الكلمة الافتتاحيّة للدكتورة بثينة شعبان وزيرة المغتربين باسم الحكومة السوريّة في مهرجان التضامن مع سوريا الذي أقامته شبكة أخبار العراق و إذاعة صوت الحقّ تحت شعار “سوريا رئة الأمة العربيّة وقلب العروبة النابض”
4 تشرين الثاني 2005
إنّ التحدّي الذي تواجهه سوريا اليوم هو جزء لا يتجزأ من التحدّي الذي واجهته فلسطين والعراق بالأمس، وهو تحدّي تواجهه اليوم سوريا و لبنان، وهو ذات التحدّي الذي تواجهه الأمة العربية في جميع أقطارها مهما اختلفت مسميات وأعذار هذا التحدي.
الحقيقة إن هذا المخطط مكتوب و معلن منذ سنوات فنحن جميعاً قرأنا على شبكات الانترنت خطة الـ Clean Break أي الاستهداف النظيف. لمن لم يقرأ ما كتب بهذا الصدد فإني أقول أن المخطط هو إنهاء مقولة “السلام العادل و الشامل”، وتحقيق السلام في المنطقة عن طريق القوة، و احتفاظ إسرائيل بكل الأراضي العربية، و اعتبار هذا الاحتفاظ هدفاً نبيلاً، و من ثمّ تغيير الثقافة والحضارة العربيين، و بناء إمبراطورية إسرائيلية على أنقاضها. هذا هو ما كتبه ريتشارد بيرل، وولفويتز، دوغلاس فيث و كل منظري السياسة الأمريكية حيال الشرق الأوسط و التي تنفـّذها اليوم الولايات المتحدة بتخطيطٍ و تنسيقٍ مع إسرائيل.
إن الفرق بين الماضي و اليوم هو أنه في الماضي كان الاحتلال معلناً أما اليوم فإن الاحتلال يحاول أن يتخذ لنفسه مصوغاتٍ مختلفة و هكذا فعل احتلال العراق و تدمير بابل و سرقة المتحف و قتل العلماء و الأطباء و أساتذة الجامعات و تدمير تمثال أبي جعفر المنصور مؤسس بغداد في اليوم الذي يتحدثون فيه عن محاكمة صدام. أما في حالة سوريا فقد تعلّموا من تجربتهم لأنهم لم يحصلوا على إجماعٍ دولي في ذلك الوقت فلذلك فإن منظري تلك السياسة يحاولون الحصول على إجماعٍ دولي في مجلس الأمن لاستهداف سوريا.
و قد كان استهداف الشهيد رفيق الحريري جزءاً من هذا الاستهداف فقد قرأت أنا كما قرأ الكثيرون بأن الشهيد رفيق الحريري اغتيل لأنه وقف مع سلاح المقاومة و جال الدول الأوروبية يدافع عن سلاح المقاومة، ورفض إقامة قواعد أمريكية على سواحل بيروت.
و بالنتيجة فإن سوريا ليس لديها شيء بخصوص الاغتيالات، أما في إسرائيل فإن سياسة الاغتيالات واضحة يتخذها مجلس الوزراء في إسرائيل، و ينفـّذونها علناً تحت مسميّات مختلفة، فقد نشروا منذ أسبوعين أنهم هم الذين اغتالوا غسان كنفاني في بيروت، و أنهم هم من اغتالوا ناجي العلي، و محمد علي سلامة، و آخرين، و بنفس الطريقة التي تتم بها الاغتيالات اليوم في بيروت.
و حين يغتالون في الضفـّة منذ أيام فوزي محمد أبو القرع (38 سنة) و حسن عطية المدهون (32 سنة) و يقولون أن إسرائيل اغتالت مقاومين و كأن هذا مبرّر، فهل مقاومة الاحتلال مبرر للاغتيال؟؟ و هل يقبل الشعب العربي أن يـُغتال خيرة شبابه و يسجن خيرة شبابه لأنهم يؤمنون بحقّ العرب في أرضهم و مياههم و تراثهم و حضارتهم؟؟ أصبحت جرائدنا العربية تنقل الخبر و كأنه شيء بدهي و كأنه شيء مقبول. و الحملة هذه تستهدف شبابنا و تاريخنا و ثقافتنا و حضارتنا و هنا تكمن الخطورة ففي الضفـّة الغربية منعوا الكتب لمدّة أربع سنوات فهل الكتاب و القراءة عملٌ إرهابي؟؟ أنا أحاول أن أبرهن و أدلل للأخوة السامعين و الأخوة الحاضرين بأن هذه الحملة تتخذ مظاهر مختلفة من الشرعية الدولية أو الحرص على عدم وجود السلاح و لكن هدفها للأسف أكبر من ذلك بكثير. و للأسف في الوقت الذي يـُغتال مقاومون في الضفـّة الغربية تحاول إسرائيل أن تقـسّم الضفـّة إلى ثلاثة كانتونات، و يقدّم مشروع قرار في الكنيست الإسرائيلي بالدعوة إلى ضمّ الضفـّة إلى إسرائيل، و مع ذلك لا يقيم العرب الدنيا و يقعدونها من أجل هذا الخبر! بل إن هذا الخبر يأتي في بعض الجرائد العربية و في الصفحة العاشرة منها بينما يأتي تقرير ميليس في الصفحات الأولى منها، و الذي هو يستهدف عروبتنا و يستهدف العلاقات السورية اللبنانية و يستهدف الإنسانية.
في هذه المرحلة التاريخية الصعبة من تاريخ الأمة العربية و الدقيقة جداً و المفصلية جداً لا بدّ للعرب جميعاً شعوباً و حكوماتاً و مسؤولين أن يدركوا أن هذه الحملات تستهدفهم جميعاً و أن خلق المبررات لاحتلال العراق، و الاستيطان في فلسطين واستهداف سوريا، و تنفيذ الاغتيالات في لبنان، كلها جزء من مخطط واحد يقود إلى بلدانٍ عربيةٍ أخرى بعد أن يكون قد أنهى مهمته في البلدان التي دمرها أولاً. فلذلك فإن العرب عندما يتضامنون مع سوريا ومع العراق و فلسطين و لبنان فإنهم يتضامنون مع أنفسهم. فقد كتبتُ حينما بدأت الانتفاضة المباركة الثانية أن الفلسطينيين يقفون في خط الدفاع الأول في الدفاع عن هذه الأمة، و أن التضامن مع الفلسطينيين ليس واجباً علينا من أجل الفلسطينيين فقط، و إنما واجبٌ علينا من أجل أنفسنا، لأننا بالتضامن مع الفلسطينيين نتضامن مع أنفسنا. أنا قلتُ الشيء ذاته حينما تمّ تهديد العراق و استُبيح العراق، و أنا أقول الآن الشيء ذاته حين تُهَدّد سوريا، و يُهدّد لبنان، لأنّ العراق و فلسطين ولبنان في غلاوة سوريا علينا جميعاً، و كلُُّ بلدٌ عربي هو جزء هام و عزيز من هذه الأمة. لذلك أرجو أن يدرك العرب حجم المخاطر المحيطة بهم اليوم و أن يقفوا مع أنفسهم و مع بعضهم كي يقف العالم معهم، لأننا إذا لم نقف مع أنفسنا فكيف نتوقع من الآخرين أن يقفوا معنا؟ إن الخطر كبيرٌ و محدق و لكنّ هذه الأمة فيها من الأصالة والحضارة و العراقة ما يؤهلها على تجاوز هذه الأزمة و لن يمكنها من تجاوز هذه الأزمة إلا أبنائها المخلصون و المقاومون و الذين يرفضون الذلّ و الاحتلال و يرفضون سرقة الأراضي و المياه. هذا هو الذنب الوحيد لسوريا و هو أنها تؤمن بالحقّ العربي و تؤمن أن العرب لن يتخلوا عن حقـّهم مهما جار الزمن عليهم و أنهم سوف يتمسكون بهذا الحقّ و أنهم إن لم يتمكنوا من إحقاقه اليوم فإنهم سوف يتركونه للأجيال القادمة ليتحقق وفق الشرعية الدولية و وفق كل الحقوق الني شرّعتها الديانات السماوية.
أما أن يحاولوا تقسيم هذه الأمة إلى أعراق و أديان و طوائف فهذا هو الخطر الجسيم. أن يتحدثوا عنا كشيعة و سنة و أكراد و مسيحيين فهذا هو المقتل لهذه الأمة. يجب أن نرفض هذا المنطق في لبنان و العراق و سوريا و في كل بلدٍ عربي فنحن عرب أولاً و قبل كل شيء، و تحت الثقافة العربية ننضوي جميعاً في كل أدياننا و كل أعراقنا لنضرب للعالم المثل الذي ضربناه منذ آلاف السنين أننا نعيش ثقافة واحدة و شعباً واحداً عربياً، وأن هذا التنوع الذي نفخر به هو مصدر غناً و مصدر إبداعٍ لنا جميعاً، و هو ليس مشكلة ً كما يحاول المعتدون و المستهدفون لأمتنا أن يصوروها، و أنا أسأل إن لم نكن عرباً فماذا نكون؟؟ سوف نكون طوائف و قبائل و أعراق و لذلك فإن التمسك بالعروبة و بالحقّ العربي هو الخلاص الوحيد لنا جميعاً.