محاضراتمحاضرات عن المرأة

في مؤتمر المرأة في تركيا

25 شباط 2004

 

السيدة أردوغان:

سمو الأميرة بسمة: 

أيتها السيدات، أيها السادة:   

يسعدني و يشرفني السيدة اردوغان أن انقل لسيادتك تحيات السيدة أسماء الأسد عقيلة السيد الرئيس التي لم تتمكن من حضور هذا المؤتمر. و أن أنقل لكن جميعاً تحياتها و أطيب أمنياتها لهذا المؤتمر الهام بالنجاح و بالتوفيق، و خاصة أن العمل الإقليمي أصبح اليوم أمراً هاماً في رسم خريطة العالم. و يشرفني أن ألقي ببعض الإشكالات في هذا العمل باسم الجمهورية العربية السورية.

لقد أكدت الأسرة الدولية في بكين أنه بدون المساهمة الفاعلة للنساء و بدون جعل هذه المساهمة جزءً من صناعة الرأي على كافة المستويات فإن هدف المساواة و النمو و السلام لا يمكن أن يتحقق. و لكن و لسوء الحظ فإن النساء ما زلن يشكّلن أقلية قليلة في مواقع اتخاذ القرار على المستويات الإقليمية و الدولية و الوطنية و المحلية على الرغم من حقيقة أن النساء يشّكلن أغلبية الناخبين في جميع أنحاء العالم.

لا شك أن المساواة في مواقع اتخاذ القرار مشكلة قديمة لم يحسم الصراع بشأنها الى حد الآن. و هذه المشكلة تعود جذورها الى المجتمعات الزراعية حيث قامت النساء بمعظم الأعمال بالحقل دون أن يكون لهن أي رأي في تسويق المحاصيل. كانت النساء المنتجات الحقيقيات في الحقل الزراعي و لكن لا رأي لديهن في الإنفاق. و لذلك فإن النساء لا زلن يشّكلن القوة العاملة الأساسية دون أن ينعكس عملهن أو إنتاجهن على إحراز مواقع حقيقة لهن في مواقع اتخاذ القرار.  و لسوء الحظ فإن المجتمعات المدنية لم تغير كثيراً في واقع الحال المتعلق بالمرأة، حيث أن عمل المرأة غير المأجور سواء في المنزل أو الزراعة لم يدخل الى حد الآن في حساب الناتج الإجمالي المحلي. و مازالت مشاركة المرأة في مفاصل اتخاذ القرار الأساسية تصطدم بعقبات حقيقية و على مستويات مختلفة. و مازالت علاقات السلطة غير المتكافئة تحد من قدرة النساء على المشاركة في اتخاذ القرار على المستوى العام.

لقد شهدت خمسينيات القرن الماضي شعوراً عارماً بالإجحاف اللاحق بالنساء، و لكن التقدم الذي تم إحرازه في العقود الأخيرة غير مرض لنا جميعاً. فالسقف الزجاجي ما زال منخفضاً حتى في الدول الصناعية المتقدمة و باستثناء الدول الاسكندنافية فإن نسبة النساء في مواقع اتخاذ القرار العليا ما زالت تتراوح بين عشرة الى خمسة عشرة بالمئة فقط. كما أن نسبة النساء في قوة العمل لا تعكس فرصاً متكافئة حين يتعلق الأمر بالوظائف ذات الرواتب العليا. و كلما ارتفع سقف الراتب كلما انخفضت نسبة النساء. و حتى في الولايات المتحدة فإن النساء يشغلن فقط نسبة واحد بالمئة من أعلى الرواتب في الولايات المتحدة.

و لعل إحدى أهم الإجراءات الفاعلة للتغلب على هذه الظاهرة المستعصية تتمثل بالعمل على تركيز الجهود على المستوى المحلي. و من هنا تأتي أهمية انعقاد هذا المؤتمر الكريم بحيث ينبثق التغيير من الأدنى الى الأعلى و يمكن بالنتيجة تحقيق تكافؤ الفرص. كانت النساء خلال التاريخ أساسيات في تحسين ظروف العيش في مجتمعاتهن المحلية و هن تقريباً صاحبات القرار في كل ما يجري على أرض الواقع و لكهن ما زلن ممثلات بنسب ضعيفة جداً في مواقع الحكم. و لا بد أن يترافق تحقيق نسب معينة من النساء في مواقع اتخاذ القرار مع تحفيز للوعي الاجتماعي و إدراك لأهمية الدور الذي تلعبه المرأة دائماً في مجتمعها.  و لابد من تعزيز الوعي أيضاً بمساهمة المرأة و أهمية هذه المساهمة على كل مستويات الحكم انطلاقاً من المستويات المحلية و التي هي بدون شك الخطوة الأولى ذلك لأن الحكومات المحلية هي المقياس الحقيقي لهذا التمثيل المتساوي. و يمكن أن تلعب هذه الحكومات دوراً أساسياً في تحقيق نموذجي لتكافؤ الفرص بين الجنسين.

لا شك أن التمثيل المرتفع للنساء على المستوى المحلي يزيد من كفاءة هذا المستوى و يزيد من كفاءة الحكومات. و ليس منصفاً فقط للمرأة و لكنة أيضاً منصفاً للمجتمع و الدولة و المجتمع الدولي بشكل عام.

إن كل القوانين و التشريعات في سوريا تضمن للنساء القيام بأي عمل دون التفريق بين النساء و الرجال على الإطلاق. و قد ضمنت الفقرة 45  من الدستور هذا الحق و أولت اهتماماً خاصاً للنساء و ضرورة تمثيلهن. إذ تنص الفقرة كمايلي: “تضمن الدولة للنساء جميع الفرص التي تمكنهم كي يساهموا بشكل كامل و فاعل في جميع أوجه الحياة الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية. و سوف تحاول الدولة إزالة كل العقبات التي تعيق مساهمتهم و تقدمهم”.

و تشهد الأرقام و الإحصاءات على الجهود السورية المنتظمة لتحقيق هذا الهدف الوطني. إن نسبة تمثيل النساء في البرلمان السوري آخذة في التصاعد بحيث أصبحت اليوم أعلى نسبةً لتمثيل النساء في البرلمانات العربية. ففي العام 1971 كانت هناك أربع نساء فقط في مجلس الشعب. أما اليوم فهناك ثلاثون امرأة يشكلن ما يقرب من 11% من أعضاء مجلس الشعب السوري. كما أن عدد النساء في مجالس الإدارات المحلية يشير الى تغيير ايجابي. في عام 1975 كان العدد 27 فقط. أما في عام 1999 فقد وصل الرقم الى 189 امرأة. أي أن العدد قد تضاعف سبع مرات. و في التعليم زادت نسبة النساء المتعلمات من 33 %  عام 1980  الى 58% عام 1998.  و في قوة العمل مثلت النساء السوريات عام 2000 حوالي عشرين بالمئة من قوة العمل تركز معظمهن في الزراعة و التعليم. تمثل المرأة السورية 57% من الكادر التعليمي و تحتل 39 %  من المقاعد الدراسية. وحين ننظر في توزيع العاملين وفق الجنس نرى أن نسبة النساء اللواتي يتقاضين أجوراً في الدولة قد زادت من 41 %  عام 1970 الى 46 % عام 2000. و مع جهود الدولة الحثيثة لتشجيع المرأة للخروج الى العمل فإن المرأة السورية تشكل اليوم 30 % من موظفي الدولة.

و لكن و مع ذلك فإن كل هذه الإنجازات تبقى عاجزة عن تحقيق التقدم الضروري من أجل تمثيل مساو للمرأة في الحقل السياسي. و لا زالت هناك تغييرات جوهرية يجب أن تطرأ في النظم الإقليمية السياسية في العالم. و لا شك أن التربية و التركيز على التوعية مازالت من الأدوات الأساسية للتغيير. و مازالت هناك الحاجة لوضع استراتيجيات واضحة ترتكز على آليات عمل دقيقة من أجل التعاون الوثيق بين الوزارات و المجالس المحلية على المستوى الإقليمي تضمن نفوذ النساء الى مفاصل صنع القرار. و تزيد من قدرة النساء على المساهمة في قيادة مجتمعاتهن، و هذا لن يكون منصفاً للنساء فقط و لكنه سوف يكون منصفاً للعالم لأنه دون شك سوف يزيد من قدرة الحكومات على تحقيق العدالة و السلام.

و لذلك فإن المؤتمرات و حلقات الأبحاث و الإرادة الطيبة لم تعد كافية اليوم. إذ بالرغم من الجهود الدولية فإن بضع بلدان فقط قد وفرت للمرأة التمثيل الصحيح الذي يليق بقدراتها. و الأهم من كل ذلك لا بد أن تصبح نسب تمثيل النساء مؤسساتية. و لا بد من استصدار القوانين التي تؤكد على تكافؤ الفرص بين الجنسين. و على القوانين أن تعرف التمثيل المتساوي في العدد و النسب. و أن تطبق المبادئ. و لا بد للخطط التنموية من وضع الأولويات التي تحقق مساهمةً فاعلةً و أكيدة للنساء. كما نحتاج إلى هيئات متابعة و مراقبة تضمن تطبيق القوانين و النظم و المبادئ التي تعزز مكانة المرأة في مواقع اتخاذ القرار.

و مع التحصيل الثقافي العالي للنساء في جميع أنحاء العالم اليوم لم يعد هناك من عذر لعدم تواجد النساء في مواقع اتخاذ القرار المحلية و الدولية. يمكن أن يتم تعيين النساء وفق مؤهلاتهن العلمية و الثقافية و قدراتهن و تجاربهن المهنية. و حين يتم وضع الإجراءات المناسبة في مؤسسات تختار حسب الكفاءة لا الجنس فإن النتائج ستدهشنا جميعاً.

و لا يسعني اليوم باسم الجمهورية العربية السورية إلا أن أحيي جهود تركيا و كل من عملوا على عقد هذا المؤتمر لحرصهم الشديد على جمع كل هذه الأصوات و الطاقات هنا من أجل عمل نحن جميعاً بأمس الحاجة اليه  على الطريق الطويل لرفع مكانة المرأة و تمكينها من المساهمة و العطاء ليس في اقليمنا هذا إنما في العالم برمته

و الســـلام عليــكم و رحمــــة الله و بركاتـــــه

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى