محاضراتمحاضرات اغترابية

مع الجالية العربية في نيويورك – الولايات المتحدة الأمريكية

د. بثينة شعبان

16 كانون الأول 2003

الدكتور عماد مصطفى: بدأنا لقاءاتنا منذ عدة أيام في كاليفورنيا، حيث اجتمعنا مع الجالية و قمنا بالعديد من الأنشطة هناك. ثم توجّهنا الى هيوستن – تكساس. وأيضاً  كان لنا أنشطة متعددة هناك من لقاء مع الجالية الى لقاءات سياسية متعددة من مثل   Huston concord وWord Affairs Councils  . لقد كانت لقاءات اعلامية  و حتى لقاءات مع الجالية اللبنانية.  و كل ما يمكن تخيله قمنا به.  ثم توجهنا من هيوستن تكساس الى كليفلاند – أوهايو. و كان الفرق في الطقس كبير جداً، انطلقنا من ولاية حارة الى ولاية قارسة البرودة. و هناك ايضاً تصادف وجودنا مع انعقاد مؤتمر المنظمة العربية –الامريكية لمكافجة التمييز. و اجتمعنا هناك مع الناشطين السياسيين و اجتمعنا مع قياديينا السياسين و من ثم عقدنا اجتماع موسّع مع الجالية السورية، و ربما تعلمون ان غالبية الجالية السورية في كليفلاند – أوهايو هم من الاطباء. و بعد ذلك توجّهنا الى و اشنطن و هناك أيضاً كان لدينا اجتماعات عديدة جداً، من وزارة الخارجية، وزارة الاعلام، و CNN و لقاءات سياسية متعددة و ممثلي مجلس الكنائس الى لقاء موسع مع الجالية السورية. و الآن نحن هنا ما بين نيويورك و نيوجرسي نجتمع معكم. و أيضاً كان لنا في هذا الصباح العديد من اللقاءات منها الاعلامي و منها السياسي. و أيضاً قابلنا المستر صليبا، و غداً أيضاً سنتوجه الى ميتشغن، و هناك ايضاً لدينا العديد من اللقاءات المهمة جداً. و بعد ذلك ستغادر الدكتورة بثينة شعبان –وزيرة المغتربين – الى سوريا.

لن اطيل الكلام كثيراً، فقط أردت أن أقول لكم ما قمنا به خلال العشرة أيام الماضية. لكن أريد أن أقدم لكم الدكتورة بثينة شعبان. طبعاً تقديم شخص معروف و مشهور مثل الدكتورة بثينة شعبان ليس بالأمر السهل. من السهل جداً تقديم شخص مغمور، غير معروف، لكن ان نقدم شخصاً معروفاً جداً فإن هذا يتطلب بعض الحنكة و المهارة. أعتقد ان افضل طريقة لتقديم الدكتورة بثينة شعبان هي أن نتحدث عنها كإنسانة أكاديمية و مثقفة، و كإعلامية قبل أن تتحدث هي عن نفسها بإعتبارها وزيرة للمغتربين. الدكتورة بثينة شعبان، كما تعلمون جميعاً، تحمل الدكتوراه في الأدب الانكليزي من جامعة Warwick البريطانية. عندما توجهت الدكتورة شعبان لمتابعة دراستها الأكاديمية في بريطانيا لم تكن تتصور في يوم من الأيام أن مسارات حياتها ستنتهي في عالم السياسة، لكن شاءت الصدفة أن أطروحة الدكتوراه التي قامت بها، و بما انها في الأدب الأنكليزي فقد اختارت احد كبار الشعراء الانكليز (شوي)، و كانت الصدفة ان شوي كان معروف بالتبرير لمرحلة الميثاق.  فتداخلت السياسة و الادب في اطروحة الدكتوراه، و كأن هذا قدر مرسوم منذ بداية حياتها الاكاديمية.  و بالفعل تدرجت الدكتورة بثينة شعبان في هذا المسار رويداً رويداً فبدأت أولاً بالكتابة و النشر في قضايا المرأة، المرأة السورية و المجتمع في سوريا. ثم بدأت تهتم بمشاكل المجتمع بطيف و اسع. فانتقلت من المرأة الى عالم الانسان: المرأة و الرجل و الطفل و الأسرة. فبدأت تكتب في هذه القضايا، و في الوقت نفسه بدأت الدكتورة شعبان تعمل كمترجمة مع الرئيس الراحل حافظ الأسد. و اكتسبت خلال سنوات طويلة جداً و لا سيما خلال مباحثات السلام خبرة سياسية عريقة. طبعاً هي لم تعمل فقط مع الرئيس الراحل و انما عملت مع الوفود السورية في مباحثات السلام. و عبر السنوات  كانت مدرسة سياسية بالغة الأناقة و بالغة  التأثير و ساهمت مساهمة كبيرة جداً  في تشكل شخصيتها السياسية و وعيها السياسي.  لكنها لم تفقد أبداً البعد الأكاديمي و الفكري و الثقافي في حياتها. فقد استمرت، كما تعلمون، في التأليف و الكتابة. فهي لديها العديد من المؤلفات باللغتين بالعربية و الانكليزية. لديها كتابان منشوران بالغة الإنكليزية. و كما تعلمون هي تكتب كثيراً في الصحف.  لكني سأقول لا اعتقد انه يوجد اليوم في العالم العربي إعلامية عربية ظهرت على وسائل الإعلام العربية و العالمية كما ظهرت الدكتورة بثينة شعبان. تكاد لا توجد قناة اعلامية فضائية عربية أو قناة اعلامية أمريكية أو اوروبية لم تستضف الدكتورة بثينة شعبان. MBC – CNN – MBC – Focus News –  حتى البرامج الخاصة مثل Charli Rose . كل الأقنية التي تعلمون عنها ظهرت عليها. و ظهرت أيضاً على الـ BBC    و على الأقنية الاوروبية و لديها ذخيرة هائلة من الظهور الإعلامي المتميز.     و أينما ذهبت الدكتورة شعبان الآن في الوطن العربي أصبحت معروفة جداً. لكن الأهم من ذلك هو ان للدكتورة بثينة شعبان جمهوراً، و قد صعقت أنا بنفسي هنا في الولايات المتحدة فحيثما نتوجه الى جامعة امريكية فإنه بين الدكاترة الاكاديميين أناس يعرفونها و يرحبون بها. البارحة كنا في جامعة  Clengton و الجامعة قدمت الدكتورة في مدرسة Wodrow Wilson  محاضرة و كان الجمهور كبير. و كان منهم لم يقابلوها من قبل و لكن يعرفون أنها جيدة. و الجمهور كان برمته أمريكياً لم يكن هناك أحد من العرب باستثناء شخص أو شخصين.

آسف أني أطلت، لكن فقط أردت ان ارسم صورة متكاملة  للدكتورة بثينة شعبان. لكن قبل أن اسلمها المايكروفون أريد ان اقول لكم قصة قصيرة جداً شاهدتها في هيوستن – تكساس. أثناء لقاءنا مع الجالية اللبنانية في هيوستن – تكساس تقدم الدكتور فيليب سالم، و هو طبيب مشهور، مرموق و معروف جداً سواء في الولايات المتحدة أو في العالم العربي. فبالإضافة الى كونه طبيب مرموق هو متحدث في الشأن العام و أعتقد أنه يكاد أن يكون سياسي. فدخل و رحب بنا بحرارة عظيمة جداً، ثمّ علّق قائلاً و قد أعجبني هذا التعليق كثيراً. قال لنا الكثير من تلامذتي أصبحوا وزراء، و عندما أصبحوا وزراء تصلّبوا و تخشّبوا و لم يعودوا يعرفون كيف يتصرفون.  تغيرت شخصيتهم قبل الوزارة و بعدها. أما أنت فتكادي تكوني المسؤلة العربية الوحيدة التي قابلتها و أنت لم يتغير قيد أنملة، أي شيء في شخصيتك. لا زلت كما كنت متواضعة،  بسيطة، انسانة تهتم بالفكر، تهتم بالثقافة، تهتم بالفكرة و الفكرة المضادة، تهتم بالمنطق و تهتم بالحديث، و لا تهتم اطلاقاً بالقشور. أعجبني حديثه جداً فوجدت أن هذه أفضل طريقة لتقديم الدكتورة بثينة شعبان. فأهلاً و سهلاً بك.

الدكتورة بثينة شعبان:

مساء الخير. أولاً، أودّ أن أتوجه بالشكر للسيدة سلوى الاسطواني، الصديقة العزيزة التي قامت بجهد كبير مشكورة كي نتمكن من اللقاء بكم هذا المساء. فأنا ممتنّة و شكراً لك سيدة سلوى. و شكراً لكل المغتربين و المغتربات العرب الذين مكنونا من اللقاء بكم هذا المساء. فشكراً لكم، و أنا سعيدة جداً بهذا اللقاء. و أود ان اعبر عن سعادتي بأني محاطة بسفيرين صديقين لهما مكانة هامة جداً في قلبي: الدكتور فيصل مقداد أخ و صديق و رفيق عمر منذ أيام الطلبة. فأحييه و أنا سعيدة و فخورة كونه معنا. و الدكتور عماد مصطفى زميلي في جامعة دمشق و كان عميداً لكلية الهندسة المعلوماتية قبل أن يكلّف بهذه المهمة الصعبة في واشنطن. و الحقيقة يخجل تواضعي الدكتور عماد حيث توجهنا و لكن اريد ان اقول أنني أول ما عرفت الدكتور عماد حضرت محاضراته في مكتبة الأسد، و فوجئت أنه لدينا مثل هذا الإنسان الباحث، هو باحث و مفكر حقيقي، و أنا اعتبر مساهمته في الدبلوماسية السورية و في السياسة السورية ثروة حقيقية للوطن. فأحييه و أشكره من قلبي. و أتمنى أن أحييكم جميعاً فرداً فرداً،  كل باسمه العزيز و الغالي، و اريد ان اقول لكم أن أهم ما في الحياة هي المحبة. الحقيقة أنا لم أكن أتوقع ابداً أنني سوف أكلف بحقيبة وزارية و لا أخفيكم سراً أنني صعقت حين كلفت بذلك. لأنني أعتقد أنني كنت أعمل عملاً هاماً في ادارة الاعلام الخارجي و كنت مشغولة و ليس لدي الوقت أن أفكر بأي شيء. لكن الامر الوحيد الذي أسعدني بهذه المهمة عندما مضى شهر أو شهرين هي أولاً ثقة الحكومة السورية و السيد الرئيس بشار الاسد بي شخصياً، لكن ما اسعدني بالفعل على المستوى الانساني هي المحبة التي لمستها من الناس الذين لا أعرفهم، و لم أكن اعرف انهم يعرفونني على الاطلاق. و بقيت لأشهر و أنا أحاول ان اخفف من استقبالي للمحبين و الحقيقة شعرت ان هذه المحبة هي اهم و اغلى ثروة يمكن للانسان ان يحصل عليها.

و أشعر في هذه المرحلة اذا استطعت ان استخدم هذا كمقدمة لأدخل في الحديث أنه ما نحتاجه نحن اليوم كعرب هو هذه المحبة. ان نحب بعضنا أكثر و ان نتعاون مع بعضنا اكثر. و أن ندرك اننا في قارب واحد و أن نشد ازر بعضنا أكثر. و الحقيقة اشعر اننا كأمة لها تاريخ و حضارة، و لدينا غنى ثقافي و فكري و شعري لا ينقصنا الا ان نضع هذه الالية التي تمكننا ان نعمل سوياً. و ان لا نغار من بعضنا و ان لا نحسد بعضنا، و ان لا نعمل ضد بعضنا. و اعتقد ان هذا ينطبق على أي مجتمع صغير تعرفونه جميعاً كما ينطبق على دول عربية و على مجتمعات عربية.

إن هذه النقطة قد تبدو صغيرة و لكنها اساسية، فاذا نحن احببنا بعضنا اكثر، و احببنا الوطن اكثر، يمكن ان نتمكن من أن نبني عزاً افضل لهذا الوطن. و يمكن ان نتمكن ان نثبت للعالم اننا امة تستحق الاحترام و تستحق الحياة. و صدقوني حتى الغد، الناس الاخرين لن يعملوا و لن يتمكنوا من بناء اوطانهم  الا بالمحبة، و الا بوضع اليات العمل تضع منظور الوطن أولاً. يعني نحن اذا نظرنا الى عالمنا العربي نرى اننا مازلنا نعمل كأفراد. ما زلنا نعمل كأشخاص، و الحقيقة ان الحوادث المؤلمة التي تحدث تري انه لا يوجد لأي انسان أمن شخصي ما لم يكن الوطن عزيزاً. و لن يوجد لاي شخص كائن من كان ثروة ذات قيمة ما لم تكن هذه الثروة هي الوطن الذي سنورثه لاولادنا و احفادنا. و انا بيني و بينكم، كانسانة بسيطة، من بيت طبقي كادح، اتيت من ريف حمص. احياناً اتساءل حين ارى اناس لديهم بيوت  و قصور و أموال و ليس لديهم الوقت ان يجلسوا بها، و ربما لم يتآلفوا معها. أقول ماذا سوف يعملون بهذه البيوت و بهذه القصور، بالنتيجة كل منا سيكون لديه “متران بمتر لا اكثر  لا اقل”. اذا لماذا هذا الحرص على كل الامور المادية و التي احياناً يتم جنيها على حساب السمعة الشخصية، و على حساب الوجدان، و على حساب راحة الضمير و بالتأكيد دائماً على حساب الوطن. و على حساب الاخرين.

يبدو ان بعض الناس لديهم افكار مختلفة و مناظير مختلفة، لكن دائماً انا اميل الى البساطة و العودة الى المنطق البسيط. أن الانسان لا يستطيع ان يأكل أكثر من طاقته و انه لا يتسطيع ان يلبس أكثر من ثوب واحد في الوقت الواحد، و لا يستطيع ان يركب اكثر من سيارة  و لا ان ينام بأكثر من سرير. و الحقيقة، أنا اجد ان الناس الذين لديهم القناعة هم سعداء أكثر بكثير من الناس الذين ليست لديهم هذه القناعة و لا يستطيعون ان يركزوا على التآلف مع الوضع. أريد ان احكي لكم مثال صغير:أنا سكنت  في شقة صغيرة جداً في مساكن برزة لمدة خمسة عشرة عاماً، كانت مساحتها مئة متر.  و الان بعد خمسة عشرة عاماً سكنت شقة أكبر بقليل، ليس بكثير، في الحقيقة لا اعرف كيف اعيش بها. متعودة على شقتي الصغيرة. كنت اعرف اين الاشياء، كنت متألفة معها، و لم يكن من السهولة ان اخرج  و أتآلف مع مكان اخر، المكان يصبح جزء من الانسان.

ان اتحدث اليكم هذا الحديث من القلب لانني ارى ان امتنا العربية و ان سوريا بشكل خاص تمر بمرحلة صعبة، و اتطلع اليكم كافراد و كمجموعة ربما اقدر الى المساهمة بالفكر و المعرفة  و الارادة لكي نحمي وطننا، و لكي يبقى هذا الوطن عفيفاً منيعاّ. انتم في المغترب، و الانسان في المغترب، انا برأيي، الذ انجز و حقق وضعاً اقتصادياً و مادياً و مهنياً و اجتماعياً في المغترب هو انسان قادر جداً، لانه مع انه انتزع من وطنه او انتزع نفسه من وطنه و اتى الى بيئة غربية و وطن غريب و آليات غريبة، و مع ذلك صمم ان يتفوق. هذا الانسان لديه امكانية اكبر بكثير من الانسان العادي. اذا اخذنا هذا مع  الانتماء الذي انا اثق انكم تتمتعون به و مع حب الوطن الذي ليس لدي شك انكم تحبونه جميعاً فانني اعتقد انكم قادرون على المساهمة في مساعدة وطنكم في تجاوز هذه المرحلة الصعبة. و قد تكون المساهمة بفكرة أو برأي او بجهد بسيط، كتابة رسالة او كتابة e-mail، أي موقف او أي مساهمة منكم يمكن ان تكون ثمينة او قيمة جداً بالنسبة الينا جميعاً.

أتيت اليكم راغبة ان اشد اواصر الانتماء و ان نعمل بمحبة و باقتدار و ان نضع الخطط و الاستراتيجيات لكي يكون العرب فاعلين على الساحة الامريكية. و انا لا اعتبر ان وزارة المغتربين هي وزارة سورية فانا انتمي الى ما قبل سايكس – بيكو. و اعتبر هذه الوزارة وزارة عربية.  لانني اؤمن اننا نحن العرب في قارب واحد. كل العرب سواء ادركوا ذلك ام لم يدركوه و ان هويتنا هي المستهدفة. و ان تاريخنا هو المستهدف، و ان حضارتنا هي المستهدفة. و منذ ثلاث سنوات و انا اكتب انه من واجب كل منا ان يدعم الشعب الفلسطيني لانهم يقفون على خط الدفاع الاول. حين يرى العالم برمته ان طفلا فلسطينيا يركض وراء دبابة و يرميها بالفخر فان كل عربي يشعر بالفخر، فلذلك من واجب كل العرب ان يدعم هؤلاء على الصمود و المقاومة. و حين يتصرف احدهم بغي كما تصرف آخر من القوا القبض عليه، كلنا نشعر بالذل. اذاً تصرف كل واحد منا يعطينا قدرة او قوة  او يصيبنا بالوهن.  و لذلك تصرف كل واحد منا هام لهذه الامة. و انا الحقيقة فوجئت بحجم الجالية العربية في الولايات المتحدة و قدرة هذه الجالية و الاماكن المرموقة التي تحتلها هذه الجالية. و لكن لحد الآن هي جالية غير مرئية، هي جالية غير فاعلة على الساحة السياسية الأمريكية.  و طبعاً لهذا اسباب كثيرة، و لسنا نحن هنا بصدد محاسبة انفسنا  او جلب انفسنا على الماضي. لكننا بصدد فتح صفحة جديدة و التفكير بطرق عمل جديدة و محاولة تجاوز هذا الواقع الى واقع أفضل بكثير.

احدى اهم الافكار التي يجب ان ننتبه اليها هي ان الصهيونية كان لديها اسطورتان اثنتان حاولت اقناع العرب بها : الاسطورة الاولى انها صاحبة الحق في فلسطين و انها تعود اليوم الى فلسطين لاخذ هذا الحق التاريخي لها. فهذه الاسطورة ، كما تعلمون قد سقطت. فلا يعتقد العرب و لا العالم ان الاسرائيليين هم اصحاب حق في فلسطين. بل هناك اليوم بدء التفتح بالوعي العالمي بما يفعله الاسرائيليين ضد الفلسطينيين. و الحقيقة  genocide الذي يتخذه الاسرائيليون ضد الفلسطينيين. هذه الاسطورة الاولى سقطت. الاسطورة الثانية و التي لم ننتبه اليها نحن العرب، البعض لم ينتبه اليها حتى الان، هي ان الصهيونية قد اقنعت العرب جميعاً ان الساحة الامريكية بشكل خاص هي حكر لهم. و انه لا يمكن للعرب ان يفعلوا شيئاً لان الاعلام الامريكي ملك لهم، و الادارة الامريكية ملك لهم، و الكونغرس الامريكي ملك لهم، فلذلك كيف على العرب ان يفعلوا شيئاً سوى ان يندبوا حظهم لانه لا طاقة لهم لفعل شيء. و لا اخفيكم سراً انني قبل سنتين كنت نفسي ضحية هذه الاسطورة و كنت في مقابلة تلفزيونية في تلفزيون المستقبل في لبنان مع صديق هو السيد جميل مروة، رئيس تحرير جريدة الديلي ستار و كنا نتحدث عن اللغة و الاعلام و الانتفاضة. و على الشاشة قال الاستاذ جميل مروة ان الساحة الامريكية منفتحة، و ان العرب مقصرون، و انهم لا يحاولوا الدخول الى هذه الساحة. و طبعاً انا لم اوافقه الرأي. و لكن بعد ذلك و بعد ان جربت بحكم وضعي كمديرة  للاعلام الخارجي ان اتحدث  الى الاعلام الغربي، و ان اكتب في الاعلام الامريكي، و ان اسبر استعداد الاعلام الغربي للاستماع الينا، وجدت اننا يجب ان نلوم انفسنا فقط. نحن جميعاً مقصرون لاننا لم تحاول ان نوصل اصواتنا الى الشعب الامريكي، و الى الشعوب الغربية. لا نحاول ان نخبرهم ماذا يجري على ارض الواقع و الكثيرون منهم ليس لدينا الوقت او الامكانية ان يطلعوا على حقيقة ما يجري. و ليس من واجبهم ، حقيقة، ان يطلعوا على حقيقة ما يجري اذا نحن لا نطلعهم على حقيقة ما يجري. و كما ترون ان الذي يعيش في الولايات المتحدة لا يستطيع ان يطلع على حقيقة ما يجري في الشرق الاوسط اذا لم يبذل جهداً حقيقياً لكي يعرف ماذا يجري في الشرق الاوسط.

اذا اضفنا هذا الى العمل الذي يقوم به الاسرائيليون باستمرار على الساحة الامريكية مع الاعلام و مع الجامعات و مع التلفزيونات و في كل مكان فاننا نرى لماذا يستطيع الاسرائيليون ان يقتلوا اطفالنا و يدمروا بيوتنا و يقتلعوا اشجارنا و من ثم تبقى صورتهم مقبولة لدى العالم. و لماذا نحن العرب تحتل اراضينا و يقتل اطفالنا و تقتلع اشجارنا و مع ذلك يطلق علينا أمام العالم ارهابيين. لذلك علينا ان نعرف ان السبب لذلك هو اننا جميعاً مقصّرون، و اننا لم نضع الاستراتيجيات و الخطط و الفكر لكي نغير هذه الصورة. و اننا اذا بدأنا بفعل ذلك،  صدقوني فانه يمكن لنا ان نصل الى نتائج ممتازة. انا لا اريد ان اطيل عليكم و لكنني اريد ان اروي عليكم حادثة صغيرة كبرهان على ما اقول حدثت معي البارحة. كما قال صديقي الدكتورعماد، كنا البارحة في جامعة “برنستون”  و هذه هي المرة الاولى التي ازور بها جامعة “برنستون”. أولاً فوجئت ان عدد الجضور كان ممتازاً برأيي. و ثانياً بعد ان تحدثت و سألوني أسئلة جيدة. احدى السيدات التي جندت نفسها لخدمة اسرائيل قالت لي لقد تحدثت طيلة الوقت عن لوم شارون و لوم الحكومة الامريكية  و لم توجهي اللوم الى احد اخر. كل حديثك يوجه اللوم لشارون و الحكومة الامريكية. الا تعتقدين انه على الفلسطينيين و الاسرائيليين ان يفعلوا شيئاً؟  انه على الطرفين ان يفعلوا شيئاً ؟ و ان الطرفين مسؤولان عما يجري؟  فقلت لها لا يوجد طرفان. يوجد طرف يحتل ارضاً و طرف ارضه محتلة. و يوجد طرف يقتل و طرف آخر يقتل. اذا القضية هي انه يوجد احتلال و يجب انهاء هذا الاحتلال. المهم في هذه القصة انني حين ذهبت الى قاعة الاستقبال بعد ذلك اتاني اكثر من اربعة اشخاص امريكيين و قالوا لي: كم كنا سعداء بانك اجتبها هذا الجواب و نحن سوف نستخدم هذا الجواب في تدريسنا و في احاديثنا و في اجوبتنا للاسئلة التي نتعرض لها. هذا يري ان الشعب الامريكي مستعد ان يستمع. و يري انهم يبحثون عن اجوبة. و يري اننا نحن مقصرون في ان نقدم لهم هذه الاجوبة. فلذلك علينا جميعاً ان نعمل و ان نخطط و ان نفكر و ان نبدأ بعمل حقيقي على الساحة الامريكية لاظهار الحق العربي، و لاظهار ان المسلمين هم دعاة محبة و دعاة سلام، و ان الاسلام هو دين محبة و دين سلام. كم من الامريكيين يعرفون انه لا يمكن لمسلم ان يكون مسلماً حقيقياً ما لم يؤمن بأنبياء الديانة اليهودية، المسيحية و من ثم الاسلام؟ هذه الحقيقة وحدها، اذا قلنا لهم ان كل الانبياء مذكورين بالقرآن، و ان انبيائكم هم انبياؤنا و اننا نؤمن بهم. و ان نبينا محمد صلى الله عليه و سلم هو خاتم الانبياء، و متمم الرسل. هذه الرسالة البسيطة التي نعرفها جميعاً كمسلمين لا تصل. في منطقتنا نحن عشنا جميعاً مسلمين و مسيحيين و اعراب و اديان مختلفة و نحن نفخر اننا نعيش بمحبة و بمودة، و لكن على هذه الصورة ان تصل.

و يجب علينا، و هنا اختتم، ان نقضي على عقدة الخوف فينا. يجب ان لا نخاف ان نشير للخطأ لان الوطن هو الاهم. و يجب ان لا نخاف ان نخطّأ أي انسان لان الوطن هو الباقي و ليس البشر. و يجب ان لا نخاف من هذه الهجمة الشرسة علينا التي تصفنا اننا ارهابيون و اننا لسنا حضاريين. و أن لا  نأخذ بالعبارات التي يستخدمونها فشارون دائماً يقول الدول المتحضرة. أي اننا نحن غير متحضرين. يجب علينا نحن ان ننتبه الى كل كلمة يقولونها و ان ندحض كل عبارة و كل مصطلح يأتون الينا به. و نحن لدينا و لديكم جميعاً كل الحق ان تفخروا بتاريخكم، بانتمائكم و بدينكم و ان تشعروا الامريكيين انكم فخورون. فاذا كان الطفل الفلسطيني قادر ان يقاوم دبابة فيجب ان نكون قادرين ان نقاوم فكراً مغلوطاً و فكراً عنصرياً يحاول ان يحارب العرب و المسلمين بشكل عنصري.

بالنسبة لوزارة المغتربين انا سعيدة جداً ان اكون جزءً من فريق العمل المتميز، ننظر اليه بانه ذخر حقيقي لهذا الوطن. سوف نكون في خدمتكم في كل المجالات و ليس عليكم الا ان تطرقوا باب وزارة المغتربين، و نحن سوف نكون معكم في كل و في أي وزارة لديكم أي مشكلة او أي قضية معها. فنحن جسر بينكم و بين الوطن.

و قبل ان آتي الى هنا حمّلني السيد الرئيس بشار الاسد محبته لكم جميعاً. و الحقيقة أنه كلفني بهذه المهمة نتيجة تقديره الكبير لمكانة المغتربين و لاهمية المغتربين لانه يعلم ان الجميع يحبون الوطن و ان الجميع لديه انتماء و لكننا نفتقد هذا الجسر للتواصل. و ارجو من الله ان يقدرني في هاتين السنتين ان اتمكن في بناء هذا الجسر بينكم و بين الوطن. و ارجو من الله ان نكون جميعاً أسعد في المستقبل نتيجة بناء هذا الجسر بيننا و بينكم. نرجو ان نتمكن من وضع WebSite في القريب العاجل. من خلاله نحن نعطيكم رسائلنا و انتم يمكنكم ان تتفاعلوا معنا. و نحن نرحب بكل الافكار و بكل الاراء و آمل من الله ان يقدرني ان نعقد مؤتمراً اغترابياً الاول في الصيف القادم، بحيث نشكل مجلس اعلى للاغتراب من حضراتكم و من وزارة المغتربين.  و ننطلق انشاءالله بعمل هام ليس لسورية فقط و انم لكل العرب و للامة العربية و مستقبلها.

شكراً لكم

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى