مكان المحاضرة: البيت العربي – مدريد
التاريخ: 28/10/2008
اسمحوا لي في البداية أن أتقدم بالشكر الجزيل للأخ والصديق العزيز برناندينو ليون. الحقيقة بأني أشعر بأنه أخ لي وأنا سعيدة بأنه يحتل موقعاً مرموقاً وسيكون له مستقبل مرموق أكثر لا شك لدي بذلك منذ أن كانت علاقتنا بالخارجية كنت أتوسم به ذلك الشاب المتفهم جداً لعلاقات الشرق والغرب والعلاقات الدولية والقادر على تمثيل اسبانيا في المحافل الدولية وعلى خلق الجسور مهما كانت الأوقات صعبة. والحقيقة بأني لا أستطيع أن أرد له الجميل، نحن التقينا في أيام العطل والأوقات الصعبة والسهلة أنا اشكره على الدعوة لي فأنا أتيت لمؤتمر في برشلونة وأنا أشكره وأشكر البيت العربي والسيدة خيمّا وسعادة السفير السوري في اسبانيا السيد مكرم عبيد والسادة السفراء العرب على دعوتي لهذا اللقاء الهام، أولاً، لا أسميها محاضرة، نحن لا نحتاج أن نبرهن على العلاقة العربية الاسبانية فالتاريخ والحضارة والأشياء المشتركة كثيرة لكنني أتذكر بشكل دقيق مفاوضات ما قبل مؤتمر مدريد وكانت هناك اقتراحات لمدن معينة من أجل احتضان مؤتمر السلام بين العرب واسرائيل، وأن السيد الرئيس حافظ الأسد رحمه الله اعتبر أن وجودنا في مدريد أمر أساسي وهام لأن مدريد تمثل للعرب شيئاً مطمئناً ومريحاً ومحباً أيضاً ومن هنا أتى اختيار مدريد كعاصمة احتضنت عملية السلام ولا بد لي ايضاً التوجه بالشكر للحكومة الاسبانية وعلى رأسها جلالة الملك خوان كارلوس وسعادة السيد رئيس الوزراء ثاباتيرو لأنهم في أوقات الشدة والصعوبة في عام 2005 – 2006 وحين كانت الهجمة على أشدها وحين لم يكن احد ليتجرأ على التحدث ضد تيار الرئيس بوش كانت أبواب اسبانيا مفتوحة وبقي رئيسها يزورنا ونحن نزورهم، نحن لا ننسى هذا الموقف لأن هذا الموقف يحظى باحترامنا ومحبتنا جميعاً. هذا يعبّر عن رأي الحكومة السورية والشعب السوري أيضاً الذي يكن كل المحبة والمودة للشعب الاسبانيّ.
ما أريد أن أتحدث به اليوم هو أن نسأل بعض الأسئلة في وقت اعتقد بأن العالم يتوقف وقفة مع الذات ويوحه بعض الأسئلة التي من الضرورة بمكان، وأنا واثقة بأن الكثيرين يريدونني أن أتحدث عن آخر ما حدث لسورية وهو الهجوم الشنيع الذي شنته القوات الأمريكية على أناس أبرياء لكنني سأترك هذا الأمر لنهاية المطاف لأوضح لماذا وصلت الأمور إلى هنا.
سوف أتحدث عن نقاط معينة: سورية والغرب، العرب والغرب، سورية وعملية السلام وعما آلت إليه الأمور. أنا سعيدة أن نلتقي بهذه اللحظة، أريد أن أذكركم بأن علاقة سورية بالعالم الغربي كانت خلال الثلاثين عاماً الماضية اشكالية لأن مواقف سورية ليست مواقف تقليدية أو سهلة. فمنذ أن نشبت الحرب العراقية الايرانية في ثمانينيات القرن الماضي، أخذت سورية موقفاً لوحدها بالوقوف ضدّ صدام في هذه الحرب لأن صدام يلام لبدئه الحرب وهذا الموقف تفردت به سورية بين الدول العربية، ولم يكن موقفاً سهلاً لأنّ سورية ضدّ الحروب وصدام شخص يريد الحروب والعنف ثم أتى احتلال صدام للكويت وموقف سورية مع قوات التحالف لأننا ضد العدوان والاحتلال. وكأن لسورية دور مفتاحي في عملية السلام وجيمس بيكر أتى مرة خصيصاً للرئيس حافظ الأسد وقال له ليس لدي أي شيء لأعمله سوى أن اشكرك لأنه لولا موقفك لما تمكنا من الاتجاه لمدريد وعقد مؤتمر مدريد.
هذه المواقف تعطي سورية استقلالية، وسورية ضدّ العدوان دائماً. من منكم قرأ كتاب بيل كلينتون أو كتاب دينيس روس أو ألبرايت يرى أن سورية خلال العشرة سنوات الماضية في عملية السلام صادقة ومقدامة بالتوجه نحو السلام ولكن باراك في عام 2000 قرّر أنه لا يستطيع أن يوقّع اتفاقية سلام وأنه سوف يذهب لانتخابات مبكرة وهذا ما سجله بيل كلينتون في كتابه أن اللوم لا يلقى على سورية فسورية تريد السلام. أذكر أننا في شباط عام 2003 سافرنا أربع مرات لمجلس الأمن في حين كانت تجري مسرحيات في مجلس الأمن عن قدرة الجيش العراقي وأنه رابع جيش في العالم وعن أسلحة الدمار الشامل العراقية وبعد الحرب أتى لنا كولن باول وطلب من الرئيس بشار الأسد مطالب محددة، تعرفون الثقة الأمريكية لا أريد أن أسميها أكثر من ذلك. طالبونا أن نغلق مكاتب حماس وأن نقطع علاقتنا مع حزب الله وايران.
طبعاً سورية بلد مستقل وذا سيادة ولا تقبل من أحد أي املاءات، رغم صعوبة الموقع عندئذ كما قال لي برناندينو اليوم في الصباح بأنه من السهل اليوم بأن نقول أشياء عن الرئيس بوش لأنه ذاهب ولكن في العام 2004 – 2005 لم يكن من السهل لأي رئيس دولة أن يقول لا لأمريكا وترفض تغيير خطها السياسي. تذكرون خطاب الرئيس الآسد عام 2005 في جامعة دمشق حين قال بأن المقاومة أقل ثمناَ من الاستسلام وكان ذلك خطاباً مفاجئاً للغرب فلا يستطيع رئيس دولة أن يتحدث هكذا.
هذا تاريخ المواقف السورية ولكن بنفس الوقت سورية كانت جزء فاعل في صياغة مبادرة السلام العربية في قمة بيروت عام 2002 وكانت جزءاً هاماً من مؤتمر مدريد للسلام ولم تتردد من أخذ أي فرصة تعود بالسلام الشامل والعادل ونحن كانت نظرتنا في مدريد أن السلام إن لك يكن عادلاً وشاملاً فلن يكون دائماً، فهل السلام شامل وعادل أم أنه جزئي ولا يلبي الحقوق، هذا هو السؤال. أنتم تذكرون اتفاق أوسلو وخريطة الطريق وأنابوليس كلها اتفاقيات اعتقد شخصياً أنها صنعت لكسب الوقت فقط. كنتُ جزءاً من مفاوضات السلام وشعرت بأن ما تريده اسر ائيل هو كسب الوقت فقط لنشر المستوطنات وتهجير الفلسطينيين وقضم الأراضي وهذا ما يحصل. الواقع يتغير كل يوم لما فيه مصلحة اسرائيل. أنا سميت جدار الفصل العنصري بجدار المياه لأنه يلتف حول أي بشر وأرض خصبة وهو ليس جداراً أمنياً أبداً. يجب أن تعود الحقوق لأصحابها. وكان شعار سورية دائماً في مفاوضات السلام أنه لا يجوز تحقيق الأمن على حساب أمن الطرف الآخر وأنتم ترون اليوم بأننا نحن العرب نحتاج للأمن، نحن بلد له جيش وحكومة ودولة ومع ذلك تأتي المروحيات الأمريكية وتخترق أجوائنا وتقتل أناس أبرياء، نحن نحتاج للأمن وما لم يكن السلام عادل فلن يكون دائم.
سورية بلد يريد السلام والاستقرار والأمن وهذا بديهي، من يريد الحروب نحن نعيش بهذه المنطقة، الحروب لا تأتي بالسلام لا أحد يتحدث عن الثمن الذي دفعه العراق بسبب الحرب، أربع ملايين نازح، مليون ونصف عراقي في سورية، سبعون بالمئة منهم نساء وأطفال، كانوا نساء عاملات ومهندسات والآن تضطر بعضهن لبيع اجسادهن لاطعام أولادهن. إنها جريمة كبرى بحق الشعب العراقي لذلك يجب أن نأخذ من هذا درساً لنقف جميعاً ضد الحروب، يجب أن نتفاهم ونرى بعين واحدة ولهذا السبب تتطلع سورية للموقف الأوربي لأنه يفهم حضارة العرب وخاصة اسبانيا وفرنسا ولكن للأسف فمنذ الحادي عشر من أيلول أصبح هناك أمران: توجه ضد العرب والمسلمين وكأن العرب مسؤولون، وثانياً تقسيم العالم إلى نحن وهم، نقتلهم في بيوتهم قبل أن يقتلونا.
سأسوق هذا المثال ليس لأني في مدريد، فقد ذكرته في تشاتم هاوس عام 2005 في لندن حين حدثت اعتداءات 11/3 في مدريد. كان بعض المفجرين من المغرب ومع ذلك توجه ثباتيرو للمغرب فيما جورج بوش حاول محاربة الدول والعالم التي فيها بعض الاشخاص الأرهابيين. لم تتغير الحكومة الاسبانية فموقف بعض الأفراد لا يعبر عن موقف البلد، فالمقاربة كانت خاطئة من الولايات المتحدة.
اليوم نحن نرى خمسة وزراء خارجية سابقون يقولون بأن على الولايات المتحدة أن تغير سياستها لتنقد سمعتها وما تبقى من هيبتها بالعالم.
سورية كانت من البلدان التي حاولت الولايات المتحدة عزلها باستخدام حجج وذرائع كلبنان، معظم العائلات السورية لها امتداد في لبنان والعكس صحيح، عندما اعتدت اسرائيل، كان لدينا نصف مليون لاجئ، لم نضع خيمة واحدة، كلهم ذهبوا لبيوت أصدقائهم واخوانهم.
بالنسبة العراق استقبلت الولايات المتحدة ستة آلاف لاجيء بينما سورية استقبلت مليون ونصف، نحن لنا لغة وحضارة وتاريخ واحد، قد نحتلف قليلاً ولكننا نبقى أهل وجيران.
مشكلة الادارة الأمريكية مع سورية هي أن سورية مع نهج المقاومة والسلام، وهو نهج لا يعني الاستسلام. عندما انتصرت المقاومة في لبنان حياها الرئيس الأسد لأن كل بلدان العالم فيها مقاومة مشروعة تحييها شعوبها. مشكلتنا الأساسية هي عدم وجود الاعلام الدقيق الذي يعطي حقيقة الواقع. سقط شهداء كثر من الاعلاميين على خط النار وقد كان في الاعوام الأخيرة سياسة تستهدف بعض الاعلاميين الموضوعيين المتنورين. إن الضحايا من الاعلاميين أصبح رقماً عالياً جداً ومن اليوم الذي اخترع فيه مصطلح Impeded Journalism أصبح لدينا مشكلة بالاعلام الذي يصل للناس فهو اعلام موافق عليه من قبل السلطة ولا يعكس الحقيقة. نحن نسمع بالأخبار أن 12 من طالبان قد قتلوا ثم نسمع في اليوم التالي أن 8 نساء واربع أطفال قتلوا. ماذا نعلم عن الحقيقة في أفغانستان وما يجري هناك؟
إن الصعوبات الموضوعة في وجه الاعلام هو أمر مخطط له والارهاب أصبح أكثر انتشاراً، لا أعلم إن كان هذا الأمر يجري عن قصد أو عن غير قصد لكنني أعلم بأن هذا الأمر قد أحدث غربة بين العالمين العربي والغربي وفتح المجال واسعاً للارهابيين والمتعصبين في العالم. نسمع دائماً في العالم العربي عن صدام حسين وياسر عرفات وكأن الشعوب غير موجودة، نضالنا ضدّ التعصب قديم ولم يبدأ بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ويبدو وكأن العالم العربي مليء بالارهابيين أو يجب أن يكون خاضعاً للولايات المتحدة للولايات المتحدة للتخلص من الارهابيين.
نحن لسنا بحاجة لوصاية أجنبية ويجب أن نتعامل بمستوى واحد من الاحترام للنفس والثقافة، وتبدو العولمة وكأنها وضعت سمتاً للتصنيف الثقافي إذا أكلت ماكدونالد وشربت كوكاكولا فأنت انسان معولم وإن أكلت برغل بحمص وشاورما فأنت لست انساناً جيداً ولست حضارياً. هذه مشكلة فنحن شعوب لدينا ثقافتنا ولدينا كل أنواع الفنون وهذا لا يلغي حبنا للانفتاح على العالم ولكن على ان تكون لنا هويتنا وحضورنا وعلى ألا يصنف من يتحدث العربية وكأنه إنسان من الدرجة الثانية. العدل اساس الملك ويجب على الانسان أن يشعر بأته يعامل بشكل عادل، والعولمة يجب أن تتخذ شكلاً جديداًَ وهو احترام الآخرين. الجميع يحتفل بالاستقلال ولكن يجب أن نحتفل أيضاً ب Inter-independence أي أننا مستقلون ومعتمدون على بعضنا البعض بشرط التكافؤ والاحترام. هذا ما يحتاجه العالم اليوم لينس المظالم التي وقعت عليه. إن معظم الشعب الأمريكي يرى هذا الآن لذا هو يحاول أن يحدث تغييراً في بلاده لصالح الانسانية.
لماذا اذا هاجمت الولايات المتحدة سورية، أنا أعتقد بأن هذا تعبير عن إفلاس الادارة الأمريكية، لقد حاولت عزل سورية وثنيها عن علاقتها مع إيران ومع حزب الله ومع العرب وأوربا، طبعاً ساركوزي وموراتينوس وسولانا، الكل يتطلع لعلاقة دائمة مع سورية. هذه الادارة تحاول أن تعطي إنطباعاً وكأنها ما زالت مستمرة في محاولاتها لعزل سورية. وحين يقول مسؤول في الولايات المتحدة بأن هذا حادث بسيط ولا يحب أن نضخم من أهميته! كيف يكون حادثاً بسيطاً حين يقتل أب وثلاث من أبناءه؟ كيف يمكن لبلد يؤمن بحقوق الانسان أن يقتل 10 أشخاص أبرياء ويقول بأن هذا حادث بسيط وغير مهم؟ هذا الحادث هو آخر برهان على أن هذه الادارة قد عبرت عن افلاسها وتريد حفظ ماء وجهها. سورية كانت دائماً بناءة وتتطلع للمستقبل وتحاول دائماً بناء أفضل العلاقات مع البلدان العربية والأوربية لما فيه مصلحة الأمن والاستقرار ومصلحة البشرية.
وأختتم بكلمة وحيدة بأن الديمقراطية هي وسيلة وليست غاية بحدّ ذاتها، وسيلة لسعادة الانسان ولمستوى معيشي معين: هل استيقظ كل يوم لأفكر من سأنتخب؟ أم استيقظ وأنا أريد بلداً آمناً وطريقاً أمناً لي ولأولادي وأريد مدارس لاولادي؟ يجب أن تكون الديمقراطية للارتقاء بحياة الناس وليس للتدمير والحروب والقتل والنزوح باسم الديمقراطية. ما نريده هو الكرامة الانسانية والمستوى الراقي لحياة الانسان. أنا لدي ثقة كاملة بأن الشعب الأمريكي برمته يتفق معي اليوم بأننا يجب ان نتطلع لمستقبل خالٍ من الحروب والاستيطان، تتنافس فيه الشعوب على الازدهار وتحقيق المستقبل الأفضل لنا ولكم وللبشرية جمعاء.
وشكراً لكم..