“التحديات التي تواجه المرأة العربية والدور الذي تعلبه في المرحلة الراهنة” – محاضرة
9 تموز 2006
مدرج كلية الهندسة في جامعة دمشق
السيد إيهاب حامد: حظيت المرأة العربية في معظم أحقاب التاريخ العربي بقدرٍ جيدٍ من الاحترام والتقدير فكانت فاعلةً مؤثرةً في أحداث عصرها، واليوم مع اشتداد الأزمات على أمتنا وازدياد الضغوطات يزداد دور المرأة أهميةً. في ظل ظروفٍ معقدة وازدياد المصالح المتناقضة بين عالمين؛ الأول يمتلك الحضارة والثروات الطبيعية والإمكانات البشرية والاستثمار الأمثل لتلك الإمكانات، والثاني يمتلك القوة والتقانة ولا يعدم الوسيلة لاستغلال الثروات والإمكانات للشعوب الأخرى. معنا اليوم سيدة وأمرأة عربية كرست جزء كبير من حياتها لرفع المظالم عن المرأة العربية ولم يشغلها عن ذلك انخراطها في العمل السياسي والشؤون الخارجية من خلال عملها كمترجمة للرئيس الخالد حافظ الأسد أثناء مفاوضات السلام مما وضعها أمام طريقٍ مهنيٍ جديدٍ فعملت مديرةً للإعلام الخارجي في وزارة الخارجية فكانت مثالاً للمرأة القديرة العاملة في مستويات صنع القرار في بلدنا ونظراً لجهودها المبذولة خدمةً لقضية السلام رشحت لنيل جائزة نوبل للسلام في عام 2005 ونالت من الجامعة العربية جائزة “المرأة العربية المتميزة في العمل في الحقل الحكومي” في العام 2005 أيضاً. ولضيفتنا العزيزة العديد من المقالات والدراسات والكتب في اللغتين العربية والإنكليزية حاولت من خلالهم مدّ جسرٍ بين الشرق والغرب وهي قبل ذلك كله أستاذةً جامعية. جميعاً وباسمكم وباسم المكتب التنفيذي لاتحاد طلبة سوريا أرحب أجمل ترحيب بالأستاذة الدكتورة بثينة شعبان.
الدكتورة بثينة شعبان: أشكر الأستاذ إيهاب حامد على هذه المقدمة واسمحوا لي أولاً أن أشكر باسمكم جميعاً أن أشكر الأستاذ عمار ساعاتي، رئيس الاتحاد الوطني لطلبة سوريا – وأنا أريد أن أقول الصديق والأخ عمار ساعاتي- على هذه المناسبة وعلى هذه الدعوة الكريمة التي قدمها لي كي أكون معكم في هذا الوقت الصعب الذي تمر به أمتنا العربية وأشكركم جميعاً على القدوم في هذا الوقت أيضاً المحرج من النهار وأنا أعلم أنه لديكم جميعاً أعمالاً تقومون بها، وأودُّ أن أعرب ايضاً عن سعادتي أن أكون في جامعة دمشق التي أشعرُ بالاعتزاز والسعادة المطلقة أن أكون بهذه الجامعة حيثُ أني أشعر بالانتماء الشديد إلى هذه الجامعة طالبةً وأستاذةً وحياةً أيضاً في القلم والكتابة.
أردتُ أن أتحدث عن التحديات التي تواجه المرأة العربية اليوم والدور الذي تلعبه المرأة العربية راجيةً أن يشعر الجميع أنه موضوع يخص المرأة والرجل على حدٍّ سواء ولا يخص المرأة فقط. وأريد أن استقي هنا بعض العبر من جداتنا اللواتي اعتبرن تحرر المرأة قضيةً تعني الرجل كما تعني المرأة وتعني المجتمع أيضاً وهذا ما ميّز حركة التحرر النسائية العربية عن حركاتٍ مماثلة في العالم حيثُ قرأتُ الكثير لجداتنا اللواتي توجهنّ إلى الرجل في موضوع تحرير المرأة وموضوع الأسرة وموضوع تربية الطفل والموضوع الاجتماعي. إذاً أرجو أن لا نعتبر أن الموضوع يخص النساء فقط وإنما هو موضوعٌ يخص النساء والرجال والمجتمع والدولة على حدٍّ سواء لأنه موضوعٌ حضاريٌ ووطنيٌ قبل كل شيء. وأودُّ أن أعطي لمحة سريعة عن نضال المرأة العربية في مجال التحرر قبل أن أنخرط في الموضوع الأساسي.
ليس صحيحاً أن تحرر المرأة بدأ في الغرب في الستينات والسبعينات من القرن الماضي فقد أجريتُ بحثاً عن الصحافة النسائية العربية منذ القرن التاسع عشر والقرن العشرين ووجدتُ أن النساء العربيات كان لهنّ مساهمةٌ بالغة في جهود تحرر المرأة في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، تخيلوا أنه قبل بداية الحرب العالمية الأولى في القرن العشرين أصدرت النساء العربيات في العالم العربي خمساً وعشرين مجلةً تعنى بتحرير المرأة. هذه المجلات تمتلكها النساء، تحررها النساء وتوزعها النساء وكان الرجل دائماً إلى جانب المرأة فكلُّ من عملنّ في مجال تحرير المرأة من نظيرة زين الدين إلى هدى شعراوي إلى كل نسائنا كنّ لهنّ أبٌ أو أخٌ أو زوجٌ أو صديقٌ يدعم هذا التوجّه. إذاً إن ما قامت به المرأة من عمل تحرري هو لا شكّ عملٌ ساهم به الرجل إلى حدٍّ كبير ولدينا في أدبنا العربي رواياتٍ ومقالاتٍ وكتبٍ هائلة كتبتها النساء العربيات عن مواضيعٍ شتى حتى عن العلاقة بين الشرق والغرب والتحاور بين الشرق والغرب ففي عام 1892 – أي قبل نهاية القرن التاسع عشر- ذهبت فتاة سورية تجوب الجامعات الأمريكية وتلبس الفستان السوري وتدعو الغرب إلى تحرير نسائه لأن المرأة العربية وجدت نفسها في ذلك الوقت في موقعٍ متقدم بالنسبة لحقوقها. وقبل نهاية القرن التاسع عشر كتبت زينب فواز العاملية رسالةً إلى النساء الأمريكيات اللواتي يعنين بتحرير المرأة واللواتي أصدرنّ قراراً في ذلك الوقت في مؤتمر لهنّ أن عمل المرأة يقتصر على البيت والأطفال فكتبت زينب فوازالعاملية من جبل عامل من جبل لبنان إلى الولايات المتحدة تقول للنساء الأمريكيات أنه يجب أن لا تظلموا المرأة فالمرأة لها دورٌ سياسي ودورٌ اجتماعي ودورٌ علمي ويجب أن لا يقتصر دور المرأة على البيت والمنزل وتربية الأطفال.
أعطي هذه النفحات لأقول لكم أننا لا نعرف تاريخنا بالشكل الذي يجب أن نعرفه وأن تاريخنا مليء جداً بالعطاءات ولكن للأسف معظم هذه العطاءات لم تترجم إلى مناهجنا المدرسية فلذلك الكثير من طلابنا يجهلون هذه العطاءات وما قدمته المرأة العربية على مرّ العصور ففي كتابٍ كتبته عن الرواية النسائية العربية اكتشفتُ أن المرأة العربية قد كتبت الرواية قبل عقدين من كتابة أي رجل للرواية فكلنا قرأنا أن محمد حسنين هيكل كان أول كاتب للرواية العربية الحديثة في روايته “زينب” وقد نشرت هذه الرواية في عام 1914 والحقيقة أن زينب فواز وعفيفة كرم قد كتبن الرواية قبل نهاية القرن التاسع عشر. وفي عام 1914 كان هناك أكثر من عشرين رواية نسائية كتبتها نساءٌ عربيات، ولكن للأسف هذا ليس مدرجاً بالتاريخ الرسمي العربي. أقولُ هذا لأقول لكم كم علينا من العمل لكي ننصف تاريخنا وأدبنا ومجتمعنا.
أودُّ أن أركّز على أربع نقاطٍ أساسية اليوم لأصل إلى خاتمة هذا الحديث؛ النقطة الأولى هي صورة المرأة العربية في الغرب. النقطة الثانية هي صورة المرأة الغربية في البلاد العربية. الثالثة هي صورة المرأة العربية في البلدان العربية. النقطة الرابعة هي واقع المرأة العربية في التاريخ والأدب والسياسة والتناقض الصارخ لهذا الواقع مع صورة المرأة وأسباب هذا التناقض. ثم أختتم بالتحديات التي تواجه المرأة العربية وأسلوب معالجتها وضرورات هذه المعالجة الوطنية والقومية والمصيرية.
إذذا أخذنا صورة المرأة العربية في الغرب: كنتُ في عام 2000 أدرس في جامعة ميتشغن في الولايات المتحدة الأمريكية وكان لدي موقع أستاذ كرسي في جامعة ميتشغن أدرس الدراسات الشرق أوسطية والمرأة العربية مع زميلة لي اسمها جينيس تيري وكنا ندرّس من ضمن المنهاج كتابي باللغة الإنكليزية الذي صدر في العام 1991 ؟؟؟؟؟ وهو : Both Right and Left Handed: Arab Women talk about their Lives فجيم رآني الطلاب الأمريكيين أنني أمرأة عربية ولدي كتاب باللغة الإنكليزية وأدرسهم حسب المنهاج الأمريكي وأنا أعتقد أنني أحب التدريس- لا أريد ان أقيم نفسي لكني أحب التدريس وأحب طلابي- فسألني أخدهم “هل أنتِ أول أمرأة عربية تأخذ الدكتوراه وتصبح أستاذة جامعية؟؟” فقلتُ له في السبعينات درستني سيدات سوريات وهنّ أساتذة في الجامعات وفي كل مراحل حياتي كانت لدي المرأة في الريف أو في المدرسة أو في الجامعة كان هناك الكثير من السيدات اللواتي اعتبرهنّ قدوة لي ولكنني أجبته أيضاً بسؤال آخر. قلتُ له “من أين أخذت صورتك عن المرأة العربي؟؟ متى تشكلت لديك – كطالبٍ أمريكي- أن المرأة العربية هي غير قارئة وغير كاتبة وغير فاعلة؟” فقال لي “من أفلام الكرتون!! وأنا صغير تشكلت لي صورة عن المرأة العربية وعن التخلف في المنطقة العربية وعن الصحراء وعن عدم قدرة النساء أن يفعلن ويكنّ فاعلات. ومن ثم تممت أفلام الكرتون بأفلام هوليوود. وصورة العربي في هذه الأفلام كلها صورة سلبية. ولا يوجد لدي أي مجال أن أطلع على صورة المرأة العربية بصورة مخالفة فكل ما حولي من إعلام وأفلام يقول لي أن واقع المرأة العربية هو واقعٌ سلبي”. طبعاً هناك تاريخٌ طويلٌ للاستشراق الذي أجحف كثيراً بتاريخ المرأة العربية وهناك استهدافٌ لصورة المرأة العربية كما قلتُ لكم. وأريد أن أقول لكم أنني وجدتُ طفلين يلعبان لعبة كمبيوتر وهما متحمسان وهما يقتلان العربي الذي يسقط من الطائرة على أنه إرهابي، وهذا في سوريا. ألعاب صممت في الولايات المتحدة تستهدف العربي ويتم استيرادها ويلعبها أطفالنا وهم فرحون وهم يقتلون هذا العربي لأنه إرهابي غير مدركين ما هي الصورة التي تتشكل عند هؤلاء الأطفال عن هويتهم وعن انتمائهم ون عروبتهم. ما أريد أن أقوله هو أن عوامل تكوين الصورة السلبية للعربي وللمرأة العربية في الغرب هي عوامل كثيرة ومستدامة ومعقدة يقابلها عدم فاعلية عربية على الساحة الغربية وعدم وجود ما يدحض هذه الصورة في ذهن الإنسان الغربي فلذلك أتفهم وأقدّر جلّ تقدير ما قام به الرئيس الفنزويلي شافيز في العام الأخير بأنه أطلق أولاً محطة تلفزيونية لأمريكا الجنوبية تصنع الخبر وتصور الإنسان كما هو والآن أطلق مؤسسة سينمائية تصور الإنسان في أمريكا الجنوبية كما هو فعلاً وليس كتاجر مخدرات أو واحد من العصابات كما تصوره أفلام هوليوود. ما أريد أن أقوله أن هذا تحدٍ كبير لصورة المرأة العربية في الغرب وصورة العربي في الغرب وليس صحيحاً أن المجال ليس مفتوحاً للعمل ولتغيير هذه الصورة؛ المجال مفتوح لكنه يحاج إلى الأفكار ويحتاج إلى التمويل ويحتاج إلى الجهد ويحتاج أولاً وقبل كل شيء إلى الإيمان بالهوية وإلى الإيمان بالانتماء وإلى الإيمان بأن العمل يمكن أن يوصلنا إلى نجاحاتٍ هامة لمستقبل أجيالنا وليس فقط لنا. إذاً صورة المرأة العربية في الغرب هي صورة سلبية يحاول الإعلام الصهيوني أن يكرّس هذه الصورة وأن تبقى هذه الصورة موجودة في أذهان الجميع ونحن أيضاً جميعاً مقصرون في محاولة تغيير هذه الصورة.
صورة المرأة الغربية في البلاد العربية ليست بأفضل حالٍ بكثير. ففي هذا الكتاب الذي كتبته Both Left and Right Handed: Arab Women Talk about their Lives وقابلتُ به نساءً كثيرات من سوريا وفلسطين ولبنان والجزائر سألتُ كل أمرأة عربية قابلتها “ما رأيك بتحرر المرأة الغربية؟” وكل أمرأة عربية أجابت أننا لا نريد أن نحذو حذو المرأة الغربية ولا نريد أن نقلدها في تحررها وأن لنا طريقنا الذي نسير به. طبعاً ليس لي اعتراضٌ على هذا الأمر وأنا أؤمن أن للمرأة العربية طريقها الذي ينسجم مع ثقافتها ومع هويتها ومع حضارتها لكن المشكلة أن المرأة العربية أيضاً وضعت في ذهنها- والرجل أيضاً ربما- أن المرأة الغربية متحررة من كل القواعد والأخلاق وأنها مسؤولة حتى عن ارتفاع نسبة الطلاق في المجتمع الغربي وأننا نلومها على كل ما حدث للأسرة في الغرب من تفكك. من أين حصلنا على هذه الصورة للمرأة الغربية؟ كيف يكون الإنسان العربي الذي لم يسافر صورته عن المرأة في الولايات المتحدة مثلاً؟ يكون صورته أولاً وقبل كل شيء من الأفلام الأمريكية ذاتها التي تصوّر المرأة الأمريكية على أنها لا تهتم بالعائلة ولا تهتم بالأطفال وأنها أنانية وأنها تذهب إلى حيث تريد لترضي أنانيتها. إذاً نحن لسنا من ابتكر أو اخترع هذه الصورة ولكن انتاج الثقافة الغربي ليس مجحفاً بحق المرأة العربية فقط ولكنه مجحف جداً بحق المرأة الغربية. والأفلام التي تُبث عن المرأة الغربية لا تعطي الصورة المشرقة عن المرأة الغربية لا في الغرب ولا لنا هنا في الشرق. أي أن المرأة هي مادة للأفلام ومادة للإعلام ومادة للكتابة لكن المرأة لم تتحول لحدّ الآن لا في الغرب ولا في الشرق إلى من يقرر ما هي صورة المرأة، إلى من يخط هذه الصورة، إلى من يكتب هذه الصورة، إلى من يرسم هذه الصورة. ليست المرأة ذاتها هي من تقوم بهذه المهمة ولكن أناساً لديهم تصوراتهم وربما دوافعهم وربما أفكارهم السياسية – هذا إذا افترضنا لحد الآن المسرح الأكاديمي الثقافي الاجتماعي الذي لا تتدخل به السياسة- بعد أحداث الحادي عشر من أيلول هناك هجمة شنيعة على صورة المرأة العربية وعلى ما يمثله العرب والمسلمون بشكلٍ عام وهناك آلة إعلامية تضخ كل يوم الصور السلبية عن المرأة العربية والثقافة العربية والحضارة العربية بإسلامها ومسيحيها أيضاً، بنسائها ورجالها، ولكن أهمية موضوع المرأة اليوم هو أنه يلقى اهتماماً شديداً أنه يلقى اهتماماً شديداً بالغرب اليوم أي إذا حـُدِثَت القوانين بشأن المرأة، أو إذا أخذت المرأة دورها بشكلٍ فاعلٍ في العالم العربي فهذا يتمُّ استقباله في الغرب بشكلٍ أسرع بكثير مما يتمُّ استقباله بما يقوم به الرجل. أي أن هذا الوقت يمثل فرصةً أيضاً لكي تبرز المرأة العربية ولكي تأخذ دوراً فاعلاً على الساحة العربية ليست فقط لكي تلعب دوراً في أوطانها ولكن لكي تلعب دوراً في تحسين صورة العربي وتحسين صورة العرب في الغرب وهذا كله ممكن جداً إذا توفرت الإرادة وتوفر التمويل وتوفرت القناعة أن هذا ممكن. ربما إحدى أهم وأخطر المقولات التي بثها أعداؤنا في أذهاننا هي أن العرب لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً وأن الساحة الأمريكية والغربية هي حكرٌ على مؤيدي إسرائيل وأننا مهما فعلنا فلن نستطيع أن نغير رأي أحد وأن رأي الذين نستطيع تغيير آراؤهم غير مهم أما آراء المهمين فتبقى كما هي. وهذا حقيقة أسطورة غير صحيحة على الإطلاق وأنه من الممكن جداً أن نقوم بأعمالٍ تشرح هويتنا وتشرح قضيتنا وتشرح حضارتنا. أنا حين أقرأ الإعلام الغربي اليوم أجد الكثير من الأصوات التي تتعالى في الغرب تطالب بإحقاق العدل في فلسطين والعراق؛ أصواتٌ من جميع الأديان: اليهودية والمسيحية والمسلمين وهناك الكثير من الناس الذين يحاولون تأييد قضايانا ولكن علينا نحن أن نحمل هذه القضايا لهم. أرجو أن لا تتخيلوا أن هناك إنساناً يستمتع بمشاهدة أمٍ وابنةٍ وابنٍ يقتلون كما فعلت إسرائيل البارحة بأسرة فلسطينية قتلت الأم والابن والبنت التي عمرها ست سنوات، لكن الذي يحدث أن هذه الصورة لا تصل أي مكان؛ لا تصل إلى الولايات المتحدة ولا تصل إلى أوروبا وربما الخبر ذاته لا يصل. علينا نحن أن نحمل الصورة والخبر وأن نأخذها إلى عقر دارهم لكي نريهم ما يحدث في منطقتنا فالهم الإنساني واحد وإذا كانت هناك مجموعة متطرفة تحاول نصب العداء والكراهية للعروبة والإسلام فإن الغالبية من الناس هم أناس يبتغون العدل ويريدون السلام ويريدون أن يناصروا الحقّ حيثما كان.
لكن المشكلة التي نواجها أيضاً هي صورة المرأة العربية في البلدان العربية وهذا جزء أيضاً مسؤول عن صورة المرأة العربية في الغرب. ففي البلدان العربية غالباً إذا نجحت المرأة وأبدعت وأنجزت فتصبح استثناءاً عن القاعدة. أما إذا فشل الرجل فهو يمثل نفسه فقط، هو لا يمثل جميع الرجال، أما إذا نجح الرجل فهو يمثل جميع الرجال. هذه هي المشكلة حينما تكون المرأة غير موجودة بشكلٍ كبير وحينما تكون غير داعمة للمرأة الأخرى أيضاً فتنبعثُ صورٌ غير حقيقية عن مقدرات المرأة وعن مؤهلات المرأة. وأنا أجد التناقض الحقيقي بين هذا المفهوم وبين الواقع العملي الذي تعيشه بلداننا. فإذا ذهبنا إلى الريف السوري- وأنا ابنة ريف، تربيت بالريف- نشعر أن الحياة الإنسانية هي قائدة في مجتمعنا؛ أن المرأة تعمل وأن المرأة لها كلمة وأن المرأة لها الحق وأن المرأة موجودة في كل مكان في مجتمعنا، فمن أين أتت هذه الصورة أن المرأة لا تقود وأن المرأة لا تستطيع أن تعمل وأن المرأة هي أقل من الرجل. فأنا حتى في الدبلوم حين كنتُ أدرس دبلوم اللغة الإنكليزية- وهذه تجربتي- وجدتُ أنه في كل سنة لدينا على الأقل ثمان نساء وشابان فقط أو على الأقل عدد النساء اللواتي يأخذن معدل أعلى من ستين هو ضعف عدد الرجال والنساء يأخذن العلامات العليا في قسم اللغة الإنكليزية والآن حين أفكر بالنساء اللواتي درستهن في أوائل التسعينات- 1991، 1992، 1993- وجميعهن كن نساء مبدعات، يعني أعشق المقال الذي كتبنه أجد أنهن اختفين عن الساحة: تزوجن، أنجبن أولاد كما لو أن الزواج مهنة. فكما هو أن الزواج ليس مهنة للرجل فالزواج ليس مهنة للمرأة. الزواج هو أمر طبيعي وإنجاب الأولاد هو أمر طبيعي وهو مسؤولية اجتماعية وثقافية ولكنه ليس مهنة أن تتزوج المرأة وتجلس في البيت. حين كنتُ أربي أولادي وهن صغار كان يوجه لي اللوم من بعض الجيران أني أترك بناتي الصغار وأسافر وأني أجحف بحقهن وأن المرأة التي تجلس في المنزل تنتج أولاداً ممتازين لأن الولد بحاجة إلى الرعاية. الآن وبعد أكثر من 24 سنة من هذه التجربة أقول أن هذا الكلام غير صحيح وأقول أن الطفل يحتاج إلى قدوة. لا يحتاج إلى من يجلس معه 24 ساعة بل يحتاج إلى أمٍ قدوة وإلى أبٍ قدوة، يعني إذا قلت للطفل “لا تكذب” وأنت مارست الكذب فإن الطفل سوف يعرف أنك كذبت وسوف تكذب، ولكن الطفل إذا وجدك صادقاً دائماً فسوف يصبح صادقاً دوماً؛ أي أن الطفل لا يتعلم فقط مما نقوله له، الطفل ذكي، بل يتعلم مما نفعله نحن وأنا استطيع أن أقول أن وجود المرأة القدوة في البيت هو أمرٌ هام للأطفال وهو أمرٌ هام للرجال. وتخرجت ابنتي بجهد شخصي منها هذا العام بترتيب الأولى على كلية الهندسة المعمارية. يعني الحمد لله. فهذا أظهر لي أن الأم يمكن أن تعمل ويمكن أن تنتج ويمكن أن يكون الأولاد ممتازين في المستقبل. والحقيقة الدراسات تظهر أن الطفل الذي تعمل أمه يتمتع بمعنويات أعلى من الطفل الذي تبقى أمه في البيت، لأنكم إذا وضعتم أي شخص 24 ساعة في البيت فإنه سيصاب بالاكتئاب وسوف ينقل هذا الإكتئاب إلى الأطفال.
أنا أعتقد أن سوريا هي من الدول الهامة في تشغيل المرأة، أنا لا أعتقد أنه يوجد في العالم قوانين تقول أنه في كل مكان تشغيل وفي كل مكان عمل يجب أن يكون هناك حضانة كي تصطحب الأم أولادها إلى الحضانة ويبقى معها كل النهار وتعيده معها إلى المنزل وهناك حضانات بسعر رخيص فالسيارة تأخذ الأطفال وتعيدهم إلى المنزل. صدقوني هذه خدمة غير موجودة في بلدان كثيرة وغنية في العالم فكان الهدف من هذه القوانين التي وجه بسنها الرئيس الراحل حافظ رحمه الله هو إخراج المرأة إلى العمل وكانت له رحمه الله مقولات مشهورة جداً أن المجتمع لا يجب أن يعمل بنصف أعضائه وأن المجتمع يجب أن يعمل بكامل قوته وبكامل أعضائه.
إذاً أريد أن أقول أن واقع المرأة العربية ونضالها السياسي هو فاعل جداً فأنا تحدثت إلى الكثير من النساء اللواتي عاصرن الاحتلال الفرنسي فعرفت أن المرأة العربية كانت تلعب دوراً نشطاً جداً في مقاومة الاحتلال، وتلعب دوراً ربما لا يستطيع الرجل أن يلعبه، أي أنها تكمل الرجل. أنا حين أتحدث عن المرأة والرجل دائماً لا أتحدث من أفضل ومن أقل ومن أكثر، لا. هناك دوران مختلفان للمرأة والرجل قد يختلفان وقد يتلاقيان والفرق هو بالأداء، لا يوجد أي فرق من هو أفضل ومن هو أقل سوى بأداء المرأة والرجل للدور الذي يعملانه. فلذلك حين كانت تقوم الثورات في سوريا ضد الانتداب الفرنسي كانت النساء يبتدعن التجارب ويبتدعن الأعمال لمناشدة الثوار فكانت تأخذ المرأة طفلها والطفل لديه لعبة وتحشو هذه اللعبة بالأموال والدنانير الذهبية لكي تنقلها إلى الثوار وإلى المجاهدين. كان يأتي الرجل الذي يبيع الحليب فكانت تعطي هذا الرجل رسالة ينقلها إلى الثوار في الغوطة. هذه كلها تجارب وهناك المئات من التجارب التي لم يسجلها التاريخ عن الدور الذي قامت به المرأة العربية. تحدثت إلي نساء في الجزائر وحديثهن موجود في هذا الكتاب كيف أن المرأة كانت تلبس ملاية وتدخل إلى المستشفى وتخرج منه أمرأة أخرى ذات شعرٍ مفرود أو أنها تخرج رجلاً من الباب الآخر. ظلت المرأة في الجزائر تناضل لأكثر من عشرين سنة قبل أن ينتبه الاستعمار الفرنسي إلى أن المرأة الجزائرية تلعب دوراً في تحرير الجزائر. هذا كله من تاريخنا ولكن للأسف هذا كله تاريخٌ شفوي بحاجة إلى تسجيل وبحاجة إلى تأريخ وأن يدخل في المناهج الدراسية لكي يدخل الشبان والشابات أمثالكم أن يطلعوا على هذا التاريخ وأن يقتدوا به لأنه يزيد عزيمتهم وإيمانهم ببلدهم وبهويتهم وبثقافتهم.
ولذلك أقول أن صورة المرأة العربية حتى في البلدان العربية هي مختلفة عن الدور الذي تقوم به هذه المرأة العربية في هذه البلدان. إذا نزلنا الآن إلى مكان وإلى أي مؤسسة نجد أن المرأة العربية تلعب دوراً هاماً في إدارة مؤسسات الدولة في كل مكان ولكن حين يرتفع الأمر إلى حلقة أعلى نجد أن تمثيل المرأة ينخفض وهذا ليس مرده أن المرأة هي غير قادرة بل لأن عوامل كثيرة لم تسمح لهذه المرأة بالنفاذ إلى هذه الحلقة الأعلى وأهم هذه العوامل هو أن يكون الرجل مقتنعاً أن المرأة تلعب دوراً مكملاً لدوره وأنها تلعب دوراً هاماً في البناء الاجتماعي وفي البناء الوطني.
إذاً الصور للمراة كلها متداخلة سواء صورة المرأة في العالم العربي أو صورة المرأة في الغرب مع وجود من يلتقط السلبي عن الواقع العربي ويضخمه في الغرب ويتجاهل الإيجابي كلياً. يعني نحن لا نستطيع أن نصدر للغرب افضل ما لدينا لأن الغرب، أو بعض العناصر التي لا تحترم الهوية العربية أو التي تستهدف أصلاً الهوية العربية، تحاول أن تنتقي أسوأ ما لدينا. أنا كنتُ ألقي محاضرة مرة في واشنطن في مجلس العلاقات الخارجية ووجدتُ مجلة التايمز وعليها صورة لمرأة يقولون أنها سورية ومغطاة كلها بالسواد لا تبرز إلا أعينها، كنتُ رأيت هذه الصورة في سوريا والصورة هي لأمرأة إيرانية تزور مزار رقية في دمشق، وكان معي في المحاضرة رئيس تحرير مجلة التايمز فمسكتُ مجلة التايمز وقلتُ له هذه الصورة ليست لأمرأة سورية بل هي لأمرأة تزور مزاراً في دمشق ونادراً ما تجد هذه الصورة في دمشق فصورة المرأة في دمشق مختلفة تماماً عن ما تحاول أن تخبر به قراءك في المجلة. إذاً هناك انتقاء مستهدف لصورة المرأة العربية ولحضارة المرأة العربية ولكن لا يوجد تصدي حقيقي وكامل لهذا الاستهداف فهذا هو الدور الذي يجب أن نقوم به.
التحديات الراهنة، واختتم بها لكي لا أطيل عليكم، أقول أن أهم التحديات التي نواجهها اليوم هو ما تواجهه المرأة العربية في الجولان السوري المحتل وما تواجهه المرأة العربية في فلسطين المحتلة وما تواجهه المرأة في العراق وأعتقد أن الاحتلال يفرز أسوأ مفرزاته على نسائنا وأطفالنا وأن النساء في هذه المناطق المحتلة هن اللواتي يحاولن أن يبقى أسلوب الحياة مستمراً ومعقولاً وأن يبقى الناس قادرين على الصمود وعلى التصدي لهذه الحملة الشعواء التي تستهدف هويتنا وتاريخنا وأرضنا. وفي هذا الواقع يجب أن لا نجلس أمام التلفاز ونلفت وجهنا جانباً كلما مرت صورة لطفلة تستشهد في فلسطين وصورة لنساء يبعن كالعبيد في العراق بل يجب أن نسأل أنفسنا ماذا يمكن لنا أن نفعل. يجب أن نفعل شيئاً. كل واحد منا يجب أن يفعل شيئاً. قامت ست طالباتٍ فلسطينيات بتسجيل يومياتهن في رام الله وماذا يحدث له وثم خرجن إلى أوروبا وبدأن يسردن القصص في أوروبا عما يحدث لهن كل يوم وبعد فترة وجيزة أصبح هذا العمل العفوي أشهر عملٍ في أوروبا لأنه عبر عن معاناةٍ يومية صادقة لا يمكن لإنسانٍ في أوروبا أن يتخيلها. هذه المعاناة التي تعانيها نسائنا تحت الاحتلال يحاول الإعلام الإسرائيلي التعتيم عليها ويحاول أن لا يسمح للصحافة أن تقترب منها فلذلك إخراج هذه المعاناة إلى النور هي أمرٌ هام وإسماع العالم ما يحدث في منطقتنا هو أمرٌ في غاية الأهمية. وإذا لاحظتم فإن أسماء شهدائنا لا تكتب حتى في الصحف العربية بل تكتب أرقام: “استشهد اليوم عشرون أو عشرة..” دون أسماء ودون أن يقولوا لنا من هم هؤلاء وكأن ليس لديهم أمهاتٌ وأخواتٌ وأسرٌ وأزواج. يجب أن نخرج معاناة شعبنا من التجريد إلى الأنسنة وهذا ما حاولت إسرائيل أن تمنعه أي أن تجرد العرب من أي شيء يمكن أن يحدث تفاعل معهم. يقولون “قتل ثلاثة فلسطينيين مقاومين”، مقاومين لمن؟ ولا تكمل الجريدة العربية الجملة فلا تقول أنهم مقاومين للاحتلال الإسرائيلي وأن المقاومة هي أمر مشروع. وحتى التلفزيونات العربية تتحدث عن “اشتباكات” فحين قتلت إسرائيل قبل البارحة أربعاً وعشرين فلسطينياً قالت بعض التلفزيونات العربية أنهم قضوا في اشتباكات ومواجهات وكنا نرى على التلفاز الطائرات الإسرائيلية تسقط الصواريخ على المواطنين العزل فأية اشتباكات وأية مواجهاتٍ هذه؟ هذه هي اللغة التي صاغها لنا الإعلام الإسرائيلي وأخذت الجرائد والتلفزيونات العربية تقول “كما أفادت المصادر” أي أننا نحن العرب لسنا حتى مصدر الخبر الذي يخص أرضنا وحياتنا وشهدئنا. فإذاً هذا أيضاً جزء من التقصير الذي يجب أن لا يكون في هذا الوقت بالذات. نستطيع أن نفعل الكثير، نستطيع أن نتمسك بعروبتنا، بلغتنا، بشعرنا، بهويتنا وبحضارتنا وهذا ما يجب أن نفعله. وقد كانت المرأة دائماً هي التي تنسج الحضارة وهي التي تنقل هذا النسيج من جيلٍ إلى جيل فلذلك أعتقد أن تحسين صورة المرأة العربية وإعطائها حقها بيننا هنا وفي الوطن أولاً ومن ثم الانتقال إلى خارج الوطن لنحمل قضايانا معنا هو أمرٌ في غاية الأهمية في هذه المرحلة خاصةً وأن الغرب هو اليوم يركز على أداء النساء وعلى ما تقوم به النساء فلذلك يجب أن نستغل هذه الفرصة ليس فقط لكي ننصف من يقبعون تحت الاحتلال ولننصف الأسيرات والمخطوفات فعلاً في سجون الاحتلال. هناك أكثر من مئة أم في سجون الاحتلال وهناك منهن من ولدن في السجن وبقي أطفالهن في السجن دون حليب أطفال ودون غذاء أطفال ولم يسمع العالم بمعاناتهن. نحن الذين يجب أن نحمل هذه المعاناة إلى العالم وأن نقول أن هذا الجندي الإسرائيلي ليس مخطوفاً بل هو أسير لأنه أسر عن دبابته في أرضٍ محتلة. أما النساء والأطفال من فلسطين والجولان فهن مختطفاتٍ فعلاً لأنهن اختطفن من بيوتهن واختطفن من منازلهن، وهؤلاء الذين يجب أن نسمع أصواتهن للعالم.
في هذه المرحلة الصعبة يجب أن لا نيأس فنحن أبناءُ حضارةٍ عريقة وأبناءُ تاريخٍ طويل وقد أتى غزاةٌ كثر إلى هذه الأمة وذهبوا لأن هذه الأمة قاومت. منذ أسبوع افتتح السيد الرئيس بشار الأسد ترميم المرحلة الأولى من قلعة دمشق. كانت هذه القلعة سجناً للثوار أثناء الانتداب الفرنسي؛ ذهب الاحتلال وبقيت القلعة وبقي الثوار. هكذا يجب أن نفكر. ماذا لدى إسرائيل أن تفعل أكثر مما فعلت؟ تستطيع أن تقتل وتضرب وتكسر ولكنها لا تستطيع أن تنزع من قلوب العرب إيمانهم أن فلسطين هي قضيتهم الأولى وأنهم سوف يقاتلون إلى أن تتحرر فلسطين والجولان والقدس. يمكن لنا ان نفعل جميعاً حين يحترم الرجل المرأة وحين تحب المرأة الرجل وحين نكون صفاً واحداً، رجالاً ونساءً، في سبيل تحرير هذه الأمة. وشكراً لكم جزيلاً.
(عدة أسئلة -غير مسموعة- تمّ طرحها من بعض الطلاب الجامعيين)
الدكتورة بثينة شعبان: اسمحوا لي أن أبدأ بأخر سؤال لأن هذا في الحقيقة هو سبب تسميتي لكتابي: Both Right and Left Handed أي باليمين وبالشمال، أي أن المرأة عندما خرجت للعمل بدأت العمل ليس فقط بيدها اليمين بل اضطرت أن تعمل باليمين وبالشمال كي “تلحق شغل” (ضحك) تريد أن تلحق العمل في الخارج وفي الداخل. أنا كتبتُ هذا الكتاب أول مرة في عام 1988 وقتها فكرت أنه في عام 2006 لن نضطر أن نطرح هكذا سؤال لأني ظننت أن المجتمع يكون قد تجاوز هذه الفكرة ووضع الأسس العملية لعمل المرأة ولكن الحقيقة هذه مشكلة كونية ولذلك قلتُ بدايةً أنه لا بد أن يتوصل الرجل إلى قناعة بدور المرأة وهذا موروث اجتماعي، الحقيقة، وليس له علاقة بال بالدين ولا بالهوية، حتى في الدول الغربية يعني تختلف قليلاً وليس كثيراً. إذا نحن عدنا إلى الدين الإسلامي، باعتبار أن الدين الإسلامي يتهمه البعض في الغرب بأنه يحد من طاقة المرأة، يعني حتى في عهد الرسول (ص) كانت النساء يرسلن أطفالهن إلى الصحراء إلى المرضعات، أي أن المرأة ليس مطلوب منها وليس من واجبها أن تقوم هي بنفسها بإرضاع الأطفال إلا إذا أرادت هي ذلك. الأمور الخدمية هي ملصقة بالدين وبالعادات وهي لا علاقة لها بالدين. مثلاً خذوا موضوع الإرث: الكثير في الغرب يحتج أنه في القرآن الكريم ورد أن للذكر مثل حظ الأنثيين. طبعاً القرآن الكريم نظم هذه العملية أن الرجل هو الذي يفتح البيت وهو الذي يربي الأطفال وهو الذي يصرف حتى على العمة وعلى الخالة إذا لم يكن لهن من معيل. فحتى في هذا الإطار أن للذكر مثل حظ الأنثيين هو أمرٌ منصف، أي أن النصف الذي تأخذه المرأة هو لها فقط وليست مسؤولة عن شيء ولكن المشكلة ليست في أن نعطي المرأة مثل الرجل المشكلة هي في أن لا نعطي المرأة أي شيء على الإطلاق. يعني في الريف وفي كل الأرياف العربية هناك نساء لا يرثن على الإطلاق لأن العادة أن هذه الأرض هي “لـ بيت شعبان” فكيف سنعطيها “لـ بيت رمضان” هذا لا يصح، يجب أن تبقى لـ بيت شعبان. الموروث السلبي هو المشكلة حقيقةً فلذلك يجب أن نناضل ضدّ هذا الموروث السلبي ويجب أن نفرز بين هذا الموروث السلبي وبين الدين؛ الدين الإسلامي الحقيقي لا علاقة له بهذا والدليل على ذلك أن كل المناطق في سوريا مسلمين ومسيحيين لديهم نفس الواقع: نفس عادات الخطبة ونفس عادات الزواج ونفس عادات الإرث. هذا موروث اجتماعي لا علاقة له بالدين على الإطلاق. الحل الوحيد هو أن تأخذ المؤسسات الأهلية الحكومية الدور في التربية الاجتماعية: في الحضانات وفي رياض الأطفال وأنا أقول أن سوريا ذات تجربة رائدة في هذا الصدد وأننا منذ السبعينات نقوم بهذا الأمر ونحن بحاجة اليوم إلى توسيع وإلى انضاج وإلى تغيير المفهوم لدى الرجل ونحتاج إلى المناهج المدرسية فحتى لفترة قريبة كان الأطفال يدرسون “ماما تطبخ، بابا في الحقل” لكن الآن هذا تغير.
أعود إلى السؤال الأول: سألني الأخ “ما هو الحل؟”. أنا برأيي أنه يجب أن لا نفكر أن الحل هو بيد الحكومة أو بيد الدولة، كل واحد فينا يمتلك الحل وهذا ما قصدته حين قلت أن كل واحد فينا يجب أن يرى ماذا يستطيع أن يفعل، أن يقوم بمبادرة، أن يحاول أن يطرح فكرة وأن يجد الطريق لهذه الفكرة. إن سر نهوض المجتمعات الغربية أن المواطن حين تسير في حديقة وتقطف وردة فإن المواطن هناك لا ينتظر الشرطي أن يأتي إليه بل المواطن الآخر يحاسبك ويقول لك كيف تقطف وردة وهي ملك عام وهي ملك الوطن وملك المجتمع. يجب أن نتحلى بهذه المسؤولية جميعاً. ليس لدي حلول سحرية ولكني أحاول كشخص قدر ما استطيع في المجال الذي استطيع وأتمنى ان يقوم كل إنسان بما يستطيع في المجال الذي يستطيع، وحين يكون هناك مبادرة جماعية من شباب أو شابات لإنضاج فكرة معينة يمكن لهم أن يتجهوا لأي جهة للمساعدة في إنضاج هذه الفكرة. أنا أعتقد أن فكرة المسلسلات هي فكرة هامة. يعني وضع المسلسلات عن الوضع الإيجابي المرأة صدقوني أن هذه المسلسلات لها تأثير في العالم العربي هذه الايام أكثر من الكتب وأي شيء آخر يمكن أن نعمله. فلذلك التوجه إلى هذه المسلسلات وإلى من يكتب هذه المسلسلات ومن يخرج هذه المسلسلات بأفكار إيجابية بناءة عن وضع المرأة والرجل هو أمر هام أيضاً. أي استغلال كل المنصات التي يمكن لنا أن نستغلها. أنا معك في أنه يجب أن نركز على أصالتنا العربية وعلى مجتمعنا. في الحقيقة وكما تلاحظون هناك هجمة لتيأييس العرب فمنذ خمس سنوات أو ست سنوات بدأت هجمة لإنهاء التفكير بالاحتلال الإسرائيلي وأنا منذ أسبوع كتبت عن شابة عربية في واشنطن وما قالته لي. أنا ذهبت لأتحدث في الـ ADC في واشنطن ولأعرض صور عن الطفلة غالية التي قتل أهلها جميعاً على شاطئ غزة فقالت لي شابة عربية “أرجو أن لا تكوني قادمة لتتحدثي عن فلسطين، وأن الحكومات العربية أخذت من فلسطين ذريعة لكي لا تتحدث عما يدور في داخل هذه البلدان”. أنا أعتقد أن أكبر مؤامرة هي إلغاء نظرية المؤامرة في العالم العربي. كيف يمكن لنا أن ننسى الحديث عن فلسطين بحجة أننا نريد الحديث عن الديمقراطية؟؟ هؤلاء الوزراء وأعضاء البرلمان في فلسطين منتخبون وفق أنزه أسس الديمقراطية التي شهد بها الرئيس الامريكي كارتر وهاهم الآن مختطفون معتقلون في سجون الاحتلال الإسرائيلي وها هو الغرب الذي ينادي بالديمقراطية لا يحرك ساكناً ولا يدين هذا الاختطاف. أنا لا أقول أنه ليس لدينا الكثير من العمل لكي نعمله في واقعنا ولكن نعمله من منطلقاتنا نحن ومن أولوياتنا نحن ومن أولويات شعوبنا. وأنا أعتقد أن الأصالة العربية واللغة العربية اليوم هي في قمة دائرة الاستهداف وأننا يجب أن نعي ذلك وأن نركز على ذلك وأنا كنتُ اليوم مع نائبة السيد الرئيس السيدة نجاح العطار أتحدث عن المقاومة الثقافية في المغترب وهذا ما يجب أن أفعله فليس هناك من مجال لأحدثكم بما أقوم به ولكن أحاول أن أقوم بأقصى ما أستطيع في هذا المجال وأتمنى من كل شخص أن ينظر إلى نفسه في المرآة ويقول ماذا فعلت ويحاول أن يفعل لأن الوطن هو ملكٌ للجميع ومن واجبنا جميعاً أن نحاول الدفاع عن الهوية.
أما السؤال عن ثقافة النميمة وغياب الدور العربي فأنا أريد أن آخذ هذا الموضوع بمنحى جدي وأقول أن أحد هذه الأسباب هو عدم وجود التقييم العلمي للأشخاص وعدم وجود التقييم العلمي للمؤسسات. فأنا حين أعمل في جامعة ويقيم انتاجي العلمي بشكل عادل ومنطقي وأصبح أستاذة أهم من الأستاذ الذي لم ينتج لا أضطر أن أزور أحداً ولا أن انمّ على أحد ولكن إذا كانت الزيارة والنميمة سوف تجعل من أستاذاً ما أستاذاً أفضل من الأستاذ الآخر فإنه سوف يلجأ إلى هذا الأسلوب. وأعتقد أننا نحن الآن بحاجة إلى نظم تقيمية لأعمالنا تحكم على الأشخاص وعلى عملهم بعيداً عن الآراء الاستشارية. برأيي أن هذا أمر خطير ويجب أن نقاومه ومقاومته يجب أن تكون بشكل علمي لكي يفرز التقييم من هو الأفضل ومن هو الذي يعمل بشكل ممتاز ولا يستطيع شخص تحديد من هو الأفضل دون الارتكاز إلى هذا الأسلوب التقييمي. نحن بصدد وضع أسس في مؤسساتنا الحكومية للتقييم وأن يكون كل موظف له سجل يقيم وفق هذا السجل، يرفع أو لا يرفع، ينقل أو لا ينقل إلخ.
بالنسبة للسؤال عن دور الإعلام الحقيقي والعفوي: في الحقيقة نحن في وزارة المغتربين نحاول أن نقيم مخيمات شباب يأتي الشباب والصبايا من المغترب يتعلمون اللغة العربية وشبابنا هنا يتحدثون إلى زملائهم في المغترب. أنا أعتقد أن التبادل الشبابي هو أمر في غاية الأهمية خاصةً وأن الشباب لهم دور فاعل لتحقيق هذا الهدف.
بالنسبة لسؤال الأخت رجاء عن الموروث الاجتماعي وما أخذنا من هذا الموروث فأنا أقول أن هذا الموروث الاجتماعي الذي أحياناً طغى على الموروث الديني الحقيقي، يعني هناك أحياناً جزء سلبي من الموروث الاجتماعي فيكرث هذا الجزء السلبي نتيجة عدم معالجته. حين نكون نحن فاعلين كشباب وشابات نحاول أن نطلق هذا الموروث الإيجابي ودائماً هناك من عليه أن يكون أول شخص كي يعبر الجسر. يعني الأمر بحاجة إلى شجاعة وإلى أن نكون صادقين مع أنفسنا وأن نكون صادقين مع مواضيعنا وأن نتحدى الصعوبات. أنا لا أقول أنه لا يوجد صعوبات بل يوجد صعوبات ولكن بالنتيجة إذا الإنسان قام بفعلٍ جيد ومدروس وله نتائج جيدة فحتى لو كانت الآثار الآنية آثاراً سلبية ففي المستقبل ستكون لهذه الآثار إيجابيات. يعني حين كان نيلسون مانديلا يكسر الأحجار في جزيرة روبن أيلاند لسبعة وعشرين سنة كنا نحن، وأنا كنتُ طالبة، نقوم بمظاهرات في لندن لإطلاق سراح نيلسون مانديلا وقتها لم يكن أحد يعتقد أن نيلسون مانديلا سوف يصبح ممثلاً لضمير البشرية ربما كان من الأسهل عليه كشخص أن يقول أن اللون الأبيض هو أفضل من اللون الأسود وان يكون عاش حياةً مترفة وقدمت له مغريات كبرى حين كان مناضلاً ضد نظام الفصل العنصري ولكنه لم يفكر بنفسه بل فكر بالقضية ولأنه فكر بالقضية صار هو عظيماً كعظمة القضية. يعني أن نبدأ من قضايا وأن نحسب القضايا لا أن نفكر بماذا يفكر هذا وبماذا يفكر ذاك وماذا أجني من هذه القضية وأن لا أتصرف كما يتصرف صغار العقول. هناك بيت شعر يقول :
إذا رضيت عني كرام عشيرتي فلا زال غضبان علي لئامها
أي يجب أن يكون هدفنا إرضاء الكرام والوطنيين وليس إرضاء الصغار .
وشــكراً جزيــلاً لكــم