محاضراتمحاضرات اغترابية

في وداع الجالية العربية السورية في رومانيا

د. بثينة شعبان

1 آذار 2004

 

السادة السفراء،

السيد عميد الجالية،

أيتها الأخوات، أيها الأخوة،

       يسعدني جدا ً أن أكون بينكم هذا المساء و قد أهداني الرفيق و الأخ ناصر قدور هذا، رغم أن هذا اليوم عيد الربيع و أن الشباب يهدون السيدات شيئا ً في عيد الربيع، و قد قلدني هذه الهدية الجميلة.

      و أنا أقول لكم أنا سعيدة بهذا الربيع أنني التقيت في بوخارست بجالية عربية متميزة، و أمضيت معكم جميعا ً وقتا ً مفيداً، ووضعنا، أخطاءنا جانباً، فانطلقوا في عمل عربي يهدف الى بلورة هويتنا و صورتنا بعيدا ً عن التشوهات التي يريدها عدونا بها. كما أنني فعلا ً شعرت أيما سعادة هذا المساء بتكرم السادة السفراء، و تكرم الدكتور بشارة سعيد و دعوتهم جميعا ً. لقد التقيت بهم في منزلهم و كان الحقيقة حوارا ً مثمرا ً و مثلجا ً للصدر. أنني شعرت أنني في بيت العروبة. و في الحقيقة أريد أن احيي مرة أخرى اليوم الدكتور هيثم عمر، نحترمه أيضا ً في عيد الربيع بانجازه العظيم، بإطلاقه البحار الروماني السابق. و هذا انجاز لشخصية اغترابية عربية على مستوى رومانيا. آمل أن نوليها حقها. و رأيتم اليوم الجرائد تتحدث عن هذا الانجاز.

       و أنا بهذه المناسبة أريد أن أقول أنه لدينا الكثير من الأشياء الجميلة التي يمكن لنا أن نتحدث بها للعالم، و أن نطلع العالم عليها. لدينا من تراثنا و حضارتنا و أخلاقنا و عاداتنا، و أنني أشعر أننا الى حد بعيد خجلون من تسويغ هذه الهوية. كما تعرفون عدونا هو أمهر الناس في تسويغ و ترويج  لما يقوم به حتى باختلاق أشياء لا يقوم بها و يروج لها. أما نحن، و نحن اصحاب حضارة، و نحن أصحاب حق، و نحن أصحاب كرامة، في ثقافتنا العربية ذاك الخجل العربي من الترويج بما نقوم به. خاصة ً أن ديننا الاسلامي الحنيف يعلمنا أنه يجب أن لا تعلم يدنا الشمال بما أعطته يدنا اليمين. و هذا الأمر انعكس على أداءنا السياسي بحيث نخجل أن نتحدث عما نقوم به. و نخجل أن نروج بما نريده.

    و أنني أدعوكم أن تستخدموا الإعلام أيما استغلال بأي شيء تقومون به. و أن تلفتوا نظر العالم الى خصائص الشخصية العربية. و حين تقومون بفعل أن لا تترددوا أن تجذبوا أنظار الإعلام و العالم اليه.

    وأريد أن أعطيكم مثالا ً من تجربة شخصية؛ كنا في مسيرة برشلونة مع السيد فاروق الشرع وزير الخارجية. و اجتمعنا مع كافة الوزراء بمن فيهم وزير خارجية الكيان الصهيوني في ذلك الوقت. و كان في ذلك الوقت ايهود باراك، قبل أن يصبح رئيسا ً للوزراء، استلم لفترة قصيرة وزيرا ً للخارجية. و كعادته السيد فاروق الشرع أبلى بلاء ً ممتازا ً داخل القاعة و أحرج عدونا و الحقيقة هزم عدونا على الطاولة. و بقينا نحن جميعا ً سعداء بهذا الانتصار، و لكن بيريز الذي كان يرافقه خرج الى خيمة الصحفيين و تحدث بما شاء. كله من التلفيق و الأكاذيب عن مواقف اسرائيل و عن حقّ اسرائيل و الخ.. و الحقيقة حين عدنا الى الفندق لنرى ما أنجزناه وجدنا عكس ما أنجزناه تماما ً.  على شاشات التلفزيون، و في اليوم التالي ظهرت الجرائد بالأكاذيب الملفقة التي لا علاقة لها بما جرى داخل قاعة الاجتماع.  و الحقيقة أنا ككاتبة و مفكرة صعقت من الحدث، لأنه لم يخطر ببال أنه يمكن لأحد أن يفعل ما فعل عدونا به. منذ ذلك اليوم تعلمت أن المهم ليس ما يحدث في قاعة الاجتماع و إنما ما ينتقل الى وسائل الإعلام خارج قاعة الاجتماع. و أرجو منكم جميعا ً أن تضعوا هذا بأزهانكم.

      ليس فقط المهم أننا نؤمن بأهدافنا و أننا ننتصر بالاجتماع، و أننا نهزم عدونا بالمنطق و بالقانون، و لكن المهم أيضا ً أن نسوق لهذا بالاعلام، و أن نطلع ما نقوم به لوسائل الاعلام. فاليوم الاعلام يكاد يختلق حقائق بديلة عن الواقع. و الحقيقة أن ما تقوم به الصهيونية هو اختلاق واقع للاعلام لا علاقة له بالواقع الذي يجري على الارض و إلا كيف يمكن للعالم برمته أن يقبل قتل سبعمائة طفل فلسطيني دون سن العاشرة من عمرهم، و هدم خمسة عشرة ألف بيت فلسطيني، و اقتلاع ثلاثمائة ألف شجرة زيتون. لا يعرف العالم كل هذه الأرقام و كل هذه الحقائق. يجب أن نعيد هذه الأرقام عشر مرات في اليوم للإعلام الغربي لكي يسمع به كل طفل و كل رجل و كل امرأة. و صدقوني لو فعلنا ذلك لتمكنا من حماية شعب فلسطين. و لما تمكن عدونا أن يستمر في ارتكاب جرائمه بحق شعبنا.

     علينا أن نستخدم ذات الاسلوب الذي يستخدمه عدونا ضدنا. و أن نتعلم كيف نسخر آليات العمل التي يسخرها عدونا، و لكن ليس كما يستخدمها هو للتستر على جرائمه و قتله و إنما لإظهار حقنا و لإظهار حقيقة الأمر و هو أننا نحن أصحاب حق و أننا أصحاب أرض و أننا دعاة سلام.

      كيف يمكن لشعب أن لا يفخر بما قاله الرئيس الراحل حافظ الأسد رحمه الله عشية حرب تشرين و حين كانت القوات السورية و المصرية تتقدم بشكل لا مثيل له، وقف الرئيس الخالد رحمه الله و قال “لسنا دعاة حرب و عدوان و لكننا ندفع الحرب و العدوان عن أنفسنا”. كم من العالم يعرف أن هذا هو الموقف الحقيقي لنا. أننا دعاة سلام و لسنا دعاة حرب و عدوان.

       و أنني أعتقد أن المعركة اليوم تعتمد الى حد كبير على الأخوة العرب المغتربين، و أقول العرب لأننا يجب أن نكون قلبا ً واحدا ً كعرب. يجب أن نكون جميعا ً صفا ً واحدا ً، و أن هويتنا و عروبتنا هي المستهدفة. و الحقيقة أنني أعشق هذه الهوية و أعشق هذه الحضارة، و أعشق هذه الأرض. و يحق لنا جميعا ً أن نفخر بهويتنا و عروبتنا. و إنني أتطلع إلى المغتربين العرب: مغربيين و ليبيين و فلسطينيين و لبنانيين و كل المغتربين العرب أن يكونوا هم رسل هذه الهوية الى العالم، و أن يكونوا هم الجسر الحقيقي لإيصال الصوت العربي الى العالم. و صدقوني أننا لو عملنا بصدق و إخلاص، و لو أحببنا بعضنا أكثر مما نحب بعضنا الآن. و لو عرفنا كيف نوجه كل طاقتنا إلى القضية و ليس الى المعارك الثانوية التي نخوضها دون لزوم لما تمكن عدونا من الصمود أمامنا سنة واحدة. و أنا واثقة أننا قادرون على فعل ذلك إذا ما تحققت الإرادة و التصميم و بالحب لهويتنا.

     في عام 1988 قابلت أمرأةً فلسطينية في مخيم فلسطين في دمشق. و كانت قد قدمت ثلاث أولاد شهداء. و تحدثت معها طويلا ً، و مع أنها أمرأة أمية و لكنها من أذكى من رأيت الحقيقة.  و تحدثت لي عن الوطن العربي و كأنه لديها دكتوراة في العلوم السياسية، و حين تعبنا من الحديث قلت لها إذا ً  ما الحل؟؟ ماذا نفعل ؟؟ قالت لي و الله يا بنتي الحل بسيط أن نحب بعضنا، و لا أنسى تلك المرأة. و في الحقيقة أعتقد أن هذا هو الحل.

       و أننا نحن في الوطن نعول عليكم في المغترب و نعلق أمالا ً كبيرة ً عليكم في المغترب. و حدثنا اليوم السيد محمد أورفه لي عن تشكيل الاتحاد العربي في رومانيا، أرجو له التوفيق، و أرجو أن تمثلوا أنتم في المغترب الوحدة العربية: الوحدة في الثقافة و الوحدة في الهوية و الوحدة في التراث و الوحدة في المصير. في الحقيقة نحن مصيرنا واحد و لا أعلم إذا كنت طموحة أكثر من اللازم حين أقول أنني آمل خلال سنتين أن يقدم المغتربون العرب في العالم النموذج الأمثل للعمل العربي و للقدرة على تحريك الساحة العالمية لصالح العرب. و أرجو الله و بجهودكم و بجهودنا  جميعا ً أن يوفقنا الى تحقيق هذا الهدف.  أتمنى لكم كل الخير و التوفيق. و أشكركم جميعا ً على حسن استقبالكم و على الوقت الذي خصصتموه لي، و أرجو أن ألقاكم و امتنا و شعبنا و أهلنا بألف خير. شكرا ً لكم

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى