محاضراتمحاضرات اغترابية

في افتتاح المؤتمر الاغترابي الأول  في أوروبا – ألمانيا

23 نيسان 2004

 

أود أن أبدأ بالقول أنّ برنامج عملنا هو أننا نود أن نتعرف على بعضنا أولاً، و من ثمّ نتحدث عن آليات العمل الاغترابي في أوروبا. و أنا وجدت من خلال تجربتي القريبة مع بعض الروابط أنّ المشاكل جميعها متشابهة، و ربما الحلول جميعها متشابهة. و سوف أشرح لماذا أعتبر هذا الاجتماع، كما تعتبر الحكومة السورية أيضاً هذا الاجتماع، هاماً جداً. لأنني آمل أن يكون ولادة عمل اغترابيٍ جماعي، و يكون نواة عملٍ اغترابي عربي أرجو أن ينطلق في دمشق في الصيف القادم. و أريد لاجتماعنا هذا أن يكون النواة للعمل الذي سوف نتحدث به و نرسم خطوطه.

أود أن أبدأ بكل تواضعٍ بتاريخي الجزئي الذي يجمعني بكم. هناك عشرات الأشياء التي تجمعني بكم، و لكن هناك شيئاً واحداً خطر لي اليوم و أنا أفكّر لماذا أشعر بكل هذا القرب و المحبة لكل المغتربين و أفهم قضاياهم. و تذكرت أنني في عام 1982 حين نلت شهادة الدكتوراه من بريطانيا، و نال زوجي أيضاً شهادة الدكتوراه من بريطانيا أتانا قبول للعمل في جامعةٍ من جامعات كندا، و ناقشنا الأمر جيداً و قدّمنا أوراقنا للسفارة الكندية و كدّنا أن نذهب هجرةً إلى هناك برواتب مغرية و جنسية و كل ما يطمح إليه المرء لأنني بكل تواضع كنت الأولى في الجامعة، و كان زوجي الأول في الجامعة أيضاً. و بعد أن قدّمنا أوراقنا و أخذنا بطاقات السفر جلسنا نتحدث يومين و ثلاثة أيام. و في لحظةٍ ما قال لي زوجي لا أريد أن أرى أبنائي يكبرون و لا يتحدثون العربية. و بدلاً من أن نذهب إلى كندا قررنا أن نذهب إلى الجزائر. قررنا أن نذهب إلى الجزائر ذلك البلد المناضل بلد المليون شهيد بحاجةٍ إلينا أكثر من أي بلدٍ آخر علماً أن الراتب في الجزائر هو عشر الراتب في كندا.

ما أريد أن أقوله هو أنني كدت أن أكون مغتربةً، و أعلم أنني حين كنت أعيش في بريطانيا لست سنوات كنت أعشق رائحة البلد و أتمنى أي نسمةٍ من البلد، و لذلك بالنسبة لي المغتربون المنتمون يعشقون بلادهم. هذه هي القاعدة التي أحملها دائماً في ذهني.

و الحقيقة فقط بعد أن أصبحت وزيرة للمغتربين بدأت أتذكر أنني في الخمسة عشرة عاماً من العمل في وزارة الخارجية كنت حيثما سافرت أتعرف على بعضٍ من جالياتنا و أتحدث إليهم و أتعرف على بعضٍ من مشاكلهم. و حينما أصبحت وزيرةً للمغتربين اكتشفت أنني أعرف الكثير من هذه الجماهير المغتربة التي يحق لنا جميعاً أن نفخر بها  و بطاقاتها و بسمعتها.

أريد أن أتحدث بعض الشيء لاختيار هذه اللحظة بالذات للعمل الاغترابي. و اختيار هذه اللحظة بالذات لأهمية العمل الاغترابي لكم و لنا و لهذه الأمة أيضاً. و أعتقد أن اللحظة الآن مواتيةً لأبعد الحدود. أولاً لأنني أرى أنّ التهديدات التي تتعرض لها هوية هذه الأمة هي تهديدات تشملنا جميعاً في المغترب و في الوطن. و أنّ الضغوط التي نتعرض لها جميعاً هي ضغوطاً واحدة، و أننا جميعاً مستهدفون. و أننا جميعاً أصحاب مصلحةٍ في أن نشدّ بعضنا و أن نعمل مع بعضنا و أن نعترف بمواقع الخلل في طرائق عملنا و أن نتجّه إلى وضع أسس الصواب من أجل عملٍ أفضل بكثير في المستقبل. و أنني أتطلع للعمل الاغترابي كنواة لإنقاذ هذه الأمة لأن أمتنا و هويتنا في وضعٍ خطر بالفعل. و أرى أن المغتربين يمكن أن يشكّلوا منارةً هامةً لإنقاذ هذه الأمة لما تتعرض له من إذلال. و هناك الكثير من الإذلال الذي يتعرض له شعبنا في فلسطين و العراق. و لذلك إن هدفي و الاستراتيجية في ذهني أنه خلال خمس سنوات أرجو أن ننقل العمل الاغترابي من عملٍ قطري إلى عملٍ عربي لكل ما لهذه الكلمة من معنى لأنني لا أعتقد أنّ وجودنا هنا كسوريين و مشاعرنا هنا سوف تختلف إذا كنّا سوريين أو فلسطينيين أو لبنانيين أو أردنيين أو من أي بلدٍ عربيٍ آخر. و أنا لا أخفيكم سراً أنني أُسعد أيما سعادة حينما يكون العمل عربياً.

و حين استلمت الوزارة حدّثني أحدهم أنّهم من أكبر المشاكل التي يواجهونها في أمريكا الجنوبية بشكل خاص هي أنهم لا يعرفون اللبناني من السوري. و قلت لهم إنّ هذه ليست مشكلةً بل ميزةً و ليس علينا أن نعرف اللبناني من السوري.

و أرى اليوم أنّ الحملة الظالمة التي تعرض لها إخوانكم و أخواتكم في الولايات المتحدة لثلاث سنواتٍ ماضية تنتقل إلى أوروبا. و قد شعرت من خلال مناقشتي مع بعض الرسميين هنا في ألمانيا أنّ هناك خطةً لاستهداف المسلمين في أوروبا فقد ذكرت لي الجوامع و كأنها مشكلة. و قلت لمحدثي لماذا تعتبرون الجوامع مشكلة؟؟! الجوامع هي بيوت عبادة كما هي الكنائس هي بيوت عبادة. و نحن في سوريا لدينا أقدم سيناغوغ في العالم، و لدينا أقدم كنيسة حجر في العالم كما أنه لدينا جوامع. و لكنه قال لي لماذا يمنعون الكنائس في السعودية نحن يجب أن نمنع الجوامع في أوروبا.

أعتقد أنّ هذا ما هو قادم في أوروبا. لأنّ هذا هو كان هدف أحداث 11 آذار في اسبانيا و هو ضرب التعددية في أوروبا، و ضرب التعايش بين المسيحيين و المسلمين و تصوير العرب و المسلمين على أنهم إرهابيون. و أعتقد أنه علينا أن نعي أبعاد هذه المسألة و مخاطر هذه المسألة و أن نخطط لها بشكلٍ سليمٍ و واضحٍ و صريح.

لن أطيل الآن عليكم و لكني أعتقد أنه أفضل طريقةٍ يمكن ان نفكّر بها بهذا في هذا الاجتماع هي أن ننظر إلى هذا الاجتماع الكريم كنوعٍ من شحذ الأفكار و أن نحاول أن نلامس بعضٍ من مواقع الخلل في عملنا الاغترابي و أن نؤسس لعملٍ اغترابي على مستوى أوروبا. أعتقد و قبل أن أطيل عليكم أنّ أفضل شيءٍ يمكننا أن نفعله هو أن نبدأ بالتعارف على بعضنا، أن يقدّم كل إنسانٍ نفسه و عمله و بلده، البلد الذي يعيش فيه الآن باختصار شديد، و من ثمّ نبدأ بوضع آليات العمل الجديد الذي نطمح أن نتوصل إليها. و أرجو أن يكون نقاشنا هادفاً و إيجابياً فكلنا نعلم ما هي الأمراض و ما هي مواقع الخلل و لكن ليس من السهل أن نخطط بشكلٍ صحيح و أن نضع الاستراتيجيات و آليات العمل الصحيحة للعمل الصحيح. لذلك سوف أترك المجال لكي نتعرف على بعض و من ثمّ نبدأ بالحوار بين روابطنا.

شكراً جزيلاً لإصغائكم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى