“ذكرى عيد الجلاء ” مع الجالية السورية في ألمانيا
17 نيسان 2004
المضيف: نعرفها و لا نعتدي العدو عليها إلا إذا كانت الحقيقة مجبولة فيها
و سيادة الوزيرة التي نشكرها على حضورها هنا أتت لتعرف بعض الحقائق و تعرف أرائكم. لقد وصل إلى أذني كلمات و منذ سنوات أنه إذا نزلت إلى سوريا فإن المسؤولين يريدون منكم هدايا. هذا كلام سخيف، المسؤولين لا يريدون هدايا بل يريدون أن يعرفوا الحقيقة و أن يعملوا معنا. و يجب أن لا ننسى أبداً أن للكذب أذن واحدة و للحقيقة إثنان. و مهما اختلفت الآراء بيننا فقد كان جميل بثينة يقول:
و قد تلتقي الأشواق بعد فراقها و قد تدرك الأشياء و هي بعيد
ليس هناك من مستحيل ولقد قلت جميل بثينة. أرجو معالي الوزيرة أن تسمعي إلينا و آمل أن لا أزعجك و أن تقولي كيف لهؤلاء الناس أن يعيشوا ثلاثين سنة في ألمانيا و يتكلموا هكذا. أرجو أن تنظري إلينا بالعيون و تسمعين بالآذان التي أعرفها عندك من قراءة. و لعلني تكلمت عن جميل سأقول هذه الحكاية: دخلت بثينة على عبد الملك بن النعمان فقال ما لي لا أرى فيك يا بثينة شيئاً مما كان يضج به جميل؟؟ فقالت بثينة: إنه كان يرنو إلي بعينين ليستا في رأسك يا أمير المؤمنين. و أتمنى أن تنظري لنا بعينين في رأسك أنت و تسمعي لنا بأذنين لك أنت. و لا تدعي أحداً منا أن يؤثر عليك. أن تسمعي و تري و تبني موقفاً و الشعار هو هنا الدكتورة بثينة شعبان لم تأتي هنا لعند علي عيد لأن علي عيد يمثّل الجالية السورية و لا يوجد فرق بين أي أحد من فوق لتحت هنا. هذا هو المبدأ. و الآن أعطي الكلمة للدكتورة بثينة. فأرجوك دكتورة بثينة أن تبدأي الحديث.
الدكتورة بثينة شعبان: يسعدني جداً أن أكون معكم في هذا الصباح بمناسبة عيد الجلاء، و هذه المناسبة أعز مناسبة على قلوبنا جميعاً. و خاصةً أننا نعيش اليوم فترة تذكرنا بالحقبة الاستعمارية و التي درسنا عنها في التاريخ و نرى أن التاريخ يعيد نفسه هذه الأيام و لذلك علينا أن نكون أكثر يقظةً و استعداداً لهذه المرحلة فكل عام و أنتم بخير. أنا فخورة بإنتمائكم و بمحبتكم للوطن، و أعلم أن الصعوبات كثيرة و لكني أعتقد أن ما يمكن فعله أكثر بكثير من الشيء الذي نقوم به جميعاً. ربما من سوء حظي أنني وصلت إلى هذه الوزارة في مرحلة بدأت دوئر معينة في خلق ظروف صعبة لجميع العرب و المسلمين في الولايات المتحدة و الآن في أوروبا.
و أنا لا أريد أن أطيل لأن الأخ علي عيد ذكرني أنني سأتحدث بشكل مطول عند الإجتماع مع الإخوة. و لكنني أريد أن أقول لكم بإختصار إن قراءتي لأحداث 11 أيلول و أحداث 11 آذار في مدريد هي أن كل هذه الأحداث موجهة ضد العرب و المسلمين. و كائن من كان من نفذ هذه الأحداث فإن الهدف منها هو منطقتنا و شعبنا و أهلنا في كل مكان و هذا يحتم علينا أن نكون أكثر يقظة و أكثر محبة لبعضنا و أكثر إرتقاءً للمواضيع التي نتصدى لها و التي نحاول القيام بها. فمثلاً في ألمانيا لاحظت أن عدد العرب و المسلمين أكثر بكثير من عدد اليهود؛ 3% بينما اليهود هو 0.3 %. هذا ينطبق على العرب و المسلمين في كل مكان و لكن إذا نظرنا إلى الفاعلية و الصدى الذي نتركه نحن على السياسات العالمية مقارنةً بما يتركه أعداءنا نرى أننا مقصرون جداً. و أعتقد أنه يجب علينا أن نغلق الباب على عصر الخطابات و الإنشائيات و الكلام الذي لا جدوى له، و نبدأ العمل على خلق آليات العمل و التحدث بجدية و خلق التمويل و رسم معالم الطريق التي تقودنا جميعاً إلى عمل فاعل يخدم مصالحنا جميعاً.
و أنا أعتقد أنّ مصالحنا اليوم هي واحدة. مصلحتكم جميعاً كمغتربين و مصلحة الوطن واحدة. ففي عزكم هنا و في قدرتكم هنا قدرة للوطن. و أيضاً الوطن حريص على مكانتكم في البلدان التي تعيشون بها، و أيضاً الوطن حريص على أن تكونوا مواطنين أعزّاء في وطنكم الأم.
و أنا أتحدث بهذا الكلام بتوجيه من السيد الرئيس الذي يعلّق أهمية كبرى على نشاط المغتربين، ليس فقط في البلدان التي يتواجدون بها، و إنما ايضاً في وطنهم الأم سوريا. وحين تحدثت له عن رحلتي في الولايات المتحدة و ما تفضّل به الأخوة المغتربون من صعوبات إدارية و استثمارية و صناعية في البلد، قال لي هم أبناء هذا الوطن و هم مخوّلون أن يضعوا أصابعهم على مواضع الخطأ في هذا الوطن، و يقولوا لنا ماذا نفعل. و نحن كلنا فريق عمل واحد و مستعدون أن نقوم بهذا العمل كفريق عمل واحد. و أنا في الحقيقة ارى أن هذه هي المرحلة التي يجب أن نبدأ بها اعتباراً من اليوم. أن نشعر أننا شركة واحدة و أن قضيتنا هي وجودكم هنا و فاعليتكم هنا و التي يمكن لنا نحن أيضاً أن نصعّد بها بطرق مختلفة. إن وجود المغتربين في جميع أنحاء العالم يمكن لنا نحن كوزارة المغتربين أن نكون جزءً من فريق العمل و أن نزودكم بالأفكار و الآراء و المنطق الذي يمكن أن يساعدكم بطرح آرائكم على الساحة التي تعيشون بها. و أنا أعلم أن معظم الإخوة المغتربون هم اختصاصيون و ربما ليس لديهم الوقت لمتابعة مجريات الأحداث سواءً في المنطقة أو على الساحة الدولية. و نحن لدينا الإمكانية لتزويدكم بالنقاط التي يمكن أن تعزز من مكانتكم و قوتكم في البلد الذين تعيشون فيه.
و أنا الحقيقة كلني حماس و رغبة أن نخط هذا الطريق. و المغتربون هم شريحة مهمة في هذا الوطن. والحقيقة نحن يجب علينا و قبل كل شيء أن نعترف بالأمراض التي لدينا. لماذا نحن غير فاعلين على الساحة الدولية كأمة عربية أولاً و كمغتربين ثانياً؟؟ و لماذا يستهان بنا إلى هذه الدرجة؟؟ أنا لا أتذكر إلا بيت شعر لشاعر عربي:
من يهن يسهل الهوان عليه ما لجرح ٍ ميت إيلام
نحن الذين نقرر كيف يتم التعامل معنا. إذا رفضنا أن يتم الإستهانة بنا لن يستهين بنا أحداً. و إذا رفضنا أن نضع كرامتنا فوق كل شيء لن يتمكن أحد من النيل من هذه الكرامة.
و أنا الحقيقة طموحاتي هي أن يكون المغتربون هم الساعد الأيمن للأمة للتخلص من هذا المرض. و علينا أن نعترف دائماً أن أول الأمراض أننا لم نتعلم على الإطلاق أن نعمل كفريق عمل و كمجموعة. في الحقيقة كل واحد منكم هو ثروة و لكن فقط علينا أن نبدأ لندرك أهمية المنظور الجماعي و المنظور الوطني فوق كل إعتبار. قد تبدو نقطة بدهية، و لكنها نقطة هامة بالحقيقة. و أن ندرك أن الخير للجميع هو بالنتيجة خير لكل واحد منا في الحقيقة. و أن عزة الوطن و قوة الوطن هو عزة و قوة لكل واحد فينا.
و كما ترون في فلسطين و في العراق يستوي من يملك الثروة و من لا يملك شيئاً، هم يستوون بالإذلال و المهانة التي يلحقه بها الاحتلال و الاستيطان. و الحقيقة أنا منذ سنوات كتبت وقلت أن الفلسطينيين يقفون في خط الدفاع الأول عن هذه الأمة. و للأسف مضطرة أن أقول اليوم أن الفلسطينيين و العراقيين يقفون في خط الدفاع الأول. فكم يجب أن تكون القائمة كي ندرك أننا جميعاً مستهدفون؟؟! و أن حضارتنا و وجودنا مستهدف. و لذلك يجب علينا أن نرتقي، في الحقيقة، بطموحاتنا و آمالنا و آليات عملنا. و أنا في عام 1988 كنت أكتب كتاباً عن المرأة العربية. و تعرفون بعد الاحتلال الاسرائيلي لبيروت و بعد المجازر و بعد احتلال الجنوب التقيت بإمرأة فلسطينية أمية خسرت ثلاثة من أبناءها شهداء في فلسطين و في لبنان. و مرت بكل المآسي العربية من 1948 و حتى 1988 في ذلك الوقت. و دار حديث شيق وقتها أعتقد أنه يعجز عنه أناس كثيرون ذوي مناصب كبيرة. و هي عاشت في الملاجئ و نجت من القصف باعجوبة. بعد كل هذا قلت لها: أم محمد ما هو الحل؟؟ ماذا يجب علينا أن نفعل نحن كعرب؟؟ قالت لي: و الله يا بنتي الحل بسيط و هو أن نحب بعضنا. و الحقيقة أنا أتذكر أم محمد حيثما ذهبت. و أعتقد أن الحل بسيط و هو أن نحب بعضنا و نحب أنفسنا و نحب وطننا أكثر مما نحب أنفسنا. و بالنتيجة نحن نحب أنفسنا حين نحب بعضنا و حين نحب قضيتنا و حين نعمل من أجل هذه القضية.
أنا آسفة لا أريد أن أطيل و لكنني معكم في كل ما ترتؤنه من أساليب تفعّل عمل الجالية و توحد الخط و تجعل من جهودكم فاعلة على الساحة الألمانية و على الساحة السورية. لا رقابة على ما تريدون و لا شروط لما تريدوه، و لا خطط مسبقة لدينا على الإطلاق. طل ما ترتؤنه من إسلوب يمكن أن يفعّل عملكم و يقوي رابطتكم و يعزز علاقتكم بالوطن نحن معه. و أنا قادمة ليس لأتكلم و إنما لأستمع لما تريدون و أن نخطط سوياً لمرحلة مستقبلية آمل بإذن الله أن تعود علينا جميعاً و على وطننا و عليكم و على أبناءنا هنا بالخير و الفائدة. و شكراً