محاضراتمحاضرات اغترابية

كلمة الدكتورة بثينة شعبان، وزيرة المغتربين، في مؤتمر المغتربين الأول في دمشق،

المكان: قصر المؤتمرات، دمشق.

 9-10 تشرين الأول 2004

 

سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد رئيس الجمهورية العربية السورية

الرفاق أعضاء القيادتين القومية و القطرية

السادة الوزراء

السيدات و السادة أعضاء السلك الدبلوماسي

السيدات و السادة أبناء سورية القادمين من كلّ أنحاء المعمورة

أيها الحفل الكريم

عشق الوطن أيتها السيدات أيها السادة هو إرث سوري أصيل عَبَرَ  قرون التاريخ، و قارات العالم و بحار الوجدان، ليربط الأجداد بالأحفاد، و يوصل الماضي بالحاضر و المستقبل و يعلن توقنا جميعاً لمعانقة الحنين السوري الأبدي للحرية و السلام و الكرامة. و عشق السوريين لبلادهم تعبير حيّ عن اعتزازهم بدور سورية و إرثها و سياساتها، و هو أيضاً تجسيّد  لحضارتهم الخلاقة التي قاومت الغزاة و المحتلين قديماً و حديثاً و قدمت للعالم الثقافة و التجارة، الفنون و العمارة، القصائد و المعارف.

و عشق سوريا  و الاعتزاز بحضارتها و تاريخها و الاندفاع لحمايتها و الدفاع عن مصالحها هو الحافز و الدافع اللذان جاءا بهذه الكوكبة الكريمة من ممثلي المغتربين السوريين من المنتشرين في القارات الخمس  لتزهو بهم دمشق و هم يتدفقون عليها روافد تأتي بالحنين و العطاء من كل فجٍّ عميق لتصبَّ في قلب سورية الكبير قلوباً غامرة بالمحبة و سواعد تحمل الحلم و العدّة لتقديم خير الفكر و العمل لحبهم الأول سورية. فالسوري الذي عبر الأمصار متأبطاً أبجديته و إبداعه و ثقافة السلام يعود إلى موطنه اليوم بالعلم و الخبرة. و السوري الذي حمل دوماً للشعوب رسالات النور السماوية يعود من جولته رسولاً للتثاقف و التسامح و الحرية.  السوري صانع الحضارة، و المبشر بالهداية يجمع بين عمق الانتماء و أصالة الانفتاح. و السوري صديق الشعوب يؤمن  بالاغناء و الاغتناء.  و هاهم السوريون القادمون من خمسين دولة في العالم يعبّرون عن الالتزام بأعلام البلدان التي انتسبوا إليها و يؤكدون بحضورهم اعتزازهم بالقيم الحضارية السورية و ما تمثله اليوم و غداً. سألت والدي الكريم ذي الأربع و ثمانين ربيعاً عن ثمن بيتنا الذي ترعرعت فيه  في قرية المسعودية،  فأجاب مستنكراً، بيتنا؟ لا يُقدّر بثمن.  نعم، هذه هي سورية تشرق دوماً بقيم الكبرياء و العزّة،  و هاهم السوريون بيتهم سورية يسمو عالياً فوق كل كنوز الكون.

سيادة الرئيس،

حين شرفتني بمتابعة هذا الملف لم أكن أدرك أنني تسلمت مفاتيح واحدٍ من أغنى كنوز سورية ألا و هو هذه الثروة البشرية المتدفقة من الالتزام و الوفاء التي تشكل رافداً ثرّاً للوطن يحمل في حناياه المفعمة بالوطنية حباً أصيلاً للغة و الثقافة و السياسة و الإعلام و السياحة و الاقتصاد، و لم أكن أدرك أنني حين أسافر للإطلاع على دقائق هذا الملف عليّ أن أتعامل مع حرقة الحنين، و عتب المحبين، و عليّ أحياناً أن أتعامل مع دموع الرجال و توق الأبناء النابض بحرارة الأشواق.  و لم أكن أدرك أن هذا الملف يتطلب إلى جانب العمل الدؤوب الحنوّ الأسري الخاص و التفهم المتنوّر لقضايا المواطنين السوريين المنتشرين في كل أصقاع الأرض. و لأني وجدت الأفق رحباً مشرقاً بالآمال و مساحات العمل المتاحة مدهشة وواعدة استأذنت سيادتكم لعقد هذا المؤتمر اليوم برعاية كريمة حانية من سيادتكم لإشراك الحكومة السورية و الوطن بكلّ قطاعاته مع السوريين المنتشرين في كل مكان بحوار صريح و هادف حول أهم المواضيع التي أفرزتها مسيرة التحديث و التطوير التي تقودونها سيادتكم بكل حكمة و اقتدار.

لقد كان لاهتمام سيادتكم بالشأن الاغترابي و إصدار المراسيم التشريعية التي تسمح للأخوة المغتربين بتسجيل زواجهم دون تقديم شهادة خدمة العلم و إلغاء القانون رقم ( 19 ) و إزاحة عبء بدل الاغتراب عن كاهل المغتربين أبلغ الأثر في التأكيد للأخوة المغتربين اهتمام سيادتكم الشخصي بتأكيد وشائج القربى بينهم و بين الوطن.

و بتوجيه كريم من سيادتكم تابعت الوزارة الإشراف على الملف الاغترابي في بلدان مختلفة مع التأكيد على أن تكون الديمقراطية هي الأسلوب الوحيد لانتخاب قيادات الروابط الاغترابية و جمعيات الصداقة. و كذلك التأكيد على أهمية الانفتاح على البلد الذي يتواجد فيه المغتربون.  كما أكدت الوزارة دوماً على أهمية  أن تسير عملية تعدّد الآراء مع وحدة العمل لأن الهدف واحد و هو حماية سورية و ازدهار شعبها  و لذلك نقلت توجيهكم الدائم لنا بالابتعاد عن الفردية و المنظور الشخصي و الانخراط في المنظور الوطني و وضعه فوق كلّ اعتبار. و قد نجحنا بالتعاون مع الأخوة المغتربين بتوحيد الصفوف ضمن التعددية بالآراء و الرؤى و تمت الانتخابات بأجواء مفعمة بالديمقراطية حيث الاقتراع سيد الموقف و حيث يتعايش التأييد و التعارض.  و منجزات هذه الوحدة هو تأسيس اتحاد الجاليات السورية في أوروبا و الذي يشكّل اليوم مظلّة تنضوي تحت لوائه جميع الروابط و جمعيات الصداقة في تنسيق متناغم بينها جميعاً من جهة و بينها و بين الوطن من جهة أخرى.

كما توصلت الوزارة بالتعاون مع هيئة تخطيط الدولة إلى وضع مشروع مشترك مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في سوريا و أسّسنا صندوقاً اغترابياً يمكّن المغتربين من تمويل أي مشروع يرتأون تمويله في القطر و يضمنون شفافية مطلقة و إشرافاً مؤسساتياً على تمويل و تنفيذ مشاريعهم و قد وقّعنا هذا الاتفاق بالأحرف الأولى و سوف يتم توقيعه رسمياً غداً و الذي يعتبر سبقاً في عمل برامج الأمم المتحدة الإنمائي و عمل وزارات الدولة و نأمل أن نقّدم من خلال هذا المشروع  أنموذجاً يحتذى للقطاعات الأخرى.

إن رؤيتنا للسوريين المنتشرين في كلّ أنحاء العالم هي أنهم كالعقد الفريد الذي تناثرت حباته هنا و هناك ففقد ما يجمع بين أجزائه و ما يعطيها جماليتها و قيمتها. ومن هنا فإن مؤتمرنا يستهدف تشكيل نقاط الالتقاء بين الأفكار و صيغ العمل التي يطرحها الباحثون من المغتربين و بين السياسات الحكومية كما يهدف إلى إبداع  آليات العمل الجماعي من أجل التوجّه المشترك نحو الهدف الوطني يداً واحدة و قلباً واحداً. كما يتضمن هذا الحوار ضمن ما يتضمن إيجاد صيغ عمل مشتركة لنشر صورة حقيقية عن القيم السورية الأصيلة عن السلام و الحرية و التعددية  و من أجل الدفاع عن بلدهم بوجه حملات التشويه الإعلامي الظالمة التي تتعرض لها  بلادنا سورية  من قِبَل دعاة الحروب و الهمجية العنصرية المعادية للعرب.

إن برنامج عمل المؤتمر مكثّف بورشات عمل عديدة تمّ اختيار الأبحاث المعروضة فيها وفق أولويات وطنية و تتناول سبعة مجالات جوهرية هي شؤون المغتربين  و التطوير و التحديث المؤسساتي  و تنمية الموارد البشرية  و التبادل الثقافي و الإعلامي و  إصلاح البنى التحتية  و التعاون التقني و الطبي  و مساهمة الاستثمار الاغترابي في عملية التنمية و البناء و لكي  تكون سورية مقصد السوريين السياحي الأول للتعّرف على مهد الحضارات و مهبط الديانات و أرض الآباء و الأجداد و باختصار شديد أن يكون جميع السوريين، منتشرين و مقيمين، شركاء في عملية تحديث سورية و تنميتها و نهضتها و ازدهارها و تعزيز دورها الإقليمي و حماية مكانتها الدولية. و قد قام خبراء في المجالات المذكورة آنفاً من مغتربين و مقيمين  بتبادل الخبرات و الأفكار على مدى الأشهر الماضية كي تكون النقاط المطروحة للنقاش واضحة و محددّة تنجم عنها مشاريع عملية قابلة للتنفيذ ترفع بعد المؤتمر للحكومة الموقّرة بعد أن يساهم السادة الوزراء و معاونوهم و مدراء المؤسسات و الشركات من القطاعين العام و الخاص في الحوار و صياغة تلك المشاريع. و من أجل متابعة أعمال هذا المؤتمر خلال العام القادم في بلدان الاغتراب و الوطن سيقوم السادة المشاركون  بانتخاب ممثل عن كل بلد لتشكيل هيئة عامة تقوم بانتخاب المجلس الاستشاري الاغترابي السوري المؤلف من اثني عشر عضواً ليكون قناة التواصل الأساسية بين الروابط الاغترابية في القارات الخمس و بين الوطن الأم يرأسه وزير المغتربين ليقوم بمهمات التنسيق و الإشراف على كافة الملفات و آليات التنفيذ بين المغتربين و الوطن   و توضع له بعد المؤتمر مباشرةً أمانة عامة في مقرّ وزارة المغتربين.

السيد الرئيس،

 أيها الحفل الكريم،

بذل مئات الأشخاص في سورية، و في روابط المغتربين على حد سواء  آلاف الساعات من العمل  و التفكير المبدعين لتنظيم المؤتمر و الإعداد له و تمويل نشاطه و كم كان بودِّي أن أذكر جميع أفراد فرق العمل في وزارت و مؤسسات الدولة في سورية و من السوريين في بلدان عديدة الذين أغلقوا عياداتهم و مكاتبهم و قدموا قبل أسابيع ليكونوا أعضاء متميزين في فريق عمل وزارة المغتربين، و لكني أشكر بشكلٍ خاص السيد رئيس الجمهورية الدكتور بشار الأسد الذي اشرف بمتابعته الدؤوبة المعروفة عنه على كل تفاصيل العمل بكافة مراحله مقدمّاً الدعم الفكري و المادي بتوجيهاته و قراراته و رعايته الكريمة. فباسمكم جميعاً أشكر سيادة الرئيس قائداً للمسيرة و رمزاً وطنياً لكبرياء سورية و كرامة شعبنا الأبي.  و نقول له نحن جميعاً معه قلباً واحداً و يداً واحدة  في مواصلة مسيرة التنمية و التحديث.  كما أشكر مراسم القصر الجمهوري  و رئاسة مجلس الوزراء و وزارات المالية و الخارجية و هيئة تخطيط الدولة و وزارتي الإعلام في لبنان و سوريا اللتين جسدتا في هذا المؤتمر مع وزارة المغتربين عمق العلاقة و المحبّة و التعاون بين الشعبين و البلدين.  كما أشكر جميع العاملين في برنامج  الأمم المتحدة الإنمائي الذين انخرطوا معنا في شراكة حقيقية من أجل الإعداد للمؤتمر  و متابعة تنفيذ توصياته في الفترة ما بعد المؤتمر.

لا شك أن أي عمل مثمر و ناجح هو نتاج تعاون و تنسيق و عمل يبذل بإيثار من قبل أعداد كبيرة من الأشخاص المبدعين بامتياز  و المؤتمر اليوم هو نتيجة تعاون صادق  من قبل العديد من المؤسسات العامة و الخاصة و الروابط و الأشخاص فلهم جميعاً جنوداً معروفين من شعبهم و قيادتهم كل الشكر و التقدير و الامتنان فرداً فرداً.  كما نود أن نقدّم جزيل شكرنا للمموّلين من مغتربين و مقيمين الذين موّلوا بعضاً من فعاليات  هذا المؤتمر.

سيادة الرئيس،

 الفكرة فكرتكم و الرؤية رؤيتكم و التوجّه نحو المغتربين يمثّل إحدى نقاط الارتكاز في استراتيجيتكم الوطنية لتحقيق الوحدة و الازدهار للشعب السوري التي تجسّدت في سياسات منها إحداث وزارة المغتربين و توجيهات سيادتكم الدائمة لنا أن نكون أسرة للسوريين المنتشرين في كل مكان و أقصى ما نصبو إليه هو أن نتمكن من ترجمة رؤيتكم و توجيهاتكم عملاً مخلصاً  و آليات تنفيذ فعّالة و متابعة دؤوبة. و هذا بالذات هو ما نرجوه من أعضاء هذا المؤتمر  و من المشاركين في ورشات العمل ومن لجان الصياغة و المتابعة التي سوف تنبثق عنه لتتابع تنفيذ كل توصياته و مقترحاته.

السيد الرئيس،

أيها الحفل الكريم،

أشكر لكم حضوركم المؤتمر الأول للمغتربين السوريين و باسمكم أرحب بالأخوة ممثلي المغتربين  بين أهليهم  بدمشق مع ثقتي الأكيدة  بأن الجميع سيبذل بإخلاص قصارى جهده و فكره من أجل مستقبلٍ زاهرٍ لسورية، و بالتأكيد ستكون نتائج هذا العمل المخلص  قبساً من قيم سورية الأصيلة، سورية مهد الحضارات و الديانات و أنموذج العيش المشترك و المحبة و التآخي الأبدي■

و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى