الفن المغترب والهوية: تحيّة للفنانين المغتربين – في افتتاح معرض الفنانين المغتربين السوريين، دمشق- كلمة
المكان: بيت الفن، دمشق، المزة
الزمان: الجمعة، -11 أيار 2007
سبحت عيناي في الفضاء وتجاوزت مئات الحضور في الصالة من نمساويين وعرب لتستقرا على وجه قادم من بلادي بأعين تغور في أعماق التاريخ وتستشرف آفاق المستقبل وخطوط وجه حميمة وصلبة في آن معاً. أنشد الحضور النشيد العربي السوري باللغة العربية وانفطر قلبي فرحاً وكبرياء وظلّت اللوحة المتربعة على عرش الفن خارج القاعة تملأ عقلي وروحي وقلبي. من هو ذلك الشخص الذي أنتجته خطوط الفنان عمر حمدي وكيف جبله بحضارة عريقة عمرها آلاف السنين ومرّ به على كلّ الآلام والآمال فاغتنى بها وأغناها حتى أن حضوره أصبح أقوى من حضور الناس الجالسين أمامي من لحم ودم. ذلك لأن الإنسانية الوجه- اللوحة- تفوق كلّ إنسانية عرفتها وتبحر في الأعماق وتخرج مزيجاً من الروح والعقل والقلب والفكر. تتوقف لساعات تحدّق به – بها- قبل أن تتمكن من التوصل إلى قناعة من أين أتى هذا الوجه الجميل- المريح المعبّر المغني والمغتني حتى لكأن تلك اللوحة مثّلت الشرق برمته في أعين الغرب والعالم، الشرق بإغوائه، بروحانيته، بحضارته، باللغز الذي يمثله للآخرين والسحر الذي استحقّ الإعجاب حيناً والحقد الاستشراقي حيناً آخر.
كنتُ حتى وأنا أتحدث في السياسة العربية والعلاقات العربية الأوربية اكتشف أن جزءاً مني قد غادرني واستقرّ مع اللوحة يحاكيها ويستعيد منها ألق ونبض وحرارة الماضي وحسبتُ واجتاحتني رغبة بعد اللقاء أن أجثم أمام اللوحة ولا أغادر لولا أنّ موقعي ومهمتي فرضتا عليّ أن أغادر. كم هي غنية سورية بهذا الفنان وأمثاله اللذين تجوب لوحاتهم كلّ الأقطار والبلدان وتعبر المحيطات لتحمل في ثنايا خطوطها عبق سوريا وحضارة سوريا وتسامح سوريا وتاريخ سوريا وغنى سوريا الحضاري والإنساني والديني والثقافي والتراثي. كم هي غنية سوريا بفنانيها اللذين ملؤوا الأرض ألواناً وخطوطاً ولوحات ومآثر حققت حضوراً لافتاً في أرقى وأهمّ المعارض الفنية في أرجاء الأرض.
و في هذا الزمن الصعب الذي تستهدف قوى ظالمة حضارة العرب و لغتهم و هويتهم و تاريخهم ، يشكّل هؤلاء الفنانون السوريون المنتشرون في كلّ أصقاع الأرض رسل محبّة و سلام و رسل حضارة تجسّد أعمالهم الهوية في أبهى و أغنى صورها و يتحركون بين الشرق و الغرب بتواضع العلماء و يقين الزاهدين المؤمنين بفنهم و حضورهم و الراغبين في لا شيء سوى التميّز و التفوّق في الإبداع. في هذا الزمن الصعب يشدّ أبناء سورية البررة الرحال كما فعل أجدادهم منذ قرون، حاملين الفنّ و الفكر و لغة الحرف و الخطّ ليمثلوا سورية كما يليق بها أن تُمثّل. و بالإضافة إلى الإبداع و التميّز الغنيين يتمتع الفنانون السوريون بتلك اللهفة و ذاك الحب لموطنهم الأصلي فما أن يسمعوا همسة من الوطن تناديهم إلى أن يسرعوا قادمين مبادلين الوطن و أبناءه الحبّ بالحب الأكبر معبرين دوماً عن سعادتهم بالانتماء و رغبتهم بالتواصل مع معين الحبّ الذي نهلوا منه و الذي يعلمون أنه لا ينضب، بل كلما نهلوا منه أكثر كلما ازداد غنى و اشتّد مذاقه لذة و فرادة. كم أنتِ غنيّة يا سورية بأبنائك و بناتك المنتشرين في الأرض و كم تزدهي صورتك بكلّ هذه الألوان و اللوحات التي تجعل منك لوحة غزّ نظيرها في العالم.
يشمل هذا المعرض للفنانين السوريين المغتربين:
عمر حمدي وكريم عواد وماهر بارودي ولطفي الرمحين وطلال معلا وفارق قندقجي وبهرام حاجو بداية افتتاح نافذة صغيرة من الوطن على الاستثمار في الفنّ السوري في المغترب ونأمي أن تكون مجرّد بداية إذ أنّه من حقّ الوطن على المغترب أن يُمثّل ثقافة وطنه ومن حقّ الوطن عليه استثمار هذه الثقافة حضارياً كما أنّه من حقّ الوطن على الفنانين في المغترب والمعنيين بشؤون الثقافة في الوطن أن يتمّ تسليط الضوء على هذا الانتاج الفكري والثقافي والفني في المغتربات والأوطان وأن نقيم المتاحف لما يمثّل هويتنا الثقافية والفكرية بدلاً من استقدام الآخرين. في هذا المعرض- البداية- نعلن أهمية الاستثمار في الفن والثقافة والفكر والأدب لتعزيز وتعميق جذور هذه الهويّة الحضاريّ التي نفخر بها والتي هي الهدف الحقيقي لكل عدوان على شعوبنا وأوطاننا.