محاضراتمحاضرات اغترابية

 أمام ممثلين عن جمعيات الصداقة السورية – الألمانية -في حفل عشاء في ألمانيا 

19 حزيران 2004

 

أيتها السيدات، أيها السادة،

يسعدني أن أكون معكم هذا المساء في هذه المدينة الجميلة، و بشعورٍ ألمانيٍ عربيٍ جميل نحتفي به جميعاً. و أريد أن أقول لكم أنني أشعر بشيء من الغرابة أنّ أحداً يترجم لي لأنني عملت عشر سنوات كمترجمة  و أنّ مكاني الطبيعي هناك و ليس هنا (تصفيق شديد).

إننا نلتقي اليوم لنحتفل بالعمل العربي الألماني و بالصداقة العربية الألمانية و أني لأعتقد أن مثل هذا العمل المشترك هو المنقذ الوحيد لعالم اليوم. فربما نمرّ جميعاً في كل أنحاء العالم في مرحلةٍ صعبة، أصبح الخطر يهددنا في كل مكان و أعتقد أنّ الحل الوحيد هو إعادة بناء العلاقات الشخصية السليمة، و المعلومات السليمة أيضاً بين كل الدول.

منذ حوالي عقدٍ من الزمن و مع ثورة المعلومات تخيّل البعضُ منّا أننا ربما سوف نعتمد على التقنيات الحديثة و لن يكون هناك حاجة للسفر أو اللقاء لشخصي. و أنا اليوم كوزيرةٍ للمغتربين أسافر طيلة الوقت و سوف أقولُ لكم لماذا. لأنني أشعر كأمرأة عربية أعيش في سوريا في منطقة الشرق الأوسط أنني حين أقرأ الإعلام، و خاصةٌ الإعلام الأمريكي، عن منطقتنا أشعر أنّه يتحدثُ عن منطقةٍ أخرى و عن شعبٍ آخر لا علاقة له بنا. و خاصةً بعد أحداث الحادي عشر من أيلول فقد تمّ تبني لغةٍ سيئةٍ لنا جميعاً بحيث تمّ وضع العرب و المسلمون في خانة الإرهاب و في مواجهة الغرب و هذا وضع أخطر من أحداث الحادي عشر من أيلول لنا جميعاً. و تمّ تعميم صفة الإرهاب على العرب و المسلمين. و تمّ تصوير الضعف السياسي أحياناً و كأن العرب و المسلمين ليس لديهم حضارة أو ثقافة و كأنهم أيضاً لم يساهموا في الحضارة و الثقافة الإنسانيتين. و أنا أبتسم أحياناً حين يتحدث الأمريكيون عن تمكين المرأة في الشرق الأوسط. ففي عام 1892 عقد مؤتمر للنساء في مدينة شيكاغو في الولايات المتحدة و اتخذوا قراراً أن النساء يجب أن يقتصر عملهن على المنزل فقط. و تلقى المؤتمر رسالةً من زينب فواز العاملية في لبنان تنبّّه النساء الأمريكيات أن المرأة تتمتع بعقل و قلب الرجل و أنه لا يجب أن يقتصر عملها على المنزل فقك.

فنحن في القرن التاسع عشر كان هناك في العالم العربي نهضة نسائية عربية تطالب بحقوق المرأة، و قبل الحرب العالمية الأولى كانت هناك خمسة و عشرون مجلة نسائية تصدرها و تكتبها و توزعها نساءٌ عربيات. و لذلك ما أريد أن أقوله هو أن الهجمة على منطقتنا لا علاقة لها بالديمقراطية و محاولة صنع السلام بل هي هجمة تستهدف الأرض و استلاب الحقوق.

و في عالم اليوم أرى الحلّ الوحيد هو العمل مثل هذا العمل الذي تقومون به؛ أي هو بناء الجسور و خلق الصداقات و العمل المشترك بيننا جميعاً.

و أنا كوزيرةٍ للمغتربين كنت و لمدة عشرة أيام في الولايات المتحدة الأمريكية أرى أبناءنا المغتربين و قد طلبت منهم جميعاً  و اليوم تحدّثنا أيضاً هنا أن تكون كل الروابط السورية في كل مكان هي روابط صداقة مع الشعوب حيث يتواجد السوريون. و أنا أتذكّر الرئيس الراحل حافظ الأسد رحمه الله كان حين يتحدث إلى المغتربين السوريين يقول لهم يجب أن تكونوا مخلصين للأوطان التي أنتم موجودون بها أيضاً و بذلك تكونون مخلصين لحضارتكم العربية.

نحن لا نرى تناقض على الأطلاق أن يكون السوريون الموجودين هنا ألماناً يحرصون على مصلحة ألمانيا و يحبّون ألمانيا و يخدمون ألمانيا بكل طاقاتهم. و بين كونهم سوريين فخورين بحضارتهم و ثقافتهم و أدبهم. و نؤمن أن الإختلاف يغني كلينا و أنّ الحوار هو الطريقة الوحيدة من أجل بناء الجسور و من أجل بناء علاقاتٍ أفضل بين الدول.

و لن أطيل عليكم و لكني أريد أن أختم بالقول أن المشكلة الأساسية التي نواجهها اليوم  و خاصةً في منطقتنا العربية أنّ لغة الإختلاف و لغة العنف قد انتصرت بنظر البعض على لغة الحوار. و لذلك ما نستطيع أن نفعّله سوياً، و أريد أن أتشكّر السادة و الأساتذة جميعاً على كل ما يقومون به لأن بناء هذه الجسور و بناء العلاقات مع الطلاب و مع الأساتذة و الحوار المستمر هو الإسلوب الوحيد الذي يمكننا من أن نجعل هذا العالم أفضل لنا جميعاً. و إذا كان منطق مجموعة من الإرهابيين هو استخدام العنف فإن الردّ يجب أن يكون بتعاون جميع الشعوب و جميع الأعراق و جميع الأديان لعزل من يمارس العنف. و نحن في الشرق الأوسط  نرى الفرق الواضح بين النهج الأمريكي و بين النهج الأوروبي. و نرى في مواقف ألمانيا مواقف متزنة و مواقف متفهمة للحضارة العربية و المواقف العربية. و أعتقد أن ما فعله رئيس وزراء اسبانيا يبرهن على ما أقول حينما ذهب و زار المغرب كأول زيارة له رغم أن بعض الإرهابيين الذين قاموا بتفجير الحادي عشر من آذار هم من الجنسية المغربية.

ما أتطلع إليه هو أن نستمر بالعمل سوياً جميعاً و أشكركم مرةً أخرى على كل جهودكم، و أؤكد أن سوريا تؤمن أن الحوار هو الإسلوب الوحيد لبناء الجسور و لنسج العلاقات بين الدول

وشكراً لكم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى