محاضراتمحاضرات عن المرأة

“المرأة و دورها في السلم و الحرب” – كلمة في مؤتمر “قمة السيدات الأوائل العربيات”

 9 آذار 2004

الدكتورة فاديا:

صباح الخير مجدداً، إن الذي أعرفه عن معالي الوزيرة بثينة شعبان، و القليل الذي أعرفه يشاركني به الكثير من النساء العربيات. و قد رأيتها تتقدم تدريجياً و بثبات. كانت مقربة جداً  من المغفور له القائد الراجل حافظ الأسد. و كنا نراها في جلسات سياسية كبرى و في المحافل الدولية. أرجو من معالي الوزيرة أن تتفضل بالكلام.

الدكتورة بثينة شعبان:

شكراً جزيلاً دكتورة فاديا. صباح الخير أيتها السيدات أيها السادة. سوف أستعرض معكم بعض النقاط التي أرجو أن تكون موضع نقاش بيننا، لأنني أعوّل على الحوار أكثر ما أعوّل على ما في ذهني. هناك ثلاثة محاور لما أود أن أطرحه؛ أولاً دور المرأة في مراكز اتخاذ القرار بشكل عام. ثانياً دور المرأة  في اتخاذ القرار في النزاعات المسلحة و علاقة هذا الدور بمفهوم العدالة و الكرامة. و في هذا الدور أريد أن أقول أن دور المرأة في مراكز اتخاذ القرار في العالم هو دور هام لكنه لم يتبلور لحد الآن إذا ما استثنينا الدول الاسكندنافية.  و أريد أن أعترض على الفرق الكبير الذي يتصوره البعض بين المرأة العربية من جهة و المرأة الغربية من جهة أخرى. و كأن المرأة الغربية قد احتلت دورها تماماً في مراكز اتخاذ القرار، لكن هذا غير صحيح. فإذا استثنينا دول الشمال نرى أن نسبة تواجد المرأة في مواقع اتخاذ القرار في الدول العربية و الأوروبية و أمريكا هي نسبة متشابهة و تتراوح بين 10 إلى 11%. أي أنه لا يوجد هذا الفرق بين المرأة في الشرق و الغرب و أن من يحاول أن يقدم إلينا لتمكين المرأة نستطيع أن نجيبه أن نساءنا العربيات بدأن بتمكين أنفسهن و نشر مجلاتهن و النضال في سبيل حقوقهن على الأقل بمئة عام قبل النساء الأخريات. فنحن فخورات بما قدمته جداتنا و نحن نسير على طريقهن في مجال تمكين المرأة. و أيضاً هذه نقطة هامة أن من يحاول في بلادنا أن يشعرنا أن محاولاتنا لتمكين المرأة هي محاولات قادمة من الغرب. أي أننا نحن كنساء مثقفات حين ندعو لتحرير المرأة أننا نتبع بدعة غربية، و طبعاً هذا غير صحيح لأننا نحن في تاريخنا نساءنا كنّ موجودات في مواقع القرار. فإذا أردنا أن ننتقل من هنا إلى دور المرأة في النزاعات المسلحة و لماذا تسليط  الضوء على هذا الدور فإنني أريد أن أشير إلى كل أوراق العمل البارحة و ما تحدث به الدكتور غسان سلامة أن المرأة أولاً و الطفل هما المتضرران الأوليان  في كل احتلال و في كل حرب  و نزاع مسلح. الأمر الآخر هو أن تجربة المرأة و قدرتها على الصمود تغني النضال الوطني و ربما تكون عاملاً أساسياً في النضال الوطني. فلولا تشبث المرأة  الجنوبية، و أنا أتيت إلى الجنوب عام 1984 و قابلت نساء لبنانيات مناضلات بعد احتلال الجنوب و أعلنوا ثقة كبيرة على تشبثهنّ بالأرض و على مقاومتهنّ الاحتلال و على رفضهنّ  ترك قراهنّ أو بيوتهنّ. و أنا أقول أن هذا الوعي و هذا التشبث النسائي بالأرض و بالبيت كان عاملاً أساسياً في التحرير و في الصمود. فلذلك مساهمة المرأة هذه هي مساهمة قيّمة. و قالت لي الكثير من النساء اللبنانيات أننا تعلمنا من تجربة أختنا الفلسطينية و أننا لن نغادر بيوتنا مهما بلغ الثمن. و الآن نضال المرأة الفلسطينية و تشبثها بتراب الوطن و قبولها بالتضحية تلو الأخرى هي عامل أساسي في الصمود و إنشاء الله في مستقبل فلسطين و تحرير فلسطين. إذاً المرأة  تلعب دوراً هاماً في أوقات السلم و الحرب، و أنا أريد أن أؤكد على ما قاله زميلي غسان سلامة  أن المرأة مواطنة قبل كل شيء لذلك هي تستطيع أن تلعب دوراً في السلم و دوراً في الحرب و لذلك لا يستطيع أحد أن يقول لماذا المؤتمرات النسائية!!  و إذا كان الرجال لا يستطيعون أن يفعلوا شيئاً فماذا تستطيعون أنتم أن تفعلوا؟؟  و نحن نقول أننا مساهمات في كل شيء. في السلم و الحرب و الإقتصاد و السياسة و في كل مجال. و من المداخلات التي أبدأ الآن باستعراض بعض النقاط على Power Point و أقول أنني ما فهمته من المداخلات القانونية البارحة هو أننا كعرب مقصرون جداً في مطالبة العالم بمحاكمة من يرتكبون جرائم حرب بحق النساء و الأطفال. و أننا لا نستطيع أن ننتظر العالم ليأخذوا لنا حقوقنا. و أهيب بجميع المنظمات الأهلية و رجال و نساء القانون أن يبدأووا بالتفكير برفع قضايا ضد مجرمي الحرب الذين يرتكبون الجرائم ضد أطفالنا و أهلنا و نساءنا في فلسطين و الجولان المحتلين.  و إذا قال لي أحدهم أن المحاكمة ضد شارون في لاهاي لم تتقدم فأقول ارفعوا قضيةً ثانيةً و ثالثةً و مئة و يجب أن نرفع قضية كل يوم و أن لا نيأس مهما تعثّرنا بل أن نستمر في العمل.

إذاً انتهاك حقوق المرأة في النزاعات المسلحة و تحت الإحتلال يجب أن تعتبر جرائم حرب. و إذا لم تكن النصوص القانونية لهذه العقوبات موجودة فعلينا نحن أن نوجد هذه النصوص التي تنص على هذه العقوبات. و كما رأيتم البارحة أن النساء و الأطفال يشكلون ثمانين بالمئة من ضحايا جرائم الحرب.

خلال أوقات النزاعات المسلحة و الاحتلال، و نحن نأخذ من تاريخنا، رأينا أن دور المرأة يصبح حاسماً و قد أخبرتني الأخت عفاف من السودان أن هناك في السودان نساء يعتبرن محكمات و أنهنّ يستطعنّ أن يثرنّ المشاعر للحرب. و أنا حين زرت قبيلة الطوارئ في جنوب الجزائر قالوا لي أنه حين أتى الاستعمار الفرنسي عام 1905 خرجت النساء من خيمهنّ  و بدأنّ يقرعنّ الطبول و يرفضنّ أن يبقى أي رجل في خيمته. يجب أن يهب الرجال للزود عن حمى القبيلة و عن حمى الوطن. و  هنا تلعب المرأة دوراً هاماً في إثارة همم الرجال من أجل الدفاع عن الوطن كما تلعب المرأة دوراً هاماً في تحقيق السلام العادل و الشامل.

إذاً، هناك ضرورة لزيادة مشاركة المرأة على مستوى صنع القرار في حل النزاعات ليس كي تأنيث النزاع و ليس لأن المرأة مستعدة أن  تكون مهادنة أو لينة و لكن لأن المرأة لها وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظر الرجل و هذا أمر طبيعي لأن تجربتها مختلفة، لأن تكوينها مختلف، لأن حساسيتها مختلفة.  و هي تكمل دور الرجل كما هو يكمل دورها.

و النقطة الأولى هي ما هو موقع النساء في مراكز اتخاذ القرار قبل حدوث النزاع؟؟ إن تواجد النساء في مواقع صنع القرار قد يساهم في تجنب النزاع أو التخفيف من حدته و ذلك كما قلت لأنه يساهم في إعطاء وجهة نظر مختلفة. هذا إذا قدمنّ النساء إلى مواقع صنع القرار، هم قادرات أن يحملن معهنّ قيمهنّ و أفكارهنّ. و أنا أريد أن أنوه إلى أنه لحد الآن فإن المرأة غالباً ، و إذا استثنينا الدول الاسكندنافية، فإن المرأة تحاول أن تتأقلم مع الذهنية الموجودة في مواقع اتخاذ القرار.  و أنا أقول أن البداية الصحيحة هي ان تأتي المرأة إلى مواقع اتخاذ القرار بذهنها و أخلاقها و مفاهيمها و تجربتها، و أن تري العالم أن هذه التجربة مختلفة و أنها هامة للرجل و الدولة و العالم.

إذاَ يمكن للمرأة قبل حدوث النزاع إذا ما جلبت تجربتها معها أن تؤثر بشكل أفضل في ثقافة السلام و أن تحاور بشكل أفضل. فالمرأة بطبيعتها هي محاورة و مفاوضة. فهي تفاوض طفلها في بطنها أن يهدأ و تحاوره بعد أن يولد، و تحاور الزوج، و تحاور المجتمع و هي محاورة بتكوينها.

النساء في مواقع صنع القرار أثناء النزاعات : إن الانتهاكات التي ترتكب بحق النساء تتضاعف. تقدم النساء أقصى أنواع المساعدة والدعم لمجتمعاتهن. و أنا أقول أكثر من ذلك أن المرأة هي التي تحتفظ و تحافظ على أسرتها و قبيلتها و مجتمعها أثناء النزاعات. تخيلوا رجالاً  أثناء النزاعات بدون النساء. المرأة الفلسطينية اليوم هي التي تمسك خيوط المجتمع الفلسطيني من طعام و إيواء و حتى مساندة نفسية. أنا أقول حتى بتحمل الألم أن المرأة هي القادرة على الصبر أكثر و على بث الصبر في قلوب الآخرين أكثر. أي بعكس الصورة التقليدية و كلنا نتذكر نساءً  قادرات على تحمل الصبر. و ليس على سبيل العبث قول الرسول صلى الله عليه و سلم قال “للرجال قلوب النساء في القتال”.  أي لأن قلب المرأة هو أقوى من قلب الرجل.

و بالرغم من ذلك فليس للنساء دور في انهاء النزاعات المسلحة.  و أنا سألت أمرأة فلسطينية “هل تعامل الإسرائيليون مع النساء بطريقة أقل وحشية  من الرجل؟؟” فكان الجواب طبعاً لا. تعاملوا بنفس الوحشية مع النساء و الرجال و نساءنا من فلسطين و من لبنان و من الجولان يشهدنّ على التعامل الوحشي معهنّ. أي أن المرأة تدفع ذات الثمن أو أثماناً مضاعفة في أوقات النزاع.

موقع المرأة بعد انتهاء النزاعات: يمكن للمرأة في مواقع اتخاذ القرار أن تعزز من الوسائل السلمية و من الحوار من أجل انهاء  النزاع المسلح. يمكن للمرأة أن تترجم الدور القيادي الذي أخذته أثناء النزاع إلى دور عملي في القيادات، و هذا للأسف ما لم يحدث في عالمنا العربي حتى الآن. أي في الجزائر على سبيل المثال و بعد استقلال الجزائر التقيت بنساء جزائريات و سجلت هذه المقابلات في كتاب. فبالرغم من النضال الذي ناضلته المرأة الجزائرية و عاشت على الجبال و في الوديان و في السجون و ساهمت مساهمةً فعالة حين تمّ استقلال الجزائر ذهبت النساء الجزائريات في كل أنحاء الجزائر و صغنّ دستوراً خاصاً بالنساء، و لكن القيادة الرجالية رفضت أي من هذا الدستور و وضعتهنّ تحت القيادة الجبرية في بيوتهنّ . و أنا أقول أنه ربما لو أن القيادة الرجالية في ذلك الوقت أخذتها بعين الاعتبار و صاغت الدستور لما وصلت إليه الجزائر الحبيبة إلى ما وصلت إليه اليوم من مشاكل. أي لا بد بعد انتهاء النزاع المسلح من ادماج النساء في كل مواقع اتخاذ القرار.

كما قلت كثيراً ما تدخل النساء في مواقع اتخاذ القرار بآمال عريضة و لكن بشروط الرجال فقط و على المرأة أن تدخل. ليس المهم فقط أن يكون لدينا في البرلمانات عشرة بالمئة أو عشرين بالمئة أو خمسة و عشرين بالمئة، لكن المهم هو أن تأتي المرأة بتجربتها و تفكيرها و رأيها و ان تصر عليه لأن به خدمة للمجتمع ككل. لا أن تحاول التأقلم مع الذهنية الموجودة من أجل الحفاظ على الكرسي.

و طبعاً الكثير من النساء في مراكز اتخاذ القرار يتم اشعارهنّ أنه غير مرحب بهنّ.  و لكن من أجل المستقبل و من أجل الوطن على المرأة أن تصر وتتحمل و تحاول تغيير الذهنية من الداخل.

سألت امرأة فلسطينية من يقرر؟؟ قالت لي كامرأة فلسطينية أشعر أن الأمور تقرر لي دائماً. أشعر أنني لم أسيطر يوماً حتى على أكثر الأمور شخصيةً بالنسبة لي.  نحن علينا أن نكون صاحبات قرار في مجتمعاتنا و في بيوتنا و في أنفسنا و في مواقع القرار التي نحتلها. تحدثت عن المرأة الجزائرية أنها عادت إلى البيت و لم تأخذ موقع القرار.

الآن، الفقرة الأخيرة، دور المرأة في مواقع صنع القرار و علاقة هذا الدور بصنع العدالة و السلام. أنا أقول بادئ ذي بدء أن الاحتلال و الاستيطان هما نقيضا العدالة و السلام. أي لا يمكن لنا في عالمنا العربي، و لا في أي عالم، أن نحقق العدالة و السلام طالما أن الاحتلال و الاستيطان موجودين. و لا بد من تحرير الانسان و تحرير الارض كي نحقق العدالة و السلام. على المرأة في مواقع اتخاذ القرار أن تسلط الأضواء على معاناة الأطفال و النساء  تحت الاحتلال. و أنا أقول نحن كنساء سياسيات علينا أن نتكلم لغة مختلفة وأنا حين أتكلم عن معاناة المرأة الفلسطينية أتحدث ماذا يعني أن يهدم بيت. و قد تحدثت في ذلك للإعلام الأجنبي و قلت أطلب من كل واحد منكم أن يتصور ماذا يعني أن يهدم منزله. يعني أن هدم الذكريات، يعني اغتصاب الماضي. يعني أننا اصبحنا إنسان بلا ذاكرة. يمكن لكل إنسان أن يتخيل هذا و يجب علينا أن لا ننخرط باللغة الانشائية التي يتحدث بها الآخرون، بل أن نتحدث بالتفصيل ماذا يعني لامرأة أن يقتل طفلها، ماذا يعني لامرأة أن يسجن زوجها دون وجه حق. هكذا يجب أن نتحدث بلغة تخبر العالم بتفاصيل مشاعر النساء. و هذا أمر يعزز من منطقنا و لا يقلل من قوتنا السياسية. و هذا المنطق هو أقوى سياسياً على إقناع الآخر. و يجب أن نتوجه إلى نساء العالم بهذه اللغة و نساء العالم يفهمنّ هذه اللغة تماماً. و أنا أصر أنه لا فرق بين امرأة غربية و امرأة شرقية. و هنا أريد ان أتحدث إليكم بحادثة طريفة. حين نشر لي أول كتاب في عام 1988 ذهبت إلى لندن و كانت هناك مجموعة من النساء البريطانيات يرغبنّ أن يناقشنّ كتابي. و كان مع كل واحدة من النساء البريطانيات نسخة من كتابي معها. فقلت لهم طالما أنكم قرأتم ما بداخل الكتاب أنا لا أريد التحدث ما بداخل الكتاب فإذا كان لديكم أسئلة فأنا جاهزة. فنهضت امرأة بريطانية ظريفة و قالت لي: اسمحي لي لا أعلم كيف أبدي لك برأيي، في الحقيقة أنا خجلة أنكم تبدون مثلنا. قلت لها و الله أنه لشرف كبير لنا أننا نحن مثلكم.  لا يوجد فرق في الحقيقة نحن كلنا أخوة في الإنسانية، و لا يوجد فرق في تجاربنا إلا بأشياء محلية و صغيرة.  و في كل مجتمعات العالم هناك أناس تناضل ضد تحرر المرأة، و هناك أناس تناضل ضد الظلم، و هناك أناس تناضل من أجل العدالة. و لا فرق بين المجتمعات إلا بالتجربة الثقافية و التاريخية. لا أرغب بتقسيم العالم إلى شرق و غرب  على الإطلاق.

إذاً أن نحمل اللغة النسائية ذات التفاصيل التي تعنينا إلى الرجال و إلى مواقع صنع القرار الرجالية و أن نتحدث بهذه اللغة و أن لا نخجل منها، لأنها لغة جميلة و تعكس الواقع و هي لغة ذات أثر على العالم. و أن نتحلى بالجرأة  مهما كانت الظروف. إذا كانت كلها متكاتفة ضدنا فنحن علينا أن نكون صوت الحق، و أنا أؤمن أن الناس شفافون و أنهم يدركون أين هو صوت الحق و يؤيدونه. و على المرأة أيضاً أن تعتمد الحوار كطريق أمثل لتحقيق العدالة و السلام. و على النساء استخدام مهارتهن كمفاوضات لنسج علاقات دولية أفضل. و أنا أصر على كلمة “نسج”  لأن المرأة التي نسجت هوية لبلادها من الحرير أو من القطن أو من الصوف  هي قادرة أن تنسج هوية لبلادها في السياسة و في الحوار السياسي.  أعتقد أننا إذا ما تحلينا بهذه الأمور، إذا ما كنا واثقات من أنفسنا، إذا ما دخلنا موقع اتخاذ القرار بهويتنا، بتجاربنا، بتاريخنا فإننا نستطيع أن نحدث تغييراً جوهرياً ليس لصالح المرأة فقط و إنما لصالح الوطن و لصالح المجتمع و لصالح الأسرة الدولية برمتها. و شكراً لكم

الشكر كل الشكر لإصغائكم الكريم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى