي اليوم متمسكٌ  بوطنيته، وبلده، ووحدة ترابه، وهذا برهان على أن شعوب هذه المنطقة ارقى واسمى من كل الطروحات الطائفية التي يحاول المستعمرون ان يلبسوها لبس الديمقراطية.

وكيف لنا ان نفهم ان دول العالم تتجه اليوم إلى ازالة الحدود فيما بينها، فأنت تسير في اوروبا من شرقها إلى غربها بدون حدود أو سمات دخول، وبذات الوقت يتطلعون الى انتخابات السودان يكي يقسموا السودان؟ هذه هي المعادلة التي يجب ان نعيها وانّ منطقتنا تواجه طروحات غربيّة وشاذّة عن شعوب هذه المنطقة وآمالها، وعن حلم أجيال هذه المنطقة ومستقبلها.. من هنا أتت العلاقة السورية التركية أنموذجا للتكاتف الإقليمي والعربي التركي وأتت العلاقة السورية الإيرانية أنموذجا لمحاولة فصل أمور هذه المنطقة.

وبالنسبة للوضع الإيراني وحول كل ما يشاع ويروّج له في الإعلام، إنّ جوهر المسألة مع إيران هو المعرفة! فهم لا يريودن لبلدٍ مسلمٍ أن يحصل على المعرفة، وهم يعرفون أنّ إيران ليست بصدد تصنيع قنبلة نووية، ويعرفون أنّ إيران تريد طاقة سلمية لأن الطاقة السلمية ضرورة لكل العالم في العقد القادم، ولأنه إذا حصلت إيران على الطاقة النووية يمكن لكل الدول المسلمة والعربية أن تحصل عليها، وذلك لأن حربهم ليست ضدّ إيران فقط، وإنما ضد طلابنا وأبنائنا الذين يذهبون اليوم للغرب والذين حرم عليهم اختصاصات فيزيائية دقيقة قد تقود إلى تحول نوعي في المعرفة عندنا. حين ذهبنا ودرسنا في السبعينات لم يكن هناك باب مغلق لأي طالب عربي في الغرب أمام اليوم وبعد الحملة على العرب والمسلمين أصبحت الاختصاصات العليمة التي يسمح للطلاب العرب بدراستها قليلة. هم يريدون منا أن نكون مستهلكين لمعرفتهم وأدواتهم، ويريدون منّا أن نكون ساحة لمعاركهم الطائفية والمذهبية، ولا يريدون لنا أن نكون فعلا مستقلين أو متحدين وأصحاب القرار في منطقتنا. هذه هي المعضلة التي يواجهونها مع سورية لأن تاريخ سورية كله تاريخ استقلال حقيقي وكرامة وطنية حقيقية وتاريخ نشر هذه الكرامة في كل بلدان المنطقة وخلق تكتل إقليمي يحتوي على هذه الكرامة ويرفع من شأنها.

القرار الإقليمي بالعلاقة مع تركيا، ومع إيران، وعلاقة العرب مع تركيا، والشكر اليوم هو لسورية لأن سورية هي التي بدأت هذه العلاقة مع تركيا، ونحن سعداء أن نرى الكثير من الدول العربية تحذو حذو سورية، وهذا هو المطلوب، وهو يكمل مسارنا، وهذه العلاقة تغيّر وجه المنطقة اليوم، وتغيّر معادلة الصراع العربي-الإسرائيلي، ولاسيما أن تركيّا بلد ذو وزن هام، واحتضانها للحقّ العربي احتضان هام جدا، كما أن إيران بلدٌ تاريخيّ وحضاريّ عريق في هذه المنطقة، ولم يسبق أن هاجمت إيران دولة عربية، وليس لدينا مخاوف من إيران، وهذه المخاوف التي يصطنعوها هم فقط لمحاولة فرض معادلتهم في المنطقة.  تحدّث أكثر من قائد في العالم في واشنطن منذ ايام، وقالوا.. كيف يمكن ألا تدعى إيران لمؤتمر الطاقة النووية وهي التي وقعت على معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية بينما يكون الكيان الصهيوني موجودا وهو يمتلك مئات الرؤوس النووية ولم يوقع على المعاهدة؟  أصبحت المعادلة واضحة ومكشوفة للعالم برمته، وصحيحٌ أنّ الشعب العربي والشعب في فلسطين يعاني جرائم يندى لها جبين الإنسانية، وصحيح أن التضحيات جسيمة، وما يتحمله أبناء هذا الشعب تعجز الجبال عن تحمله، ولكن الصحيح أيضاً أن هؤلاء غيّروا المعادلة الدولية بالنسبة للكيان الصهيوني، فمتى كنّا نسمع أن قادة الكيان الصهيوني يخشون السفر إلى اوروبا؟ ومتى كنا نسمع أن الجامعات الأوروبية تعمل على مقاطعة الجامعات الصهيونية؟ ومتى كنا نسمع هذه الصرخات الدولية التي تدعو إلى محاسبة هذا الكيان على جرائمه؟ هذا هو فعل المقاومة في لبنان عام 2006، وفعل المقاومة عام 2008 و2009 في غزة، وفعل المقاومة في سورية في الموقف المقاوم الذي اتخذته سورية ورفضت الاستسلام أو الانصياع أو التخلي عن أي ذرة من الترب أو حق من الحقوق! صحيح أن المعادلة تتحرك ببطء والمعادلة الإقليميّة تتشكّل ببطء ولكن الصحيح أيضا أن الشرق الأوسط الذي بدأت بوادره تظهر الآن هو شرق أوسط مناقض للشرق الأوسط الذي تحدث عنه رايس في عام 2006، وهو شرق أوسط مختلف جدا عما أملت به إدارة جورج بوش عام 2006، الذين جاؤوا إلى لبنان متوهمين أنهم يستطيعون القضاء على المقاومة ويصيغوا هذا الشرق كما يريدون.. الشيء الذي يجب أن نتنبه إليه بشكلٍ كبيرٍ وأنا أقرأ مذكرات الشيخ صالح العلي وجدتُ ان التاريخ يعيد نفسه، حيث كنتُ أعتقد ان التجسس والاختراق اسلوب حديث تبناه الكيان الصهيوني، فوجدت ان التجسس والاختراق اسلوب قديم يوجد حيث يكون الاستعمار الذي يحاول ايجاد من يتواطأ معه. ولكن هذه المرحلة هي مرحلة المقاومة ومرحلة الكشف عن هؤلاء وخذلانهم.

وبالنسبة للعالم العربي، أريد أن أطمأنكم أننا حيث نذهب إلى أي دولة عربية، وحين نتابع صحفهم ومحطاتهم التلفزيونية، نجد أن العرب في جميع الدول العربية ليسوا أقل تمسكا بالحقّ العربي من الشعب السوري، وليسوا أقل استعدادا للمقاومة والنضال، وأنّ كل ما يروجه الإعلام والدعاية الصهيونية هو من باب تضخيم قدرات العدو، ومحاولة تثبيط عزيمة المناضلين والمقاومين، واحتفاؤنا اليوم بالشيخ المجاهد هو دليل على أن أمثاله هم من يكتبون التاريخ. المقاومون والمناضلون والشرفاء هم من يكتب التاريخ، أما الذين يتواطؤون مع الأعداء ضدّ الأوطان سينساهم التاريخ ويذهبون في قمامة التاريخ.

من يتذكر منكم اليوم  الذي عذب نيلسون مانديلا؟ ومن منكم يتذكر الذي كان يحكم جنوب أفريقا عندما كان مانديلا يكسر الحجارة في سجن روبن أيلاند؟ ولذلك العالم كله يعتزّ اليوم باسم وضمير مانديلا .. هذا هو المسار الذي تسير فيه سورية.

وأنا أريد أن أكشف لكم سراً أنه حيثما توجهت لأتحدث يوصني سيادة السيد الرئيس أن أتحدث عن البلد وعن مواقف سورية ومواقف الشعب، ولذلك اخجل وارتبك لأنني مضطرة أن أتكلم عن  السيد الرئيس لأنني عايشت القرار، وأعلم أنه صاحب القرار، وصاحب الرؤية الصائية، والموقف الصلب، وأعلم أن ما يدور في الغرف المغلقة في كل لقاء هو نفسه ما عرفه الشعب عن سياسته ورؤيته..

تخلصنا اليوم من معسكر الاعتدال، ومعسكر الممانعة، وأعتقد أن المنطقة كلها تسير باتجاه الرؤية المقاومة، واتجاه انتزاع الحقّ من خلال المقاومة سواء أكانت دبلوماسية، وثقافية، وعسكرية، أو أي شكل آخر. وكما أننا متمسكون بحقنا في الجولان، ولا نتخلى عن ذرة تراب منه، نحن متمسكون بالقدس وبحقّ اللاجئين وفلسطين.. هذه هي سياسة سورية، ولو أردات سورية أن تتخلى عن أي جزء من الحقّ العربيّ، أو ترضى بأي إغراء يجنبها التمسك بالحقّ العربي، لكان مسارها مختلفاً، ولكانت التهديدات ومحاولات العزلة مختلفة جدا.. دور سورية الإقليمي والدولي هو دور مشرف، ورائد، ومناضل، ولكنه دور حكيم ومتعقل.. فنحن مع السلام العادل والشامل، ومرجعية مدريد، وتطبيق قرارات الشرعية الدوليّة، وحقّ اللاجئين في العودة إلى ديارهم، ولكننا لسنا مع التفريط بأي حقّ من هذه الحقوق، والأمر الذي آمن به العالم كله من الولايات المتحدة إلى أوروبا هو أن سورية لا تخضع للترغيب ولا للترهيب..

ولأن سورية مرّت بمراحل كثيرة وسارت درب النضال وتعرف كيف تُدار الأمور.. والرؤية الصائبة لسورية لا تحتاج إلى برهان، فأنتم تتذكرون عندما جاء ياسر عرفات إلى الرئيس الراحل حافظ الأسد وأخبره عن اتفاق أوسلو قال له لن أقف معك ولكنني لن أقف ضدك.. وكل فقرة من هذا الاتفاق تحتاج إلى عدة اتفاقات.. موقف سورية لديه رؤية صائبة، وعاقلة، وحكيمة لاستعادة الحقوق كاملة، دون حروب، ودون عنف، ودون دماء، إذا أرادوا ولكن إذا لم يريدوا فإن التمسك بهذه الحقوق قائم حتى تعود مهما بلغ الثمن، ومهما بلغت التضحيات.. هذا المنطق يفهمه العالم، وهذا المنطق الذي تتبناه سورية في الدائرة الإقليمية والدولية يحترمه العالم أيضا، لأن معظم شعوب العالم ناضلت ضدّ الاستعمار، وتحررت من خلال النضال من الاستعمار وأثبتت هويتها الوطنية المستقلة ولذلك لا يستطيعون أن ينكروا هذا الحقّ أو يناقضوا هذا المنطق والجميل في الأمر أن منطق سورية منطق مقبول ومفهوم وأعتقد أن  التحولات الإقليمية والدولية اليوم هي تحولات لصالح هذا المنطق، واستعادة هذا الحق، وتبشر بمستقبل مشرق لنا جميعا، للعرب جميعا، وللمنطقة برمتها فالعلاقة مع تركيا وإيران والعرب لا عودة عنها.. والسيد الرئيس أطلق في قمة دمشق أننا كعرب جميعا في قارب واحد وأننا ملزمون أن نناضل معا ونعمل سويا لأننا شئنا أم أبينا نتشاطر المصير نفسه.. والقمة العربية الأخيرة كانت من أفضل القمم العربية وإن كان الإعلام العربي لم يأت بهذه الصورة عن القمة لأنها القمة التي ناقشت السلام العادل والشامل والمقاومة والوقفة العربية الواحدة وكانت تباشير المستقبل العربي في هذه القمة..

وهذه الرؤية للمنطقة بدأت تتسرب شيئا فشيئا إلى لإرادة الدولية، والمشجّع في الأمر هو أن الرؤية لحلّ هذا الصراع بدأت تتحول عن الرؤية الطائفية، وبدأت تكشف كذب الدعاية الصهيونية بأن الصراع العربي الصهيوني هو صراع ديني. ربما سمعتم عن القاضي غولدستون وغيره من اليهود الذي يقفون ضدّ الجرائم الإسرائيلية. ونحن لا فرق لدينا بين الأديان، ولا نفرق بين دين وآخر لأننا نعلم أن المشكلة في فلسطين هي مشكلة سياسيّة، ولم تكن يوماً مشكلة طائفية أو دينية. وإذا كانوا هم يدعون إلى دولةٍ يهوديةٍ فهم إذاً الطائفيون، ويدعون إلى التفرقة الدينية والعنصرية. أما المنطق السوري والمنطق الوطني المقاوم هو الذي بدأ ينفذ إلى دوائر الإعلام الغربي وأنا لا أقول أن المعادلة ستتغير غدا ولكنني اقول إن المعادلة أصبحت على طريق التغيير لصالح الموقف السوري الذي بدأ يغيّر المعادلة الإقليميّة والدوليّة لما فيه صيانة الحقّ العربيّ والتمسك بالحقّ العربيّ واستعادة الحقّ العربيّ.

ما أريد أن ألخصه هو أنّ دور سورية الإقليميّ والدوليّ بقيادة السيد الرئيس بشار الأسد يرتكز على الركائز ذاتها التي ارتكز عليها الشيخ المجاهد صالح العلي، وهو العزّة للوطن، وصون التراب الوطني، والاستمرار بالمقاومة حتى نيل الحقوق، ورفض الطائفية، ورفض تقسيم البلدان، والتمسك بهويّة وحريّة هذه البلاد وكرامتها، وآمل أن ألتقي بكم في وقت قريب لنقول إنّ هذا الدور السوريّ قد غيّر الإقليم وأنه في طريقه إلى تغيير موقف العالم من هذا الإقليم بإذن الله وشكرا لكم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى