محاضراتمحاضرات في السياسة

المصطلح الإعلامي ودوره السياسي في القضايا العربية الراهنة – محاضرة

2004

 

محاور المحاضرة:

  • الإعلام بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وانعكاساته على الأمة العربية
  • الصعوبات والمعوقات أمام العمل الإعلامي العربي
  • لغة و أسلوب الخطاب الإعلامي العربي
  • المصطلح الإعلامي وأثره على القضايا والحقوق العربية

 

الاعلام بعد أحداث الحادي عشر من أيلول وانعكاساته على الأمة العربية

لقد تغير دور الإعلام بشكلٍ كبيرٍ جداً بعد انتهاء الحرب الباردة، وبشكلٍ خاص بعد أحداث الحادي عشر من أيلول. لقد باغتت هذه الأحداث الدرامية العالم العربي الذي لم يعدَّ العدّة لمواجهة تبعاتها وكان من المهم جداً فعل ذلك. فمنذ الساعات الأولى لهذه الأحداث  انتشرت الادعاءات بوجود مصحف وورقة مكتوبة بالعربية و بدأت أصابع الاتهام تمتد نحو العرب والمسلمين  لكي يدفعوا ثمن هذه الأحداث كائناً من كان الذي قام بها وهم – كما أعتقد-   الجهات المستفيدة اليوم والتي تجهز على الحقّ العربي وعلى الأرض العربية وتساعد على احتلالها.

أخذ  إعلامُ ما بعد الحادي عشر من أيلول اتجاهات جديدة و طرأت عليه أمور يمكن تحديدها و تسليط الضوء على آثارها على الواقع العربي كما يلي:

أولاً_  أصبح إعلام الدول الصناعية المتقدمة المسمى بـ “الإعلام الحرّ” إعلاماً مركزيّاً موجّهاً إلى حدٍّ بعيد، يعتمد في أفكاره وأساليبه على مراكز للأبحاث تدعي الاستقلالية إلا أنها بالأصل معدّة لتصنيع الفكرة و تصديرها ونشرها وإشاعتها وفق ما تختاره من أساليب. ووصلت هذه النزعة إلى ذروتها خلال الحرب على العراق حيث تم اختراع مصطلح  “embodied journalism”  الذي يشير إلى الإعلاميين المرافقين للقوات المسلحة أثناء عملياتها والذين تسهّـل  لهم القوات العسكرية الوجود وتضمن سلامتهم ليقدموا المادة الإخبارية التي يرتضيها القائد العسكري ويحرص على نشرها فلا يمر تقرير يكتبونه إلا ويُعرَض على القائد العسكري الموجود وهكذا أصبح الإعلام مسخراً لخدمة العمل العسكري وخدمة الاحتلال و خدمة تسويق ما يريد تنفيذه من مخططات.

ثانياً– استهداف الإعلاميين الصادقين المتميزين أصحاب القضية وتصُّيدِهِم في موقع الأحداث. يعمل هؤلاء الإعلاميون _ من منطلق الأمانة لرسالتهم – على إيصال حقيقة ما يجري على الأرض وإطلاع العالم على ما يُرتكب من جرائم وانتهاكات، إنهم يناضلون ليكونوا على أرض المعركة و لينقلوا الحقيقة وبذلك أصبحوا هم أنفسهم محاربين معنيين بالصراع فتم استهدافهم كي تغييب الحقيقة. والأمثلة كثيرة في العراق وفلسطين فقد رأينا كيف استُهدف إعلاميون أوروبيين إيطاليون وبريطانيون وعرب كان آخرهم الشهيدين علي الخطيب وعلي عبد العزيز من قناة العربية و آخرين من جنسيات أخرى وقتلوا كي لا تبلغ حقيقة الجرائم أسماع العالم  لأن الإخبار عن حقيقة ما يجري هو خطوة أولى لإحقاق العدالة.

ثالثاً– تكريس عدم التكافؤ في التغطية الإعلامية للأحداث في الأراضي العربية المحتلة من خلال الحظر والتقييد الفظيعين المفروضين على الإعلاميين ونشاطهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة. هذا الحظر تفرضه قوات الاحتلال الإسرائيلي (القوة المحتلة التي تتحكم بالدخول والخروج والحركة في الأراضي الفلسطينية). وبالطبع يُفتح المجال واسعاً أمام  كل أجهزة ووسائل  وكوادر الإعلام لتتواجد في ما يسمى بإسرائيل. و بهذا تحجب إسرائيل أسماع  العالم وأبصاره عما يجري في فلسطين المحتلة بينما تَستَنفِر الماكينة الإعلامية داخل إسرائيل وفقاً لاستراتيجيتها وخدمةً لمصالحها.

فعندما يُقَتل مثلاً فلسطينيون في الأراضي الفلسطينية المحتلة لا يغطى هذا الحدث إعلاميّاً بالشكل الذي يتطلبه حدث كهذا بسبب غياب الأجهزة الإعلامية  لذلك تبقى الحقائق غائبة . وعلى العكس حين تحدث أي عملية داخل إسرائيل تقوم مئات الأجهزة الإعلامية بتغطية هذا الحدث ليلاً نهاراً، ولذلك نشعر أن أي طفل إسرائيلي يقتل يسمع به العالم بأسره وتثور لأجله الدنيا ولكن مئات الأطفال الفلسطينيين يقتلون دون أن يتعرف حتى العرب على أسمائهم أحياناً.

رابعاً –  رسم إسرائيل  لخطط إعلامية و اتخاذها استراتيجيات عمل إعلامية تستفيد من أحدث تقنيات العصر و آخر ما وصلت إليه الأبحاث الإعلامية الحديثة. وأهم ما يميز هذه الاستراتيجيات هو التركيز على رسالة واحدة أو اثنتين وتوجيه الجهود الإعلامية لنشرها وتكريسها وبذلك تبقى الأمور الهامة في الواجهة ولا تضيع أو تغيب ضمن مجموعة أمور لا تأتي بنتائج.

فإذا أخذنا الخطة الإعلامية الإسرائيلية لعام 2002 وقد اطلعت عليها مصادفة، نجد أنها تركزّ على رسالتين أساسيتين أرادت إسرائيل وعملت بكل أجهزتها وأدواتها الإعلامية على ترسيخهما في أذهان العالم. الرسالة الأولى هي تغييب حقيقة الاحتلال أي عدم الكلام عن وجود احتلال للأراضي الفلسطينية والرسالة الثانية هي التحدث عن الإسرائيليين والفلسطينيين كطرفين متساويين وذلك لطمس حقيقة وجود قوة معتدية ومغتصبة هي إسرائيل  وشعب يعتدى عليه وتستباح أرضه و حرماته هو الشعب الفلسطيني.

المشكلة هي أن هذه الرسائل التي تهدف إلى  تقويض الحق العربي تتسرب و تنفذ إلى إعلامنا العربي ولغتنا الإعلامية وهنا تكمن الخطورة الكبرى . فإعلامنا العربي هو إعلام متلقٍ وغير صانع للخبر مصادره غير عربية  وهي وكالات الأنباء العالمية التي تصوغ الأخبار بلغتها ومصطلحاتها (وهي مصطلحات معوّمة لا تنقل الحقيقة بل تشوهها في كثير من الأحيان) وتبثها باستخدام التقنيات الحديثة عبر شبكة المعلومات ويعمل إعلاميونا على أخذ هذه الأخبار دون مراجعة وتدقيق بطريقة cut & paste وإدراجها وبثها كما هي عبر وسائل الإعلام العربي بمختلف أشكالها مستخدمين المصطلح واللغة المدسوسين والمصممين لتسطيح الحقائق وقلبها. الكارثة هي أننا نعتاد هذه اللغة ونستخدمها وكأنها اللغة الواقعية.  وقد لاحظنا في العام 2003 أن بعض القادة والمسئولين العرب بدأوا يتحدثون بطريقة: (على الفلسطينيين والإسرائيليين أن يفعلوا كذا) ، أي أنهم ساووا بين الطرفين وهذا أمر خطير جداً.

خامساً– أصبحت المعركة الإعلامية هي المعركة الأهم وهذه المعركة لم تعد في العالم فقط بل أصبحت في عقر دارنا و قد برز هذا من خلال توجه الصهيونية و الولايات المتحدة الأمريكية نحو العقل والفكر العربيين و تركيزهما على الأجيال العربية الجديدة كأهداف أساسية في حملتهم ضدنا.

فأطلقت الولايات المتحدة راديو سوا ومؤخراً قناة الحرة وأنشأت إسرائيل محطة عربية على شبكة الانترنت، وهناك حديث عن إنشاء محطة إعلامية للأطفال تابعة لقناة الجزيرة، وكانت المناهج الدراسية هي أول ما سعت قوات الاحتلال إلى تغييره في العراق و امتدت حملة المطالبة بتغيير مناهج الدراسة إلى بلدان عربية أخرى و بدأ بعضها يعيد النظر في مناهجه الدراسية! الهدف من كل هذه الخطوات  هو تكوين الأجيال العربية بطريقة تسلخها عن عروبتها وحضارتها وقيمها وهويتها الثقافية والفكرية وترويض هذه الأجيال  منذ الصغر كي تتنسى أي مصطلح له علاقة بالعروبة والحق العربي وهذه معركة خطيرة جداً، فأجيال تنشأ بهذه الطريقة لا يمكن لها أن تعي حقوقها وتدافع عنها.

تترافق هذه الحملات المنظمة الموجهة إلى الداخل العربي مع حملات أخرى لا تقل شراسة في الخارج تقودها أبواق صهيونية (كديفيد كيلروي في بريطانيا)  تتحدث عن العرب والمسلمين بوصفهم إرهابيين ليس لديهم أية قيم  أو حضارة.

قد يكون الواقع العربي الصعب و المرير باعثاً على التشاؤم، ينعكس تمزقه وعدم انسجامه سياسياً واجتماعياً  غياباً لاستراتيجية إعلامية عربية في وقت حربنا فيه هي- بالدرجة الأولى – حرب إعلامية ضد عدو ينجح في تحقيق توسعه وجرائمه من خلال توظيف مدروس لطاقات إعلامية هائلة ضد العرب وحقوقهم.

إلا أن هذه المعركة ليست معركة مستحيلة على الرغم من جسامة التحديات. إنها تتطلب إدراكاً لعظمة المسؤولية ودراسة وتحليلاً منهجيان للمعوقات والصعوبات التي تواجهنا في هذه المعركة  وبحثاً عما يمكن فعله وكيف يمكن فعله. وهذه النقطة غاية الأهمية لأنها تتطلب فهماً لطبيعة الجمهور الذي سنتوجه إليه و تحديد للغة والأسلوب الذين سيمكناننا من إسماع صوتنا وإيصال رسالتنا بأكثر الأشكال فعالية. ومن جهة أخرى تتطلب معركتنا إدراكاً لما يقوم به الآخرون لتقويض حقوقنا وطمس الحقائق المتعلقة بمنطقتنا وحضارتنا كي نتمكن من وضع آليات الرد والمواجهة.  هذا ما سنسلط عليه الضوء في الجزء التالي من هذا العرض.

الصعوبات والمعوقات أمام العمل الإعلامي العربي

بالنظر إلى الصعوبات التي تعترض العمل الإعلامي العربي نرى أننا نواجه عدة أمور هامة:

1-     الافتقار إلى مركز الأبحاث الحقيقية التي توفر الدراسات والتوجيه والخلفية الفكرية للعمل الإعلامي.

2-     غياب التمويل الحقيقي للعمل الإعلامي العربي. فالإعلام يتطلب تمويلاً كبيراً خاصة عندما نتحدث عن مخاطبة الغرب والولايات المتحدة. علينا أن نعترف، إذا أردنا أن نتصدى لهذه المعركة الإعلامية ، أنها معركة صعبة تحتاج إلى المفكرين وإلى الأموال وإلى الجهود والإخلاص لكي نحقق النجاح.

3-     العقبة الثالثة والتي علينا أن نتجاوزها قبل أن نبدأ هذه المعركة هي التخلص من  الفكرة التي بثتها الصهيونية في أذهاننا وقلوبنا وهي أن الغرب حكر لصلة القربة التي بين إسرائيل والولايات المتحدة على وجه الخصوص لا تسمح للعرب بالتحرك ولا يمكن لهم أن يفعلوا شيئاً لأن اللوبي الصهيوني يسيطر على مراكز اتخاذ القرار ومهما فعل العرب فإنهم لن يتمكنوا من فعل شيء. أستطيع بتواضع أن أقول أن هذه الاعتقاد هو أسطورة خطيرة زرعتها الصهيونية في أذهان العالم العربي لكي يصاب العرب بالقنوط قبل أن يبدأوا وذلك كي لا يتوجهوا، إلى حيث يجب أن يتوجهوا،  إلى المركز الأساسي لصنع القرار السياسي والإعلامي ويحاولوا إيصال وجهة نظرهم إلى حيث يجب أن تصل.

من خلال تجربتي في السنتين الأخيرتين بالذهاب إلى الولايات المتحدة وإلقاء المحاضرات في مراكز الأبحاث واللقاء بالإعلاميين، أستطيع القول أن إيصال الصوت العربي إلى الولايات المتحدة  هو أمر صعب يحتاج إلى تمويل ويحتاج إلى جهد  لكنه ليس مستحيلاً على الإطلاق.

والشعب الأمريكي شعب طيب و منصف وإذا أوصلنا إليه صوتنا وشرحنا له قضايانا فإنه يتفهم هذا القضايا ويميز بين الحق والباطل، إذ لا يمكن لإنسان أن يقبل بقتل طفل أو بهدم بيت أو باقتلاع شجرة زيتون.

ولكن علينا أن نفهم أمراً هاماً هو أن سيطرة الشركات الصهيونية العالمية على وسائل الإعلام في الولايات المتحدة هو أمر يعاني منه الأمريكيون أنفسهم. فقد اشترت هذه الشركات في السنوات الثلاث الأخيرة كل وسائل الإعلام المحلية في الولايات المتحدة (محطات الراديو ، الجرائد التي كانت تنشر في الولايات …….)  وأصبحت وسائل الإعلام هذه  ملكاً لشركات قليلة توجهها كما تريد لتبث  لها هذه الوسائل ما تريده من خلال مركزية إعلامية في كل أرجاء الولايات المتحدة.

هذا يقودنا إلى إدراك مهم آخر وهو أن المواطن الأمريكي  الذي لديه مشاغله حياته يعيش بعيداً عن هذه المنطقة  لذلك فهو لا يعرف شيئاً عن هذه المنطقة إلا ما تبثه له وسائل الإعلام. هذا إضافة إلى حقيقة أن الإسرائيليين يجوبون أرجاء الولايات المتحدة كل أسبوع يتحدثون في مراكز الأبحاث وفي الجامعات وفي الكنائس وللناس عما يجري في الأرض المحتلة وعما يجري في منطقة الشرق الأوسط طبعاً بهذا يبثونهم الرؤية والتصور الذي يريدونه عن قضايا منطقتنا،  فيجب ألا نلوم الإنسان الأمريكي لأنه لا يعرف شيئاُ عما يجري في هذه المنطقة.

وحتى 80% من أعضاء الكونعرس لا يعرفون شيئاً عما يجري في هذه المنطقة، وإنما موظفوهم يقولون لهم: صوتوا لهذا القرار ولا تصوتوا لهذا القرار. ولا يزالون يعتبرون إسرائيل أنها دولة مظلومة وبحاجة إلى أمن. نستطيع أن نقيس المسألة على أنفسنا على نحو مشابه:  فإذا ما تسائلنا مثلاً ماذا نعرف عن الصراع الذي دار في جورجيا أو هاييتي مؤخراً وعن ذهاب شفرنادزي أو أريستيد من الحكم …..هل نعرف شيئاً مختلفاً عما بثته لنا وسائل الإعلام؟

بالطبع لا نحن عرفنا كل شيء من خلال ما بثته وكتبته ونشرته ووجهته وسائل الإعلام، ولكننا لا نعرف حقيقة ما يجري هناك.

 

 لغة و أسلوب الخطاب الإعلامي العربي

اللغة والأسلوب التي على الإعلام العربي التوجه بهما للغرب مسالة في غاية الأهمية لها دور حاسم في النجاح أو الفشل في إيصال رسالتنا للغرب.

أننا من خلال لغتنا الإعلامية ننقل الكبرياء العربية إلى المستوى السياسي، أي أننا لا نتحدث بلغة يفهمها الآخر. فبدلاً من أن نقول “نحن الذين تهدد هويتنا ونحن الذين نعاني من الاقتلاع” وهذه حقيقة لأن يتعرض له الشعب الفلسطيني هو حرب إبادة، نتحدث عن قدرة الشعب الفلسطيني أن يقاوم، وقدرة الانتفاضة الفلسطينية أن تقاوم، وهذا كله صحيح ونحن نفخر به، ولكن يجب ألا نصدّر هذا الخطاب للغرب.  الخطاب الذي يجب أن نوجهه ونصدّره للغرب هو أن الشعب الفلسطيني هو كالهنود الحمر يعاني اليوم من حرب إبادة. والشعب الفلسطيني هو كالـ Aborigine يعاني من الترانسفير transfer ويعاني من الإبادةgenocide  ويعاني من الظلم ويعاني من القتل. ولكننا نحن لم نعتد هذه اللغة  بل ندع الكبرياء العربي يسيطر علينا.

هناك فرق بين أن نكون مؤمنين داخلياً بحقوقنا وهويتنا وبين اللغة التي يجب أن نتوجه بها إلى الآخر. اللغة التي يجب أن نتوجه بها إلى الآخر هي أننا نحن الذين نعاني من افتقارنا إلى الأمن، نحن الذين أراضينا محتلة، نحن الذين لا نمتلك السلاح، نحن الذين نُقتل كل يوم، نحن الذين تهدم بيوتنا و تقتلع أشجارنا. هذه هي اللغة التي يجب أن نتوجه بها للغرب بدون أن نخجل لأن هذه هي حقيقة ما يجري وهذه هي اللغة التي يفهمها الغرب والتي يستطيع أن يتعامل من خلال إدراكها مع الصراع العربي الصهيوني على حقيقته.

يجب أن ندرك أن للإعلام دوراً كبيراً جوهرياً في بلورة صورة صحيحة عن قضايانا في الغرب،

وما حدث لأهالي ناشطي السلام الشهداء توماس هيراندل وراشيل كوري وجيمس ميلر يري أن العمل الإعلامي له أهمية كبرى. طبعاً الجنود الإسرائيليون الحاقدون قتلوا ناشطي السلام هؤلاء لكي يخيفوا ناشطي السلام في العالم ولكي لا يأتي أي ناشط سلام إلى فلسطين ولكي لا يسمع العالم على الإطلاق بما يجري في فلسطين.

ولكن بدلاً من أن يؤدي هذا الأمر إلى هذه النتيجة التي رغبها جيش الاحتلال، وبفضل العزيمة والإرادة والإيمان لأسر هؤلاء الشهداء، خاصةًً توماس هيراندل وراشيل كوري، امتلأت الجرائد البريطانية بالحديث عن قتل توماس هيراندل: كيف قتل توماس هيراندل؟ لماذا أصيب برصاصة في رأسه؟ هل يمكن أن يصاب الإنسان برصاصة في رأسه أو يسحق جسد راشيل كوري بالجرافة الإسرائيلية بطريق الصدفة؟

طبعاً القتل و التدمير وكسر إرادة الفلسطينيين هي سياسة شارون والإسرائيليين، ولكن المهم هو أن يتم يفضح هذا القتل  (قتل توماس هيراندل أو راشيل كوري) على أنه قتل متعمد. هذا ما يجب على العرب أن يفعلوه، وطبعاً الفلسطينيون غير قادرين وليسوا بموقع يمكنهم من القيام بهذه المعركة الإعلامية العالمية، وهذه هي المعركة الحقيقية.

قد لا نستطيع أن نمنع عنصرياً صهيونياً من قتل طفل فلسطيني، لكننا  من مواقعنا كمحامين عرب أو مثقفين عرب أو إعلاميين عرب نستطيع أن نأخذ  قضية كل طفل فلسطيني إلى العالم، ونري كل أسرة وكل عائلة وكل أم أن قتل طفل هو جريمة لا تغتفر، وهو عمل يخالف وينتهك كل المواثيق والقوانين والتشريعات السماوية والأرضية. نستطيع أن نجعل من مأساة كل عائلة فلسطينية مأساةً يشعر بها العالم من أستراليا إلى أميركا هذه هي معركتنا اليوم و هكذا يجب أن نتحرك  فالإسرائيليون يعتمدون بالإضافة إلى أسلحتهم على صمتنا وعلى استكانتنا وعلى إيماننا بالقدر .

إن ما نحتاج إليه هو مراكز أبحاث إعلامية، استراتيجيات إعلامية، تمويل إعلامي، تفكير إعلامي.. كي يمثل الإعلام العربي مرجعية الحق العربي. الآن لدينا خطورة أن نفقد مرجعية الحق العربي إعلامياً.

وزيادة الشاشات الفضائية والجرائد لا تعني أي شيء بالنسبة لنا فما نحن بحاجة إليه هو فضائيات مختلفة تماماً عما هو موجود، فضائيات تكون مرجعية إعلامية عربية. الفضائيات الموجودة تكون في كثير من الأحيان منابر للإسرائيليين تعطيهم تتنح لهم الظهور عليها بحجة الموضوعية في الإعلام و إعطاء مساحة متماثلة.. هذا التذرع بالموضوعية والنزاهة لا معنى له على الإطلاق لأن الإعلام الغربي هو إعلام موجّه وهو إعلام مسيطر عليه وهو إعلام لديه مراكز أبحاث توجهه. هل يوجد إعلامي عربي يستطيع أن يظهر على التلفزيون الصهيوني؟

حتى عزمي بشارة و هو عضو كنيست ممنوع  من الظهورعلى التلفزيون الإسرائيلي!

لماذا على الشعب العربي أن يفهم ما يدور في إسرائيل وليس على أحد في العالم أن تفهم ما هي أصداء الجريمة الصهيونية في العالم العربي؟

هذا كله كلام لا معنى له، ولا يخدم قضيتنا العادلة.

 

     المصطلح الإعلامي وأثره على القضايا والحقوق العربية

أريد أن أسلّط الضوء على بعض المصطلحات الإعلامية التي يصممها الإعلام الصهيوني ويروجها عند الحديث عن القضايا العربية وذلك كي ندرك ونعي الدور السياسي الكبير للمصطلح الإعلامي و آثاره على صورة العرب وقضاياهم في العالم،  إضافة إلى فهم الآلية الإعلامية التي يعمد إليها أعداؤنا من خلال اللغة الإعلامية والمصطلح الإعلامي لتشويه الحقيقة وتقويض الحقوق.

ومع الأسف الشديد إن ما نراه ونسمعه على شاشاتنا هو ترجمة حرفية لهذه المصطلحات الآتية من الإعلام الصهيوني  يكررها الإعلام العربي دونما وعي أو تدقيق  وهذا بالفعل مصيبة للحق العربي.

أعتقد أن أخطر كلمة صممتها الصهيونية في الإعلام الغربي هي كلمة “ناشط” militant. تلاحظون في الأخبار التي تسمعونها أن كل الذين يستشهدون هم ناشطون، من الأطفال إلى النساء إلى الرجال إلى النساء. طبعاً هذه الكلمة أتت كي تبرر القتل الصهيوني لشبابنا ونسائنا وأطفالنا.

نلاحظ في فضائياتنا العربية “استشهاد ثلاثة فلسطينيين” بدلاً من أن نقول على الأقل “قوات الاحتلال قتلت ثلاثة فلسطينيين”. طبعاً غالباً ما نبحث عن أسماء هؤلاء الشهداء لكن لا نجد لهم أسماءاً ولا نعرف كيف استشهدوا.

مصطلح “الجدار العازل”، في الحقيقة إنه ليس “جدار عازل”، هذا الجدار مبني على أراضي الضفة الغربية ويبتلع أكثر من 45% من أراضي الضفة الغربية. من الأفضل أن نسميه “جدار الفصل العنصري”  أو  “جدار برلين الثاني” . لقد حارب الغرب طويلاً من أجل هدم جدار برلين فعلى الأقل يمكن لنا أن نخلق رابطاً بين هذا الجدار وبين جدار برلين الذي كان يكرهه الغرب، أي أن نستخدم اللغة من أجل الحصول على الموقف.

الكلمة الخطيرة الثانية بعد كلمة “militant ناشط” هي كلمة  “توغل” إسرائيلي “incursion”   لكي يعبّروا عن إعادة الاحتلال والاحتلال مرة ثانية وثالثة ورابعة.. لمداهمة البيوت وهدم البيوت، ولكن كلمة incursion  بالإنكليزية هي كلمة لطيفة ولا تعني على الإطلاق ما يقوم به الإسرائيليون من احتلالٍ بشع. وللأسف ترجمناها إلى العربية وبدئنا نستخدم كلمة توغل فدائماً نسمع في نشرات الأخبار “أعادت إسرائيل توغلها…”،  تراجعت إسرائيل عن توغلها وليس لدينا بعد كلمة سوى كلمة “توغل”.

الكلمة الخطيرة الثالثة هي كلمة “targets”   أي كلمة  “أهداف”  وهذه كلها قرأتها بالخطة الإعلامية الإسرائيلية لعام 2002 ولذلك سهل عليّ أن أتصيّد هذه الكلمات. حين نقول “أصاب صاروخ طفلاً فلسطينيا”  فهذا يعني الكثير للشارع الغربي الذي ليس له علاقة بالقضية، لكن حين تقول أن “هذه الصواريخ أصابت أهدافها”  “targets”   فأنت جردت هذا الهدف من إنسانيته، ونحن نعرف أن هذه الأهداف هي غالباً هي مدنيون فلسطينيون. فبدلاً أن نقول “أطلقت إسرائيل الصواريخ على مدنيين أبرياء وقتلتهم في بيوتهم”  فإننا نقول “أصابت الصواريخ الإسرائيلية  أهدافها”  وذلك كي تجريد هذه الأهداف من أي شيء له علاقة بالإنسانية بينما هي بالحقيقة أصابت أناساً أبرياء ونساء وأطفال.

حتى عندما يقولون قوات الاحتلال فإنهم يقولون “قوات الاحتلال”  ولا يقولون “قوات الاحتلال الإسرائيلية”!!  يجب أن نؤكد على “قوات الاحتلال الإسرائيلية”  أي أن إسرائيل هي “قوة احتلال”  وأن الأرض العربية هي “أرض مُحتلة”.

ويا حبذا، وقد اقترحتُ هذا عدة مرات على أخوة فلسطينيين، أن لا نستخدم “حماس” و “الجهاد”  و “الجبهة الشعبية”، تخيلوا لو أن كل هذه المنظمات قبلت أن تسمي نفسها مثلاً  “منظمات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي” فكلما سمع المشاهد الأجنبي هذه العبارة “منظمات مقاومة الاحتلال الإسرائيلي”  فإنه على الأقل يعرف أن هذه المنظمات تقاوم احتلالاً وأن سبب وجودها هو وجود احتلال. وبسبب غياب هذه التسمية فإنهم يربطون هذه المنظمات بالقاعدة والإرهاب وبما يريدون. أي أننا لا ننتبه إلى تفاصيل دقيقة صغيرة ولكنها في غاية الأهمية،  حين تسمعها عشر مرات في اليوم فإنه على الأقل يرتبط بذهن الإنسان الغربي أن إسرائيل هي قوة محتلة وأن هذه المنظمات هي هناك من أجل مقاومة الاحتلال الإسرائيلي.

تتذكرون حين بدأت إسرائيل بهدم البيوت الفلسطينية فإن الدنيا قامت ولم تقعد أن إسرائيل سوف تهدم منزل أحد الاستشهاديين، أما اليوم فنقول أن “إسرائيل هدمت خمسة عشر بيتاً فلسطينياً”  و  “إسرائيل هدمت عشرون منزلاً فلسطينياً”  وأصبحنا نأخذها وكأنها شيء عادي وكأن شيئاً لم يحدث.  وعندما بدأت إسرائيل تعلن أنها بدأت تستهدف “ناشطين” فكان هناك حوار شديد في الغرب وهنا حول كيف يمنكن استهداف ناشطين والـ BBC   وجهت إليهم رسالة أن لا يستخدموا كلمة “assassinate” ، لكن الآن نقولها بكل بساطة أن إسرائيل استهدفت بيت الشيخ أحمد ياسين،  و”أعلنت إسرائيل أنها سوف تقتل فلان”  دون أن يحتج أحد على مثل هذه المفاهيم التي هي جرائم بكل القوانين والشرعة الدولية هي جرائم حرب.

عندما إسرائيل تقتل الفلسطينيين فإنها تقول “نجم عن التوغل قتل أجد كوادر حماس”، هل كون الإنسان أحد كوادر حماس هي جريمة تستحق القتل؟؟ هل هو مبرر أن يتقل كوادر حماس؟؟  اليوم استشهد الشيخ أحمد ياسين وثمانية معه!!  يعني إسرائيل تستهدف واحد وتقتل ثمانية معه أيضاً!!  هل هذا كله متاح؟؟  هل كله مبرر وهل كله شرعي؟؟

“استشهاد فلسطيني في غزة”!!   لاحظوا تغييب الفعل والفاعل.  لاحظوا الفرق بين هذه الجملة وبين “قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتل مدنياً فلسطينياً في غزة كان يعمل في حانوته”.  نحن أصحاب القضية ولا يمكن أن تتخيلوا أثر هذه العبارة على الإنسان الغربي المشغول في شغله والذي ليس لديه الوقت ليفكر كثيراً بقضيتنا.

“الاتحاد الأوروبي يناشد الفلسطينيين والإسرائيليين العودة إلى خارطة الطريق”!!  لاحظوا المساواة بين المحتل والضحية وعدم وجود أي صفة من صفات الاحتلال وكأنهما طرفان متساويان تماماً: الفلسطينيون والإسرائيليون!!  لا بل الأكثر من ذلك، إسرائيل هي التي فرضت ظروفاً لا إنسانية على شعبنا الفلسطيني ومع ذلك نرى أخباراً من قبيل Israel relaxes Palestinian conditions””  أي  “إسرائيل تسهل الظروف على الفلسطينيين”، بالنسبة للإنسان الغربي فإن إسرائيل تقوم بعمل خيري لهؤلاء الفلسطينيين فهي تسهل حياتهم. فحين تتراجع إسرائيل عن احتلال يقولون أن إسرائيل “خففت” أي تصاغ بطريقة إيجابية.

منذ يومين أو ثلاثة، سوف آتي على ذلك،  نشر في كل الجرائد والصحف العربية خبر أن “إسرائيل دفعت خمسمائة ألف دولار للعبيدي الذي أصيب برصاصة وسببت له شللاً”. لاحظوا قباحة هذا الخبر، الحقيقة،  وكأن العبيدي هو الوحيد الذي أصيب برصاصة إسرائيلية وعن طريق الخطأ، أما ثلاثة آلاف شهيد وأربعين ألف جريح والعشرة آلاف معوق بسبب الجرائم الصهيونية الإسرائيلية فلا ذكر لهم. يتساءل الإنسان العربي “لماذا تدفع إسرائيل لشخص خمسمائة ألف دولار؟”، إسرائيل تدفع لتقول للعالم أن كل ما تقوم به إسرائيل تقوم به عن طريق الخطأ وأنها لا ترضى أن يصاب أحد بالشلل بسبب القوات الإسرائيلية والدليل على ذلك أنها دفعت خمسمائة ألف دولار لشخصٍ أصيب برصاصة إعلامية!!  هذه كلها حملات إعلامية مرتبة ومدروسة ومعروفة ومعروف ما هي أهدافها والنتائج التي تنوي التوصل إليها.

“إسرائيل تبعد معتقلين من الضفة إلى غزة”!!   طبعاً هذا اقتلاع  للسكان الأصليين من أرضهم سواء أكان هذا الاقتلاع من الضفة إلى استراليا أم من الضفة على غزة. هذا اقتلاع وتهجير للشعب الفلسطيني غير مقبول بالقانون الدولي.

“عرفات يمدد الأزمة الحكومية أسبوعاً”!!  أية حكومة؟؟   هذا للفت الأنظار عن جدار الفصل العنصري وأن الأزمة هي أزمة عربية وليست أزمة احتلال.

لاحظوا هذه العبارة: “إطلاق النار على فلسطيني كان يعتقد أنه ينوي أن يفجر حاجزاً في رفح”!! يعني يُعتَقَدُ أن إنساناً كان ينوي!!  يعني نحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى هو من يعلم بالنوايا ومع ذلك تمرُ  هذه العبارة في الإعلام العربي على أنها مبرر للقتل.

نفس الشيء الذي طبقوه في فلسطين طبقوه في العراق: ففي فلسطين ومنذ سنتين مازالوا يتحدثون عن الأزمة مع ياسر عرفات ويبيدون الشعب الفلسطيني!!  أي يسلطون الضوء على المقاطعة وعلى الحكومة الفلسطينية بينما هم يبيدون شعبنا الفلسطيني.  وأنا الآن أستطيع تذكر كولن باول عندما أتى إلى العراق قال أن العراق ما يزال يفتقد الشخصية التي وصفها بـ “القائد”!!  نحن دائماً بنظرهم ليس لدينا قادة وليس لدينا ديمقراطية وليس لدينا حقوق وأن الخطأ فينا وهم لا يفعلون شيء خطأ.

“شاؤول موفاز يشكّ بقدرة قريع على مكافحة العنف”!!  طبعاً الهدف هنا ليس قريع وليس مكافحة العنف، الهدف هو إخبار العالم أن أصل العنف هو الفلسطينيون وأنه لا يوجد احتلال وأن المسؤول عن العنف هم الفلسطينيون، أما إسرائيل فهي منه براء.

“تقرير عن هجمات مروعة يخطط لها عرب في بريطانيا”!!  أنا راقبتُ هذا الخبر. طبعاً مقالات عن علاقة العرب والمسلمين بالإرهاب وأنهم اكتشفوا أن هذه الخلية قد يكون لها علاقة بالقاعدة وإلى آخره.. منذُ يومين اطلقوا سراح هؤلاء العرب ولم يقولوا أن هؤلاء العرب الذين اطلق سراحهم ليس لهم علاقة بالإرهاب بل قالوا “إطلاق من كان مشتبه بهم بالإرهاب”!!  لم يذكروا أنهم عرب لكي لا نعرف أن هؤلاء العرب كانوا قد ظلموا وأن كل الكلام الذي تحدثوا به لا أساس له من الصحة.

“إسرائيل قد تقدم تنازلاً بالمحادثات مع قريع”!!  يعني إذا قدمت إسرائيل أي شيء أو إذا أعادت أي حق عربي أو جزء منه فهو “تنازل” منها. المشكلة هو أن الإعلام العربي يخوض ضمن الرؤية الصهيونية، أي كل هذه العلاجات المجتزأة للاحتلال الإسرائيلي للاراضي العربية تدور في فلك الرؤية الصهيونية وفي فلك ما تقدمه هذه الرؤية من تصاميم إعلامية أو سياسية..الخ.

“إسرائيل تردُّ على مقتل ضابطين بمجزرة في قطاع غزة”!!   الحقيقة إن قتل الضابطين هو رد على مجازر كثيرة ارتكبتها إسرائيل وعنوان “إسرائيل ترد”  على الصفحة الأولى من جريدة عربية يبرر لإسرائيل ارتكاب المجزرة. والمفارقة هنا هو أنه حتى بالصحف الأجنبية لم تقل أن “إسرائيل ترد”  ففي الهيرالد تريبيون والنيويورك تايمز قالوا “Israel kills 8 in Gaza” أي  “إسرائيل قتلت ثمانية في غزة”  ولم يقولوا أن إسرائيل ترد!!

لن أطيل عليكم سأعطيكم مثالين أو ثلاثة فقط، إذا أخذنا موضوع المستوطنات الإسرائيلية مثلاً؛ في مؤتمر مدريد كان الاتفاق الأمريكي العربي هو “تفكيك المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة”، كان هذا متفقاً عليه قبل بدء مؤتمر مدريد: تفكيك المستوطنات في الأراضي العربية المحتلة “Dismantling of settlements” .بعدها قال بوش: “تجميد المستوطنات – Freezing of settlements” بعدها بدأنا نسمع بما يسمى  المستوطنات غير الشرعية “Illegal settlements” وكأنه يوجد مستوطنات شرعية! الاستيطان كله غير شرعي، الاستعمار كله غير شرعي.

بعدها اخترعوا “النقاط الاستيطانية”، ثم جاؤونا بمصطلح  “المستوطنات العشوائية”. بعدها قال شارون في الخطاب الأخير: “Relocating settlements” -إعادة موضعة المستوطنات”، لم يعد هناك تفكيك ولم يعد هناك تجميد ولم يعد هناك تخلص من المستوطنات. هل لاحظتم في الثلاثة عشر عاماً كيف أزاحت اللغة الحق العربي بالتخلص من المستوطنات كلياً إلى إعادة موضعة المستوطنات. أي أصبحت المستوطنات وكأنها حقيقة موجودة ولا يمكن التخلص منها.

تلاحظون كيف أن المصطلح ينزلق ليضيع الحق العربي. طبعاً نحن جماعة عمرنا يسمح لنا أن نكون قد تجذرنا في الحقّ العربي ولكن أخشى ما أخشاه أن الأجيال الناشئة التي لم تسمع بكلمة dismantling   ولم تعرفها على الإطلاق بل ينشئون على كلمة relocating أي إعادة موضعة المستوطنات وبذلك لا يعرفون أنه المطلوب هو تفكيك المستوطنات والتخلص من المستوطنات كلياً عن الأراضي العربية وهنا يكمن الخطر بالحقيقة.

بالنسبة “للصراع العربي الإسرائيلي”!!  كان بدايةً اسمه “الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية”، ثم أصبح “صراعاً عربياً إسرائيلياً”،  ثم أصبح “صراعاً إسرائيلياً فلسطينياً”، ثم أصبح “نزاعاً”، ثم أصبح  “نزاعاً على أرضٍ متنازعٍ عليها”. هكذا تنزلق المصطلحات الإعلامية.

من الكلمات الخطيرة على الحقّ العربي كلمة “اشتباكات”!!  تذهب القوات الصهيونية وتقتل فلسطينيين أبرياء ويقال “اشتباكات”!!  أي اشتباكات بين طائرات الأباتشي والدبابات الإسرائيلية من جهة وبين المواطنين  الفلسطينيين العزل من جهة أخرى.

تتذكرون النائبة البريطانية التي زارت الأراضي الفلسطينية جيني ثوم قالت “أنا أتفهم العوامل التي تدفع الفلسطيني لتفجير نفسه”  فطردت من عملها فوراً!!  هي لم تطرد من عملها كـ جيني ثوم بل طردت كي تكون مثالاً للآخرين،  كي لا يتجرأ أحد ليقول أنا اتفهم العمليات الاستشهادية. هم يخططون على مستوى استراتيجي عالي وليس على مستوى صغير.  مثلاً منذ يومين، اسمعوا هذا العنوان: “المخابرات العامة الإسرائيلية تقول أن حزب الله سيرسل حاويات مفخخة لإسرائيل وفلسطينيون سيعيدون إلى خطف الحافلات”!!  من قال أن حزب الله هكذا يخطط’؟؟  لكن هذا العنوان يشعر القارئ أن العرب يخططون لإزالة إسرائيل وأن إسرائيل معها حق في أن تقتل،  ومن ثم نقرأ أن إسرائيل قتلت ثمانية فلسطينيين!!  أي أن هذا الخبر الإعلامي يسلط لتبرير جريمة قتل ضد الفلسطينيين.

منذ يومين الاتحاد الأوروبي قال “تصاعد العنف سببه غياب الحوار بين الفلسطينيين والإسرائيليين”!!  لاحظوا لا يوجد أي ذكر لحقيقة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية!!  طبعاً تصاعد العنف سببه استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي العربية واستمرار الجرائم الإسرائيلية ضدّ العرب. لاحظوا كيف أن اللغة سواء في أوروبا او في أمريكا بدأت تأخذ المنحى التي يريدون لها أن تكون.

منذ يومين قرأنا: “Syria and Iran aiding militants”  أي “سوريا وإيران يساعدون الناشطين”!!  من هم هؤلاء الناشطين وبماذا ينشطون؟؟ لا نعلم. لكن هذا العنوان يجهز الأرضية لمن يريد أن يقوم بحملة ضد سوريا وإيران.

مثالين أخيرين أود إعطائهما الآن: في العراق حين أتى كولن باول قال “سنة وشيعة يتظاهرون”!!  نحن لم نتحدث عن العراق على أنهم سنة وشيعة. هذه لغة خطيرة. الشعب العراقي يتظاهر والعراقيون يتظاهرون ويجب ان لا نستخدم هذه المصطلحات التي يصدرونها لنا.

وحين حدثت التفجيرات في مدريد ماذا قال الرئيس شيراك؟  قال: “على العالم الحرّ أن يدافع عن قيمه ضدّ الإرهاب”!! وكأنهم هي يقفون في العالم الحرّ وأن العالم الإسلامي والعالم العربيّ فليس من قيمه الوقوف ضدّ الإرهاب. هذا مفهومٌ خطير فالقيم العالمية والقيم الدينية والقيم الإنسانية كلها ضدّ الإرهاب ويجب أن نرفض تقسيم العالم إلى عالم حر وإلى عالم مستعبد.

العبارة الأخيرة “Bush asks allies to stay united against terrorism”  أي “بوش يطلب من الحلفاء أن يبقوا موحدين ضدّ الإرهاب”!!  هذه العبارة توجه لنا تهمة أننا لسنا ضد الإرهاب. يجب أن نظهر للإعلام ونقول: ليس حلفاء بوش ضد الإرهاب، نحن ضد الإرهاب، الإسلام هو ضد الإرهاب، العالم العربي هو ضد الإرهاب وأن إسرائيل هي من يقوم بالإرهاب وإرهاب الدولة.

وشكراً جزيلاً لكم جميعاً على إصغائكم الكريم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى