محاضراتمحاضرات عن المرأة

في مجمع سماحة الشيخ أحمد  كفتارو  حول “حقوق المرأة السياسية” – محاضرة

 12 آذار 2006

الشيخ أحمد كفتارو،

الدكتورة لينا الحمصي،

أيتها السيدات، أيها السادة

السلامُ عليكم ورحمةُ الله

أشعرُ بسعادةٍ مفعمة أن أتمكن من التحدث معكم وأنا أشعر بتقصير أنني لا ألتقي معكم كثيراً؛ أشعر بتقصير لأنني أشعر أنه لدينا رسالة مشتركة ومهمة مشتركة وهي إظهار الوجه الحقيقي للمرأة المسلمة في العالم ومخاطبة العالم باللغة التي ملكنا إياها ديننا الحنيف. وأنا كأمرأة مسلمة أشعر يومياً بالامتنان لله عزّوجلّ  أنه كرّمني أن أكون أمرأة مسلمة. وأتمنى أن يمكنني أن أتعاون وإياكم لنقل هذا الشعور إلى كل أمرأة في العالم ولتعلم ما هو الموقع الحقيقي للمرأة في ديننا الحنيف.

أودُّ أن أشكر الدكتورة لينا الحمصي التي شعرت بعد ما قالته أنه لا حاجة لي كي أتكلم فهي تسأل وهي تجيب وحتى حينما تسأل فإن الإجابة الذكية متضمنة في سؤالها الذكي واللماح. ربما هو تعبيرٌ عن تقصيرنا نحن ورود كلّ هذه الأسئلة التي وجهتها الدكتورة لينا. هل الدول الغربية والأوروبية فعلاً تريد إصلاح وضع المرأة المسلمة أم هي كلمة حقّ يراد بها باطل؟؟  وهل يريدون إصلاح وضع المرأة المسلمة بناءً على مفاهيمهم أم بناءً على مفاهيمنا ورؤيانا؟؟  وهل وصلت الدول الغربية إلى رؤية سليمة بشأن المرأة؟ كل هذا يدفعني للشعور بالذنب لأننا لو لم نكن نحن مقصرين لما أفسحنا المجال لكلّ هذه الأسئلة ولما أفسحنا المجال لـ كولن باول أو لغيره أن يتمكن أن يقول كلمة حقّ يراد بها باطل لأننا يجب أن نكون قدوة كما كان ديننا الحنيف وكما كان نبينا وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم. كان يجب أن نعطي قدوة للعالم لا أن نقول أن مكانة المرأة هنا تقترب من مكانة المرأة في فرنسا بل يجب نحن أن نقود  مكانة المرأة في العالم لأننا نمتلك من

الدين والإرث والثقافة والحضارة ما يوجب علينا أن  تكون مكانة المرأة في البلدان الإسلامية قدوة لمكانة المرأة في كلّ مكان في العالم.

والحقيقة كامرأةٍ عشتُ في الشرق والغرب وعشتُ في دولٍ إسلامية وعشتُ في دولٍ غربية أشعر أن الله سبحانه وتعالى كرّمني أعزّ تكريم كامرأة مسلمة ولكن المشكلة هي في بعض القوانين الوضعية وبعض الأشخاص الذين لا يريدون للمرأة أن تأخذ مكانتها. هذا من جهة ومن جهة أخرى طرح غربي يقتنص أي سلبية في حياتنا وتاريخنا ليروّج لها وكأنها هي القاعدة. إذاً من هنا تبرز الإشكالية؛ إشكالية وجود ضابط لبعض المفاهيم التي لها علاقة بالتقاليد والتي ديننا الإسلامي منها براء. هذه المفاهيم تنتقل إلى الغرب ويروج لها وكأنها من أصول الدين وكأنها هي الوجه الوحيد للدين الإسلامي. ومع ارتفاع صوت المروجين والمغرضين في الغرب ومع انخفاض صوت المسلمين في حمل رسالتهم إلى الغرب تبرز المشكلة. إذاً نحن كمسلمين دعونا نعترف أولاً أننا مقصرون في إيصال الصورة الحقيقية للإسلام وفي إيصال الصورة الحقيقية لمكانة المرأة في الإسلام ليس فقط إلى الغرب وإنما إلى شعوبنا في معظم بلداننا الإسلامية ذاتها.

هنالك أيضاً عامل آخر في أولئك الذين يصفون أنفسهم بأنهم مسلمون ويشعرون بنقصٍ تجاه الغرب يعزفون على ألحانه ويوجهون التهم للدين الإسلامي باعتبارهم يمثلون الدين الإسلامي في الغرب ومن هنا يأخذهم الغرب وكأنهم  يتحدثون باسم الدين الإسلامي ومع صمتنا أيضاً تبرز المشكلة.

ومع اختلاف العادات والتقاليد في البلدان الإسلامية الشاسعة والتي اعتبرها أنا كامرأة مسلمة على أنها دليل على مرونة هذا الدين الحنيف وعلى تقدير هذا الدين الحنيف لعادات الإنسان وأخلاقه في بلدانٍ مختلفة فأقلم نفسه ديننا الإسلامي الحنيف في البلدان المختلفة بعاداتٍ كثيرة. الدين الإسلامي لم يمحي الحضارات التي نزل إليها ولم يمحي الشعوب ولم يمحي حضارات الشعوب بل حاول أن يستوعب هذه الحضارات وحاول أن يتأقلم معها وأن يتعايش معها. ومن هنا يبرز الخلاف بين التفاسير وبين العادات والتقاليد التي نجدها في بلدانٍ إسلامية شتى تمتد من المغرب إلى ماليزيا؛ كلّ يعبد الله بطريقته وكل يؤدي الفرائض بطريقته وكلّ يلبس الحجاب بطريقته وكلّ يتقرب من الله بطريقته. وأنا أرى في هذا أمراً حضارياً وعلى الحضارة الغربية أن تقتدي به وإن يكن الوقت متأخراً لأنهم قد أبادوا حضاراتٍ شتى سلفاً وحرموا الإنسانية من غناها ومن الروحانية التي كانت تمثلها هذه الحضارات ومن الغنى الذي كانت تمثله هذه الحضارات.

بالعودة لسؤالينا، لقد رأينا في العراق وعايشتُ التحضير للحرب على العراق، عايشتُها سياسياً وعايشتُ الملف بدقة في مجلس الأمن في عام 2003 وكان موضوع المرأة أحد المواضيع الحاضرة بحجة شن الحرب على العراق من أجل تغيير هذه الحرب وإذا تجردنا من عواطفنا التي تشعرنا أن ما يحدث في العراق هو جريمة كبرى

بحقّ الشعب العراقي، بحقّ أطفال الشعب العراقي ونسائه وتاريخه، إذا حاولنا أن نتجرد من هذه العواطف ونجري تقييماً صغيراً لوضع المرأة قبل الحرب على العراق ووضع المرأة اليوم في العراق، رغم كلّ تحفظاتنا على ما تعرضت له المرأة قبل الحرب في العراق فنحن لا نبرر خطأ لأحد على الإطلاق، ولكن رغم كلّ تحفظاتنا نجد ان وضع المرأة اليوم في العراق هو وضع من أسوأ الأوضاع في العالم. قرأتُ البارحة أن ألفي أمرأة خطفت وبيعت في العراق. أن المرأة في العراق لا تستطيع أن تسير في الشارع بأمان ولا تستطيع أن تذهب إلى الجامعة بأمان ولا تستطيع أن توصل طفلها إلى المدرسة بأمان وهم يتحدثون عن المشكلة التي تعانيها الولايات المتحدة، المشكلة هو ما يعانيه الشعب العراقي وليس الولايات المتحدة لأن الشعب العراقي هو الذي دفع الثمن وفي كل حرب المرأة هي التي تدفع أضخم الأثمان لأنها هي المصابة بزوجها وابنها وبيتها ومجتمعها. ولذلك إذا أخذنا فقط هذا المثل وأخذ نموذج المرأة الفلسطينية التي يُذبح أطفالها كل يوم؛ منذ ثلاثة أيام كان هناك طفلان شهيدان رعد البطش وطفل آخر، لم نعد نتذكر الأسماء لأننا لا نقيم ضجة لأطفالٍ تذبح كل يوم في فلسطين، حتى أني لم استطع أن أجد صورهم في الجرائد العربية. هذا تقصير فظيع.

كيف يمكن لنا أن نتلقى أخبارنا من الآخر ولا نحمل قضايانا نحن بكل جوارحنا ومشاعرنا إلى العالم؟!!    لن يقف العالم معنا مالم نقف نحن مع أنفسنا وأنا أقول إن حديث الغرب عن المرأة هو كلمة حقّ يراد بها باطل. الغرب لا يريد للمرأة المسلمة أن تتحرر وهو يمنعها من ارتداء الحجاب،  وهذا حقّ طبيعي لها،  ويمنعها من الذهاب إلى مدارسه في الزي الإسلامي الذي تراه فريضة عليها. إذا كان يريد للمرأة المسلمة أن تأخذ حقوقها فليعطي للمرأة المسلمة في بريطانيا وفرنسا وأمريكا حقّ الحياة وحقّ العلم وحقّ  العبادة بالشكل الذي تريده.

هذا لا يعفينا نحن من واجباتنا في بلداننا المسلمة أن تأخذ المرأة حقها فعلاً وأن لا نمضي في الحديث عن حقوق المرأة ونجد أن تمثيل المرأة ضعيف نسبياً في الدول المسلمة رغم وجود بعض الشخصيات النسائية التي ما أن تنجح حتى تصبح استثناءً للقاعدة وتصبح المرأة الناجحة لا تعبر على أن كل النساء يجب أن يُعطين الفرصة لكي ينجحن في خدمة بلادهن وفي خدمة مجتمعهن وفي خدمة دينهن. وأنا أقول من منظورٍ وطني وديني أن من يقف عائقاً في طريق أخذ المرأة موقعها الصحيح هو يضرّ بالوطن وهو يضرّ بالدين وهو يضرّ بمصلحة الإسلام والمسلمين أيضاً لأن منظور حجب المرأة عن الموقع الذي تستحقه هو غالباً منظور شخصيّ وصغير وغير متنور وغير كفؤ. المرأة المسلمة كانت موجودة في كل مكان وفي كل زمان وساهمت في نشر الرسالة الإسلامية. أكثر ما يتحدث به الغرب عن الإجحاف بحقّ المرأة هو عندما تذهب المرأة إلى الحجّ،  وقد قلت هذا منذ يومين في الاحتفال بيوم المرأة العالمي، فيقال كيف يمكن للإسلام أن يدّعي أن المرأة المسلمة لها كرامتها وحقها وهي لا تستطيع أن تذهب إلى

الحجّ بدون محرم وهي ليس باستطاعتها أن تحجّ إلى بيت الله الحرام لوحدها؟؟  وقد أكرمني الله وذهبت إلى الحجّ هذا العام وأنا أقول بأني لم أرى المرأة المسلمة مكرّمة في أي مكان كما رأيتها في الحجّ. هي أمرأة  مكرّمة وكلّ حياتها مأخوذة بلطف ربنا سبحانه وتعالى وبكرمه وباحترامه للمرأة.

هل وصلت المرأة الغربية إلى مستوى عالٍ يؤهلها ان تطلب للمرأة المسلمة حقها؟؟  لا. المرأة في كل أنحاء العالم تتراوح نسبتها في البرلمانات بين 10 و   15  بالمئة.  هناك ثلاث بلدان في العالم أخذت المرأة مجمل حقوقها وهي أسبانيا، السويد وتشيلي. في هذه البلدان واليوم رأينا في تشيلي أن المرأة نصبت رئيسة وهي كانت قد أعدم والدها وعانت السجن والاغتصاب واليوم هي رئيسة لتشيلي، وقد رأيتها وهي تعتلي المنصب ورأيت رئيس بوليفيا، إيفو موراليس، يمرّ  بالقرب من وزيرة الخارجية الأمريكية ولا يلقي السلام عليها(ضحك). في هذه البلدان الثلاثة المرأة أخذت نصف المقاعد الحكومية. أما إذا تحدثتم عن الولايات المتحدة، وقد عشتُ هناك سنتين، أو بريطانيا، فوضع المرأة في سوريا وبدون مجاملة هو أفضل بكثير لأننا أخذنا بعين الاعتبار الأسرة، أخذنا بعين الاعتبار وضع المرأة الأم، رياض الأطفال، الحضانات، أما المجتمع الرأسمالي فلم يوفر للمرأة اياً من هذه لكي تستطيع المرأة أن تقوم بدورها.  وأنا لا أقول أننا أعطينا المرأة ما تستحقّ هنا أو غير هنا، المرأة تستحقّ أكثر من هذا بكثير خاصة وأنها قد وصلت إلى مستويات  مهنية وعلمية عالية تمكنها من تبوء كل المواقع التي تمكنها من خدمة وطنها ودينها.

لكن حتى أنهي الإجابة على هذا السؤال أقول أن الغرب ينطلق من منظوره، سواءً في تحرر المرأة أو في أي شيء يريده، وهذا حقه فنحن لا نستطيع أن نلوم الغرب لأنه ينطلق من منظوره، هو ليس مجبراً أن ينطلق من منظورنا، نحن علينا أن نمكن منظورنا ونحن علينا أن ننطلق من منظورنا في تحرر المرأة وفي الموقع الذي تستحقه المرأة ولكن أن نكون واثقين بأنفسنا وفخورين بأنفسنا ولا أن نعتذر ولا أن نحاول أن نظهر للغرب بأننا نقترب من أنموذجه، حين نحترم أنفسنا يحترمنا الغرب، وحين نثق بأنفسنا يثق بنا الغرب.

لمصلحة بناتنا وديننا ومصلحة ديننا علينا أن نواجه التقصير بشجاعة وجرأة وعلينا أن نعطي المرأة حقها بشكلٍ أفضل وعلينا أن نحسم الأمور ونتوجه إلى الغرب بصوتٍ جريء وحيٍ ويقظ وصوتٍ واثقٍ من نفسه وأنا أقول لكم بأنه هناك حاجة ماسة لهذا الشيء في الغرب وهناك آذان صاغية ولكن علينا نحن أن نأخذ المبادرة وأن نتحرك■

شكراً جزيلاً لكم ولإصغائكم الكريم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى